الجمعة 14 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

عن الشعب.. وليس النخب

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بالإمكان أن تميز ما هو دال عبر المظاهرات المحدودة التى خرجت الجمعة الماضية، تحت شعار جمعة الأرض، متخذة ذريعة من موضوع ترسيم الحدود المائية بين مصر والسعودية، ودخول جزيرتى تيران وصنافير ضمن الحدود السعودية، وهو ما تم دون إخراج سياسى ملائم، لكن لتكن البداية من مشهد كان ضمن ما تم عرضه على الوسائط الاجتماعية. وصلت تظاهرة إلى حيث منطقة محال تجارية، فإذا بشابة تخترق المتظاهرين وبأعلى صوت تطلق تحذيراتها لمن تسول له نفسه الاقتراب من المنطقة المحيطة بمحالها، مضيفة أنه لا هى ولا جيرانها من أصحاب المحال مستعدون تحت أى ظرف لمزيد من «وقف الحال». كانت تبدو بلغتها وأسلوبها أقرب للشابة المدنية منها لبنت البلد، واتضح هذا أكثر لما راحت ترد على هذا وذاك بمنطق ومهارة جعلتهم يكفون عن الهتاف ويتوقفون عن السير وهى ما زالت تلوح بتهديداتها التى ألحقت بها قدرا لا بأس به من دروس الانتماء والوطنية التى تقتضى من وجهة نظرها، «روح يا خويا منك له، شوف أكل عيشك».
لم يكن العدد ضخما، لكنه كان كافيا كى يفيق أحدهم ويرد عليها فى محاولة لإيقاف هجومها عليهم. قبل خمس سنوات ربما كانت هى نفسها، تفسح الطريق للمتظاهرين، وربما تحميهم، وتمدهم بالماء والطعام.. ما الذى جرى؟ وكيف تغيرت الصورة تقريبا من نقيض إلى آخر..؟ لم تقتنع البائعة أو صاحبة المحل بما كان المتظاهرون يهتفون به من شعارات لا تخلو من تخوين للنظام «وعواد الذى باع أرضه..»، بل لعل هذا المعنى نفسه هو ما استفزها ودفعها إلى الخروج والمواجهة بأسلوبها وطريقتها المفعمة بالثقة، أتصور أمرين: الأول أن التربص الواضح الذى وصل إلى حد تخوين نظام هو نفسه الذى انتشل مصر بهويتها وتاريخها ومستقبلها، لم يكن متوائما مع الحدس الشعبى العام الذى رغم أنه يمكن أن تكون به قطاعات تعانى، وأبناء يعانون البطالة وقطاعات مضارة بفعل الركود وقطاعات لديها تحفظاتها على الوضع، لكنها وفى نفس الوقت مدركة حساسية التوقيت وخطورة اللحًظة حتى لو أن قلبها كان موجوعا. كيف لإدارة عموم مصر أن تدرك أن وجوب إشراك الناس فيما يخصهم ليس ترفا ولا عطية بل هو فرض وركيزة وحق، وأنه الأساس فيما يوثق بين الشارع والإدارة، وأن هذه المصرية واعية بكل ما يقال عن حساسية وخطورة اللحظة، وأنه حقها أن تكون على بينة ووضوح، وأنها لا يمكن أن تكون آخر من يعلم. كان طبيعيا أن يتم استثمار تلك الفجائية غير المقبولة، فى مسألة كالجزيرتين، من قبل ليس فقط المختلفين فى الرأى، بل وأيضا من لهم مآرب أخرى، فنحن من يخلف النتوءات أو من يترك ثقوبا تزحف عبرها الأفاعى.. هذه المصرية المشغولة «بواقع أكل عيشها»، وهى عبارة تلخص ما يمكن أن تتكلم عنه الدولة من كبريات مسائل الاقتصاد، تثق فى وطنية النظام الحاكم، وما استفزها ليس «وقف الحال» وحده، لكن تلك «النغمة التخوينية» فى نظام هى أودعته ثقتها.
علاقة المصرى بالأرض، علاقة تشوبها الكثير من الظروف التاريخية التى تجعل من الأرض ليس مجرد عرض ولكن «وجود»، كينونة، وكما أن المصرية لم يكن مقبولا بأى حال أن تتغاضى عن تخوين حاكم فوضته، ووثقت به، فليس معقولا ألا نسلحها بيقين، وأن نشركها، لا أن تستيقظ ذات صباح على أن جزءا كانت تراه من شاطئ البحر الأحمر، يقولون لها إنه ليس مصريا. العقد السارى الذى يلزم تلك الشابة بالوثوق فيمن فوضت، يؤسس لعلاقة محورها الشفافية والنظر إليها كشريك وطرف ثان كامل الأهلية. ليست مسألة نخب منظرة، أو متناظرة.. لكن عن الشارع أتكلم، أو الشعب المدرك فى وعى ما تعجز عن إدراكه أحيانا نخب عديدة، والذى هو الهدف والمرام.