السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

محاولات إصلاح التعليم المصري «٣»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تحدثنا فى المقال الأول عن ضرورة زيادة أعداد المدارس وتطوير وتحديث المدارس الحالية، وفى المقال الثانى عن ضرورة الاهتمام بالعنصر البشري، خاصة المعلمين باعتبارهم حجر الأساس فى إحداث أى تطوير فى التعليم، ونخصص هذا المقال إلى تطوير المناهج وطرق التدريس والامتحانات واستخدام التكنولوجيا فى التعليم.
وتمثل هذه المحاور الأربعة مجتمعة (المناهج والتدريس والامتحانات والتكنولوجيا) ما يسمى بنظم التشغيل والبرمجيات (soft ware)، وهى محاور متداخلة ومتكاملة، ويلزم لتنفيذها وجود رؤية مسبقة لوضع المناهج، وتحديد طرق التدريس لكل مكون من مكونات المنهج، وتحديد دور متزايد لاستخدام التكنولوجيا لكى نواكب دول العالم من حولنا، وأخيرًا تبنى نظم امتحانات حديثة موضوعية تعتمد أيضًا على التكنولوجيا الحديثة، ولذا فكلها محاور متداخلة، ويلزمها وجود خطة قومية ممنهجة وعلى عدة سنوات بحيث تنقل التعليم المصرى من القرن العشرين إلى القرن الحادى والعشرين، وهذا ما يحاول الوزير طارق شوقى تنفيذه، وهو ما يجب علينا أن نساعده على تنفيذه.
وإذا كانت المناهج هى مجموعة المعارف والمهارات والسلوك المطلوب نقلها من المعلمين إلى الدارسين، فيجب أن تكون هذه المناهج حديثة ومرنة ومتطورة لكى تتناسب مع التطور الحادث فى العالم اليوم. فلم يعد مقبولا أن تكون مناهجنا قوالب جامدة عفى عليها الزمن، وأن تكون الكتب التى نسلمها للتلاميذ، والتى تنفق عليها الدولة عدة مليارات كل سنة، رديئة الطباعة، جامدة المضمون وقديمة المحتوي، ولذا تأتى أهمية المناهج الإلكترونية المرنة المتغيرة والمرتبطة بالأحداث اليومية ومواكبة للتكنولوجيا، وهذا هو الغرض من تسليم التابلت لتلاميذ المدارس. الغرض من التابلت هو مواكبة الجديد وربط المناهج بشبكة المعلومات وربطها ببنك المعرفة المصري، ولذا فإن التابلت له أهداف تعليمية وأحد مكونات تنفيذ المناهج، وأخيرًا لأداء الامتحانات والتدريب عليها.
ولقد كان لي الحظ أن شاركت فى عدة دورات عن تصميم وتنفيذ المناهج التعليمية، داخل وخارج مصر، والتى أصبحت التكنولوجيا الحديثة فى القلب منها. ومنذ ما يقرب من عشرين سنة، رأيت طلاب سنة أولى طب فى جامعة مانشستر وهم يدفعون ثمن التابلت الذى تسلمه لهم الكلية فى أول يوم للدراسة. هذا التابلت كان يحتوى على كل المنهج الذى يدرسه الطلاب طوال سنوات الدراسة الخمس، وكان عليه محاضرات مسجلة، وأسئلة للتدريب عليها، وروابط لكل مصادر المعرفة المرتبطة بالموضوعات التى يدرسونها وعلى رأسها المكتبة البريطانية، وهى ثانى أكبر مكتبة فى العالم بعد مكتبة الكونجرس الأمريكى ولذا ففكرة التابلت ليست جديدة وليست بدعة، ويمكن أن يكون لها مردود اقتصادى بتوفير الأموال الطائلة التى تنفقها الدولة على طباعة الكتب كل عام.
وتتعدد طرق التدريس حسب المحتوى التعليمى للمناهج والأهداف التعليمية المراد تحقيقها، وإذا كانت طرق التدريس التقليدية المعروفة منذ آلاف السنين والتى بدأت بالأزهر الشريف، والتى تمثلت فى شكل الأستاذ المحاضر والذى يخصص له كرسى يجلس عليه (ومن هنا جاء اسم أستاذ الكرسي) قد اعتمدت على المدرس لنقل خبراته المعرفية والمهارية لطلابه، فى شكل محاضرة نظرية، وأحيانًا تدريب عملي، فقد تغيرت طرق التدريس تماما فى العصر الحديث، فلم يُعد المدرس هو مصدر المعرفة الوحيد، بل تعددت وسائل المعرفة وأصبحت الشبكة العنكبوتية (الإنترنت)، والكمبيوتر والتليفون المحمول من أهم وسائل وطرق التعلم، ولذا وجب الاتجاه إلى التعليم النشط الذى يلعب الطالب فيه دورًا ناشطًا إيجابيًا فى البحث عن المعلومات وليس الحصول عليها من المعلم فقط. وأصبحت طرق المحاكاة (simulations)، والمحاضرات المعدة من قبل، والطرق التوضيحية والتعليم الإلكترونى هى الطرق الحديثة التى يتبعها العالم كله ومن بداية التحاق التلاميذ برياض الأطفال.
وتظل طرق الامتحانات هى التحدى الأكبر للتعليم المصري، ومن المعروف أن طرق وأساليب الامتحانات هى التى تحدد طريقة مذاكرة الطلاب، واهتمام أولياء الأمور، والتى تهدف بالمقام الأول إلى الحصول على أعلى الدرجات بكل الطرق المشروعة وغير المشروعة، وهذا ما أدى إلى اللجوء إلى الدروس الخصوصية، والتى أصبحت عبئًا على الأسرة المصرية، وعلامة على فشل المدرسة فى القيام بدورها، وتحويل العملية التعليمية من المدرسة إلى مراكز الدروس الخصوصية، وغياب الطلاب عن المدارس، ولذا لابد من تغيير نمط وطرق الامتحانات الحالية.
وفى معظم دول العالم يتم تقييم أداء الطلاب بصفة مستمرة من خلال الحضور والمشاركة فى العملية التعليمية، وتحديد درجات قد تصل فى النظام الأمريكى الى ٤٠-٥٠٪ من مجموع الدرجات على التقييم المستمر لأداء الطالب أثناء العام الدراسي، وهو ما يلزم التلاميذ بالحضور والمشاركة الفعالة فى العملية التعليمية. وهنا أتذكر الضجة الكبرى التى افتعلها أولياء الأمور، عندما قرر الوزير السابق للتعليم د.الهلالى الشربينى تخصيص ١٠ درجات فقط على حضور الطلاب فى الثانوية العامة، بعدما لاحظ أن الطلاب لا يذهبون إلى المدارس ويذهبون إلى مراكز الدروس الخصوصية فى أوقات المدرسة، وهذه الخطوة رغم جرأتها وأهميتها لحضور الطلاب، إلا أن السيد رئيس الوزراء المهندس شريف إسماعيل قد قام بإلغائها لتهدئة الرأى العام.
ولقد شكلت طرق الامتحانات التقليدية المبنية أساسًا على الحفظ، وتخصيص كل أو معظم الدرجات على امتحان نهاية العام، وتدخل أولياء الأمور فى سير العملية التعليمية والامتحانات، فى تعميق مشاكل التعليم المصرى وصعوبة إيجاد حلول لها. 
والأغرب من ذلك هو ما يحدث أيام الامتحانات، خاصة فى امتحان الثانوية العامة، من شكاوى الطلاب من صعوبة الامتحانات، ومن تدخل أولياء الأمور للضغط على الوزير لتعديل طرق التصحيح، وتكون النتيجة هى حصول الطلاب على الدرجات النهائية فى معظم المواد، وحدوث تصخم واضح فى درجات الطلاب لا يتناسب مطلقا مع مستواهم الأكاديمي، ولذا يجب استخدام الطرق الحديثة الإلكترونية، والابتعاد عن الطرق القديمة التى اختفت من معظم دول العالم. 
ويظل ملف الامتحانات هو الهاجس الأساسى للأسر المصرية، ولذا لابد عن البحث عن البدائل، وأن نستخدم الوسائل الحديثة التى تقيس الفهم والنقد والتحليل والتفكير الابتكاري، وهى الوسائل التى تتطلب التكنولوجيا الحديثة والتابلت، وللحديث بقية.