الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

القس سهيل سعود يكتب.. «سراج الجسد هو العين»

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يستخدم الكتاب المقدس، بعض أعضاء الجسد، كتشابيه مجازية، للإشارة إلى الحياة الأخلاقية. فالقلب يشير إلى الشخصية الإنسانية. اليد تشير إلى القوّة. الأُذُن تشير إلى نقل خبر الإيمان. اللسان قد يستخدم للبركة أو اللعنة. واليوم سنتأمّل بعضو العين من الجسد، لنتعرف إلى ماذا يشير. فى عظته على الجبل، قال يسوع المسيح: «سراج الجسد هو العين، فإن كانت عينك بسيطة، فجسدك كلّه يكون نيِّرًا، وإن كانت عينك شرّيرة، فجسدك كلّه يكون مظلمًا» (متى٦: ٢٢). ماذا قصد المسيح، بتشبيه العين، بالسراج أو بالنور للجسد؟
طبعًا فى عظته على الجبل، لم يكن المسيح يقدّم محاضرة طبية عن وظائف العين، لم يكن يقصد، عضو العين فى الجسم، الذى فقط يرى، وإنما العين المجازية المرفقة بالفهم والتمييز لما تراه. إنها نفس العيون التى تحدث عنها، الرسول بولس، قائلا: «مستنيرة عيون أذهانكم، لتعلموا ما هو رجاء دعوته، وما هو غنى مجد ميراثه فى القدّيسين» (أفسس١: ١٨). فالرسول بولس صلى إلى الله، كيما ينير عيون أذهان الأفسسيين؛ لأنه فقط عندما ينيرها الله، يستطيعون أن يدركوا ويفهموا، مضمون رجاء دعوة المسيح، وغنى مجد ميراثه فى القديسين. قال المفسّر هارولد فاولر: «إن تشبيه العين هو إشارة إلى الضمير.. إلى رؤية الإنسان الأخلاقية».
أما استخدام المسيح لكلمة «سراج» فى قوله «سراج الجسد هو العين». فهو أيضا لم يقصد حرفية الكلمة، التى تعنى القنديل، بل نور القنديل الذى ينير ويطرد الظلمة، عندما تشعل فتيلته. استخدم المرنّم كلمة «سراج»، للإشارة إلى النور والتنوير، الذى تقوم به كلمة الله. قال: «سراج لرجلى كلامك، ونور لسبيلي» (مزمور١١٩: ١٠٥). آمن المرنم أن كلمة الله، هى النور تنير الطريق لسبيل السائر فى الظلام. تستخدم ترجمة المصلح جون كلفن للكتاب المقدّس، كلمة «نور» بدلًا من كلمة «سراج».
اعتقد مفسرون، أن عينى الإنسان، هى المدخل والممر الذى تدخل منه الأفكار، إلى قلب وذهن الإنسان. وقد ميّز يسوع المسيح فى عظته على الجبل (متى٦: ٢٢)، نوعين من العيون: «العين البسيطة»، و«العين الشريرة». «سراج الجسد هو العين. فإن كانت عينك بسيطة، فجسدك كلّه يكون نيِّرًا. وإن كانت عينك شرّيرة، فجسدك كلّه يكون مظلمًا» (متى٦: ٢٢). فالعين البسيطة، هى العين الإيجابية، التى تدخل إلى قلب وذهن الإنسان، الأفكار الإيجابية، فتنير حياته، كما ينير السراج أو القنديل فى موضع مظلم. أما العين الشريرة، فهى تدخل إلى قلب وذهن الإنسان، أفكار الشر والسلبية، وهكذا تجعل من حياة الإنسان حياة مظلمة داكنة. كما استخدمت كلمة «سراج» فى الكتاب المقدس، للإشارة إلى الحياة، كما قال النبى صموئيل «ولم يشأ الرب أن يبيد يهوذا، من أجل داود أبيه، كما قال إنه يعطيه سراجًا ولبنيه كلّ الأيام» (٢ صموئيل ٢١: ١٧). عندما دعا المسيح شاول، ليكون بولس، رسولًا للأمم. فقد استخدم تعبير العيون لوصف مهمّته الروحية. قال له: «أنا الآن أرسلك إليهم لتفتح عيونهم، كيما يرجعوا من ظلمات إلى نور. ومن سلطان الشيطان إلى الله، حتى ينالوا بالإيمان بي، غفران الخطايا ونصيبًا مع القدّيسين» (أعمال الرسل ٢٦: ١٧-١٨).
عندما علّم المسيح هذه الآية فى عظته على الجبل، فإن السياق الذى أحاطه بها هو سياق، التحدّث عن ماهية موقف الإنسان المسيحى من المال. فقبل نطقه بداية المقارنة بين العينين، كان يقول لتلاميذه: «لا تكنزوا لكم كنوزًا على الأرض، حيث يُفسد السوس والصدأ، وحيث ينقّب سارقون ويسرقون. بل اكنزوا لكم كنوزًا فى السماء، حيث لا يُفسد سوس ولا صدأ، وحيث لا ينقب سارقون ويسرقون؛ لأنه حيث يكون كنزك هناك يكون قلبك» (متى ٦: ١٩-٢١). 
بعدها نطق بالآية موضوع تأملاتنا (متى ٦: ٢٢-٣٢). ثم بعدها أكمل حديثه عن موقف الإنسان من المال. فقال: «لا يقدر أحد أن يخدم سيّدين؛ لأنه إما أن بغض الواحد ويحبّ الآخر، أو يلازم الواحد ويحتقر الآخر. لا تقدرون أن تخدموا الله والمال» (متى ٦: ٢٤). من أكثر ما يعبّر عن قصد المسيح من تعبير العين الشريرة، قول كاتب سفر الأمثال: «ذو العين الشريرة بعجلٍ إلى الغنى، ولا يعلم أن الفقر يأتيه» (أمثال ٢٨: ٢٢). وبالتالي، فالعين الشريرة هى التى تسرع إلى الغنى وجمع الكنوز الأرضية ولا تبالى بجمع كنوزها فى السماء. قال الكاتب برنارد شو: «احفظ نفسك نظيفًا ومشرقًا، لأنك أنت النافذة إلى من خلالها ترى العالم».
إن نوع العين، هى التى تعكس حياة الإنسان الأخلاقية. وضع أحد الوعّاظ، عنوانًا لقول المسيح عن العينين المختلفتين، فكان: «نرى الأمور، كما نحن». قال أحد المفكرين المسيحيين، «نحن نميل إلى رؤية الأمور وتفسيرها، ليس على ما هى فى حقيقتها. ولكن، وبناء لما نريد أن تكون. نحن دائمًا نحكم على الآخرين، بناء لأحكامنا غير الموضوعية، وليس بناء للحقيقة المجردة. فالإنسان الصالح، يرى كلّ الناس صالحين. والإنسان السيئ يرى كل الناس سيئين
قال أحد المفكرين المسيحيين: «إن حكماء المشرق هم الوحيدون الذين استطاعوا رؤية نجم الميلاد فى السماء؛ لأنهم كانوا يفتّشون عن المسيح الملك. وسمعان الشيخ وحنة، كانا الوحيدين اللذين عرفا الطفل يسوع، عندما دخل به يوسف ومريم إلى الهيكل؛ لأنهما كانا بانتظاره. فقط أنقياء القلب والعين، هم الذين يعاينون الله».