رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

مصر والسعودية.. ومواقف مضيئة في التاريخ

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لا يوجد دولة في النظام الدولى المعاصر كمصر مرت بتطورات وخبرات ومعارك تاريخية فريدة من نوعها ومازالت حتى اللحظة، بحيث صبغت حياتنا المعاصرة بصفات وخصائص متميزة جعلت من مصر الدولة الإقليمية المركزية وحملتها بالتالي مسئولية كبرى تجاه مصالح الإقليم، وإذا كنا نشعر بالفخر والاعتزاز لانتمائنا إلى أرض الكنانة ونشعر بالرضا لاستمرار أهميتها الإقليمية والدولية فإننا نشعر بنفس القدر من انتمائنا للوطن العربي وبأهميته ودوره في النظام العالمي.
وتعتبر المملكة العربية السعودية من أهم الأقطار العربية التى عملت ومازالت فى المشاركة في بناء كيان استراتيجى للوطن العربي والدفع بعوامل الجذب والحد من عوامل التنافر وإضفاء الهوية القومية العربية على النظام العربى.
فمن المواقف المضيئة للملكة أنه فى عام 1954 وصل نورى السعيد رئيس وزراء العراق إلى القاهرة ليطرح على جمال عبد الناصر فكرة إقامة حلف عسكرى عربى للدفاع عن الشرق الأوسط . وكان رد جمال عبد الناصر عليه أن الدفاع عن المنطقة يجب أن يرتكز على نحو ما على قاعدة ميثاق الضمان الجماعى العربى وفى إطاره , ولن نسمح بحال من الأحوال إقامة هذا الحلف فى المنطقة .
وعاد نورى السعيد إلى بغداد يحمل خيبة الأمل.
ولكن الأحداث لم تقف ساكنة وكانت الرياض أول من أحس بنذر العاصفة القادمة فقد كانت الرياض تتابع عن كثب أكثر من غيرها تحركات بغداد اللعينة ومحاولتها شق الصف العربى وتقويض الخيمة العربية، ثم إنها أي السعودية كانت على صلات قوية بما يجرى فى دمشق وبيروت وعمان وأبرق جلالة الملك سعود برقية إلى جمال عبد الناصر أولها مايلى :
تحية وتمنياتى الطيبة .
لابد أن الأستاذ عبد الوهاب عزام أطلعكم عما دار بيننا وبين الباكستانيين بالتفصيل – عرضوا على السعودية أن تدخل معهم ومع تركيا فى تنظيم دفاعى عن الشرق الأوسط – كذلك لابد أنكم سمعتم الخبر الذى أذاعته لندن على أن العراق دخلت فى حلف عسكرى خارج إطار الدول العربية وهددت بذلك الجامعة العربية التى تم توقيع إنشائها فى القاهرة، وانفجرت العاصفة وكان انفجارها فى بغداد ولكن تأثيرها امتد ليهدد النظام العربي وميثاق الجامعة العربية.
وأعلنت مصر فى بيان الدعوى للاجتماع وناشدت نوري السعيد الحضور ولكنه لم يحضر.
وظل المؤتمر منعقداً من يوم 22 يناير إلى 6 فبراير 1955 ولم يستطع الوصول إلى نتيجة. وكانت وقائعه صفحة من أعجب صفحات التاريخ العربي الحديث، كما أن مناقشاته عكست صورة حية للتيارات الظاهرة والخفية فى العالم العربى وقتها وكانت متصارعة ومتداخلة واضحة وملتوية وطنية وخائنة في نفس الوقت واحتفظت السعودية بموقفها الواضح القومى المضيء ووقفت مع مصر في سعيها نحو تحديد ملامح ومحاور الحركة العربية وتقدير خطة شاملة لمواجهة التهديدات العربية والخروج من هذه الأزمة.
ونعود إلى موقف آخر مضيء للمملكة العربية السعودية فقبل أن تشرع مصر فى القيام بحرب التحرير أكتوبر 1973 قام الرئيس المصرى أنور السادات رحمة الله عليه بجولة عربية ليتعرف على آراء الزعماء العرب بالنسبة للوضع الصعب التى تمر به مصر والمنطقة العربية بسبب فرض حالة اللاسلم واللاحرب والتى ستؤدي إلى آثار اقتصادية وسياسية وعسكرية سلبية واستنزاف كثير من الإمكانات العربية، واستمع إلى آراء الأخوة حكام العرب الذين التقى بهم ولم ينقل إلى أحد منهم بأن مصر قررت أتخاذ قرار الحرب لتحرير أراضيها من الإحتلال الإسرائيلى الصهيونى الأمريكى وفرض الأمن والسلام العادل فى المنطقة والخروج من هذه الأزمة الطاحنة .
وكان السادات يخشى أنه فى حالة إبلاغ الرؤساء العرب بأن مصر قررت الحرب أن تتسرب هذه الأنباء إلى أمريكا والغرب وإسرائيل وعند إذ تفشل خطة الخداع الإستراتيجى والسرية التامة التى وضعتها مصر لإيهام العدو أنها لا تفكر مطلقا في الحرب وكانت كل الشواهد والتصرفات التى رتبتها مصر لا تدل على أنها بصدد القيام بشن حرب ضد العدو وأنه إذا علمت إسرائيل بذلك فإنها ستقوم بمهاجمة الجيش المصرى وضرب قواته ومنعه من ميزة القيام بالضربة الأولى ضده.
وبالرغم من كل هذه المخاوف المصرية، إلا أن الرئيس السادات انفرد في اجتماع خاص وسري للغاية مع جلالة الملك فيصل رحمة الله عليه وعرض عليه كثيراً من الأمور الهامة وأبلغه بأن مصر قررت الدخول فى الحرب لتحرير أراضيها والخروج من حالة اللاسلم واللاحرب التى فرضتها أمريكا والغرب علينا وطلب السادات من جلالة الملك أن يعرف موقف المملكة السعودية من هذا القرار وأفهمه بأن لا أحد من الزعماء العرب يعلم بهذا القرار كما طلب منه ألا يعرف أحد به نظرا للسرية المطلوبة وخطورة الوضع فى حالة تسرب هذا الخبر.
وكان رد الملك فيصل الفورى للسادات بأن المملكة السعودية تساند وتدعم هذا القرار وأنها ستقف بكل ما تملك وراء مصر لمساعدتها ماديا وعسكريا وسياسيا كما أنها ستوقف ضخ النفط وتمنعه عن أمريكا والغرب كسلاح قوى فى المعركة.
وهو ما كان السادات متأكدا بحنكته ورجاحة عقلة بأن جلالة الملك فيصل سيوفي بالعهد ويكتم السر وينفذ الوعد وهذا ماتم فعلاً إبان الحرب وبعدها وكانت السعودية عنصرا قويا فى انتصار مصر فى حرب أكتوبر المجيدة.
رحم الله الملك فيصل الذى أتسم بأخلاق الفرسان وشهامة الأبطال فقد عاش زعيما عربيا شريفا من طراز نادر ومات شهيدا شامخا ينعم بجنة الخلد إن شاء الله بسبب موقفه المساند لمصر.