الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

التاريخ بين الحقيقة والدراما

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أن ينبرى القلم للتاريخ، فهذا أمر جد خطير، وأن يتناول شخصية بعينها بالنقد والتحليل فهذا أمر جلل، فالتاريخ هو قدر الله تعالى، نعم، قدر الله أحداثًا وأفعالًا فتمت فى زمانها، وبشخوصها والباحث عليه أن يتحرى الصدق فى كل كلمة، وأن يفتش عن الحقيقة مهما كلفه ذلك من عناء، أما هؤلاء الذين ينعتون الناس بما ليس فيهم ويتركون الأحبار تنسال على الأوراق بكلمات سوداء غير عابئين بما كتبوا، فهؤلاء حسابهم عند الله عسير لأنهم لم يزوروا التاريخ فقط ولكنهم خلطوا الحق بالباطل، وألقوا على الأموات اتهامات، وهم يعلمون علم اليقين أن الأموات لا يدافعون عن أنفسهم، نحن لا نقول هذا بغية الدفاع عن عصر بعينه أو عن شخص بعينه، فلكل عصر سلبياته وإيجابياته ولكل لحظة تاريخية ظروفها، ونحن ضد تزوير التاريخ وضد الافتراء على أشخاص أحبوا الوطن، فمحيت أسماؤهم من الكتب بفعل فاعل، أو شوهتهم الدراما فظلوا فى مخيلتنا أشرارا، وخطورة الدراما هنا تكمن فى أنها تصل إلى الجميع، الأمى قبل المتعلم، وهى تنفذ إلى اللاشعور واللاوعى، فتظل خالدة فى الأذهان، مشكلة للوجدان والضمير، فلو أنى أقسمت لك مثلا أن الناصر صلاح الدين كان اسمه يوسف، وكان أبيض جميلا لكونه كرديا، لن تصدقنى وستظل صورة الفنان الراحل أحمد مظهر مسيطرة عليك، وأنت تتخيل ملامحه، ولو كتبت مائة كتاب أحدثك فيه عن ريتشارد الذى انسحب من المعركة مضطرا وأنه لم يكن ملكا صالحا يفى بالوعود ما صدقتنى، لأن الفيلم يقدمه لنا باعتباره hero، وإذا أقسمت لك عزيزى القارئ بأن كتب التاريخ تحدثنا عن امرأة حكمت مصر اسمها «شجر الدر» ستقول لى مصححا اسمها شجرة الدر كما جاء فى فيلم «واإسلاماه»، والسؤال لماذا لا يلتزم كاتب الدراما بالحدث التاريخى، ولماذا يتدخل بالتأليف فى قصة قدر الله حدوثها كما هى، والإجابة أنه إما الجهل وإما العمد إلى التشويه، كما حدث مثلا عقب ثورة يوليو ٥٢ حيث اتجهت كل الأعمال الفنية إلى تشويه تاريخ الأسرة العلوية لا سيما الملك فاروق الذى وصفوه بأبشع الصفات، وجعلوه سكيرًا، مع أن الرجل لم يذق الخمر إلا مرة واحدة ثم كرهها، وبالغوا فى نزواته النسائية فاتهمه أحدهم بأنه كان يطوف على مائة امرأة فى الليلة الواحدة داخل أروقة قصر عابدين، وأنه كان يشرب مطحون الحمام والعصافير كل صباح ليزداد قوة، واتهموه بسرقة ذهب مصر، حين غادرها عقب الثورة، ولكننا اكتشفنا فيما بعد أنه عاش ما تبقى له من العمر على الإعانات التى كانت تصله من الملوك العرب، وأن بناته عملن بمهن بسيطة كى يستطعن العيش فكيف لمن سرق الملايين وصناديق الذهب، أن يعيش تلك الحياة البائسة، وفى كتب التاريخ المزورة أيضا جعلوه مريضًا بالسرقة، حتى إن رجاله كان يخفون ساعاتهم الذهبية، كى لا تمتد يده عليها، وقالوا أيضًا إنه كان مغرما بسرقة القداحات الثمينة، ومع الأسف الشديد، نجد هذا مكتوبا فى مراجع تاريخية صدقها بعض الناس، ونفس ما حدث لفاروق تكرر مع عبدالناصر، فبعد موته فوجئنا بسلسلة أفلام سينمائية تدين عصره، وتكشف عما سمى بمراكز القوى وحالات التعذيب التى كانت تتم فى عهده فرأينا الكرنك ووراء الشمس وإحنا بتوع الأتوبيس، ومع بداية عصر مبارك قدمت السينما عشرات الأفلام التى تدين عصرالسادات، وتتحدث عن الانفتاح باعتباره المفسدة الكبرى، وسبب انهيار الاقتصاد المصرى، والسؤال الآن: ألم يحن وقت مراجعة النفس لنكون صادقين مع أنفسنا ومع جمهورنا حين نقدم أعمالا فنية تاريخية، ألا نظن أن الله سيحاسبنا على ما نقدم، إننى ضد اتهام الملك فاروق بما لم يكن فيه، وضد الذى محا بيده اسم محمد نجيب كأول رئيس للجمهورية، وضد تشويه صورة عبدالناصر والسادات ومبارك، فالقناعة المستقرة لدينا هى أن جميع هؤلاء قد حاولوا خدمة الوطن بما لديهم من أفكار وبرامج ووجهات نظر فأصابوا فى بعض الأحيان وأخطأوا فى أحيان أخرى.