الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

الست السفيرة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

ما الذي يمنح “,”الست السفيرة“,” الأمريكية “,”آن باترسون“,” هذه القوة وذلك الجبروت، إلى الدرجة التي تسمح لها بأن تتدخل بهذا الشكل السافر، والفج، والمسيء، في شئون دولة يُفترض فيها أنها دولة “,”مستقلة“,”، ولها سيادة، وقادرة على أن تدير أمورها، وشئون حياتها، دون وصاية أو تعليمات؟!
وهل كان، مثلاً، بمقدور سفير الولايات المتحدة، في عقد الستينيات، “,”وما أدراك ما الستينيات!“,”، أن يتجرأ ولو في أحلامه البعيدة، على فعل ما فعلته “,”الست السفيرة“,”؟!.
ولماذا لم تجد “,”الست السفيرة“,” أدنى غضاضة في أن تعلن دعمها لمرسي، واعتراض أمريكا على الإرادة الشعبية الكاسحة التي تطالب برحيله وتتأهب للتحرك الفعّال من أجل عقد انتخابات رئاسية مبكرة لإنقاذ الوطن مما جرَّه مرسي عليه من ويلات، بعد أن تجاوز عدد التوقيعات على بيان حركة “,”تمرد“,” الخمسة عشر مليون توقيع، ويُنتظر أن تصل إلى أكثر من عشرين مليونًا قبل حلول يوم الـ30 من يونيو الموعود.
ولمَ لم تستح “,”الست السفيرة“,” من أن تمنح نفسها الحق في أن تحدد لنا ولجيشنا ماذا علينا أن نفعل، وما الذي يتوجب علينا أن نتجنبه؟!، بل سمحت لنفسها أن تعلمنا- كأننا تلاميذ في ((kg1أن “,”مرسي“,” ليس “,”مبارك“,”؟!!، بل أن تقرر بشكل قاطع: “,”لن نوافق على الحكم العسكري لمصر“,”، وكأن الموافقة على شكل الحكم المصري أمر أمريكي محض يُقرر في واشنطن“,” لا “,”القاهرة“,”، رغم أن أحداً من المعارضين الجادين لمرسي لم يطالب بحكم عسكري بديلاً له، وإنما طالبوا بحكم مدني راشد، وحتى الذين طرحوا هذا الأمر، طالبوا بتدخل الجيش للحد من انهيار مقومات الأمن الوطني، وضياع المصالح العليا، بفعل بؤس سياسة “,”الإخوان“,” المدمرة، والكوارث الكبرى التي تسببت فيها.
ومن ناحية أخرى، أولم تستمع “,”الست السفيرة“,” للصرخات الهيستيرية الصادرة عن أصدقائها من قادة الجماعات الإرهابية وهم يهددون المتظاهرين السلميين الذين سيخرجون إلى شوارع مصر يوم 30 يونيو المقبل، بالدم والقتل والترويع والوعيد، لمجرد أنهم يمارسون حقهم الإنساني في التعبير عن الرأي، رغم أن هذا كله يناقض ادعاءات الولايات المتحدة عن دفاعها عن حرية التعبير، ومزاعمها عن انحيازها للديمقراطية؟!.
لم تنطق “,”الست السفيرة“,” ببنت شفة تنتقد فيها استبداد المرسي وطغيان عشيرته، ولم يدهشنا هذا الموقف وقد أيدت أمريكا، على امتداد العقود الطويلة الماضية، وتحالفت مع كل النظم الاستبدادية الفاسدة، مادامت تعهدت لها بصيانة المصالح الأمريكية، حتى لو كانت تسير على جثث شعوب هذه البلدان وآلام مواطنيها، وهو ذاته ما تفعله الآن مع مرسيها وإخوانها!.
ورد السادة (المجاهدون) التحية الأمريكية بأحسن منها، فبلعوا ألسنتهم، وفضلوا ترك فلسطين تضيع، وأقصاها يتعرض لمؤامرات الهدم والتخريب والتجريف، وتناسى “,”الإخوة“,” وعودهم بالزحف المليوني لتحرير القدس والأقصى، لسبب بسيط وواضح: هو أن جماعة “,”الإخوان“,” منتشية من إسباغ “,”الست السفيرة“,” للحماية الأمريكية عليها وعلى رئيسها، وهذا أمر طبيعي وغير مستغرب، أولم تحصل الولايات المتحدة من “,”الجماعة“,” وحزبها، و“,”مرسيها“,” على أقصى ما كانت تتمنى وتريد حماية المصالح الأمريكية في بلادنا والمنطقة، وحماية أمن الدولة الصهيونية ومصالحها، والالتزام بالمعاهدات المجحفة والمُذلّة الموقّعة معها، وإلزام “,”إخوان فلسطين“,”، “,”حماس“,”، والجماعات (الجهادية) الأخرى، بإيقاف أي تهديد لأمن ومصالح إسرائيل من جهتها، وهو ما حدث بالفعل!
وعلى من يشك في ذلك العودة السريعة بالذاكرة إلى الأمس القريب، لكي يتساءل: أين ذهبت المظاهرات الحماسية الزاعقة، التي كانت تصرخ غاضبة، “,”للقدس زاحفين.. شهدا بالملايين“,”؟!. الآن لا صوت، ولا حركة، بل سكون الأموات وصمت الحملان، بعد جلوس المرسي على الكرسي، لأن ذلك جزء من الاتفاق الذي تم بموجبه الضغط على المجلس العسكري السابق، للقبول بهذا الوضع المهين!
والحق أن ما فعلته الجماعة و“,”أزلامها“,” في بيع الوطن والقدس للولايات المتحدة ليس جديداً بأي حال، وهاكم ما كتبه واحد من كبار البحّاثة في شأن الجماعات “,”الأصولية“,”، في “,”الشرق الأوسط“,”، “,”روبرت دريفوس“,”، في كتابه المهم: (لعبة الشيطان: دور الولايات المتحدة في نشأة التطرف الإسلامي، مركز دراسات الإسلام والغرب، ص:11): “,”لقد أسست الولايات المتحدة للتطرف الإسلامي، ليكون شريكاً [قل تابعاً] مريحاً لها خلال فترات مشروع الإمبراطورية الأمريكية في الشرق الأوسط، منذ دخولها المُبكّر في المنطقة، حتي سيطرتها العسكرية التدريجية، انتهاءً بتوسعها بالوجود العسكري على أرض المنطقة“,”.
والكتاب مترجم بالقاهرة عام 2010، ومكتوب قبلها، أي قبل وصول الإخوان للحكم في تونس ومصر، وهو متخم بالقرائن من أمهات الوثائق ودفائن صفحات الأسرار والوثائق، التي تفضح العلاقات التاريخية الوطيدة منذ عشرات السنين بين الولايات المتحدة، وبمعنى أدق بين الأجهزة الأمنية والاستخباراتية الأمريكية، وبين جماعة “,”الإخوان“,” وأضرابها من جماعات الإرهاب والتطرف المتمسحة في أهداب الدين!.
لو كنا في دولة تحترم نفسها، يحكمها أبناء مخلصون لها وينتمون حقاً وصدقاً لترابها الغالي، لانتفض كل عِرق من عروق قادتها، واهتزت قواعد الجالسين علي كراسيها، وتزلزلت عروش القائمين على شئونها، بسبب تدخل “,”الست السفيرة“,” في أدق خصائصنا، وفي مواجهة هذا العدوان على الكرامة المصرية، والافتئات على استقلال وإرادة الوطن!.