الأربعاء 01 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

مصريات

حُكّام مصر| «الحاكم بأمر الله».. السحلية يتولى عرش الألف مئذنة

جامع الحاكم بأمر
جامع الحاكم بأمر الله
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

هو سادس من تولوا شؤون مصر من الخلفاء الفاطميين، وكان ذلك بين عامي 996 إلى 1021 ميلادية. وكان الابن الوحيد للخليفة العزيز بالله الفاطمي من زوجته المسيحية، التي كانت أختًا لاثنين من البطاركة.
وجد الحكام بأمر الله، الذي كان معلَّمه يطلق عليه «حرذون» -أي السحلية- نفسه يعتلي عرش مصر وهو لا يزال في سن الحادية عشرة، وبينما كان أقرانه يحاولون اكتشاف ما يدور حولهم في الحياة، كان على الفتى أن يصبح الخليفة، وأن يكتشف أمور الحكم وفن إدارة الدولة.
كان الخليفة الصغير يبدو للناظرين ذا وجه غريب، وكانت عيناه الزرقاوان المخيفتان تجعلان الناس يهابونه، وأضيف لملامحه صوته الأجش الذي جعل العامة يرتجفون منه؛ كما عُرف عنه شغفه بالظلام، إذ كان يجمع مجلسه في الليل على الدوام. 


قرارات ليلية

كعادة الخلفاء، كان الحاكم بأمر الله كثيًرا ما يركب حماره الرمادي الصغير وجاب به الشوارع ليلًا ليتجسس على الناس ويطّلع على ما يجيش في صدورهم.
وبسبب هذا العشق الليلي، أمر الخليفة الفاطمي السادس أن تباشر الأعمال ويتم البيع والشراء بعد غروب الشمس، حيث تفتح الحوانيت وتضاء المنازل تحقيقا لرغبته، وأصدر إلى العامة أوامر مشددة بمراعاة ذلك. كما حرّم على النساء مغادرة منازلهن، ومنع الرجال من الجلوس في الخيام، ولم يسمح لصانعي الأحذية بعمل أحذية للنساء حتى لا يتمكن من مغادرة منازلهن. وفرض على نساء القاهرة ألا ينظرن من النوافذ، ولا يصعدن إلى أسطح المنازل للتمتع بالهواء النقي. 
وفى كتابه «القاهرة وما فيها»، ذكر الكاتب الراحل مكاوي سعيد بضعة أمور عن الخليفة العجيب، الذي أصدر بعض التعليمات الخاصة بتنظيم الطعام والشراب، منها ألا يُباع شيء من السمك بغير قشر، وألا يصطاده أحد من الصيادين.
أيضا، ولأنه لم يكن يشرب الخمر فقد كانت الجعة محرَّمة، والخمر يصادر على الدوام، والكروم تقطع، بل حتى العنب المجفف كان من المحرمات، وكانت الملوخية يحرم أكلها كذلك، كما كان العسل يجمع ويلقى به في النيل. 
إضافة إلى هذا، لم يكن يسمح للمصريين بلعب الشطرنج، وكانت رقعه التي يتم ضبطها تحرق حتى لا يلعب به أحد! ووصف سعيد تلك القرارات -التي يرى أنها تحمل شيئًا من الإصلاح- بأنها جاءت من "روح مصلح مجنون".
كما جاءت أوامر الخليفة لتقضى بقتل الكلاب حيثما وجدت في الشوارع، أما ولم يكن يسمح بذبح الأنواع الجيدة من الماشية إلا في عيد الأضحى. وكل من تسول له نفسه بمخالفة أحد هذه التعليمات كان يعاقب بالجلد وبقطع الرأس، أو يلقى حتفه بإحدى الوسائل الغريبة التي كان يفخر الخليفة بابتداعها.

 

ست الملك

بينما تولى الحاكم بأمر الله مقاليد الأمور، كانت أخته غير الشقيقة "ست الملك" أتمت عامها السابع والعشرين، وكانت واحدة ممن شجعوه على أن يُقرب خادمه "برجوان" ويمنحه السلطة، ظنا منها أنها تُحافظ على الملك.
لكن برجوان الخادم السابق، نظّم لنفسه حرسًا خاصًا، وعقد صلحًا مع خصومه السابقين في مقابل اعترافهم بسلطانه. وبعد أن تمكن له الأمر، أصبح يستخفّ بالخليفة ويسيء معاملته وينهب الأموال حتى بلغت ثروته أكثر من مائتي مليون دينار وخمسين أردبًا من الدراهم والفضة واثني عشر صندوقًا من الجواهر.
لكن، نسي برجوان أن الخليفة الصبي أصبح شابًا، وأن أخته ست الملك معه تخطط له، لذلك استدعى الخليفة خادمه برجوان وقتله، ليبدأ النزاع بينهما بعد فترة من الوئام.
وكان الحاكم بأمر الله يُعاني من نوع من الوسواس القهري خيل إليه أن كل الناس يتآمرون عليه، فاقتنع بأن أخته ست الملك تتآمر على حياته. هكذا، أكثر من قتل أعيان الدولة بتهمة أنهم أعوان ست الملك. وكان أظهر من قتله الحاكم متهما إياه بعلاقة غير شرعية مع أخته هو قاضي القضاة مالك بن سعيد، نتيجة شائعات تقول إن مالك بن سعيد يذهب إلى قصر ست الملك ويخلو بها بحجة قراءة صفحات الدعوة الشيعية.
ولأنه كان معروفًا أن الحاكم يحب القاضي مالك بن سعيد ويثق فيه، فقد أوغرت الشائعة صدره وأثارت شكوكه، فأمره أن يقطع ألسنة الذين ثبت ترديدهم لتلك الشائعة، فلم يستطع القاضي تنفيذ الأمر، فأمر الخليفة بقتل صديقه القاضي مالك بن سعيد سنة 405هـ. كما ذكر المقريزي في تاريخه "اتعاظ الحنفا في سيرة الفاطميين الخلفا".

 

اغتيال الحاكم بأمر الله

بعد ذلك الحادث بدأت ست الملك في التفكير في التخلص من أخيها، فوقع اختيارها على الأمير ابن دوَّاس الذي كان يعيش متخوفًا من غدر الحاكم به، فأرسلت إليه أن يأتيها، ولكنه خاف على نفسه من مكائدها أو من عيون أخيها، وتردد، ولكنه فوجئ بها تأتي إليه متنكرة وتدخل عليه، فانكب على الأرض يقبلها أمامها.
عرضت عليه ست الملك أن يقتل الحاكم بأمر الله قبل أن يقتله، وأطمعته في أن يكون مدبر الدولة لابن الحاكم الذي سيتولى الخلافة بعده، وأن شئون الدولة ستكون بينهما وبينه ورضا ابن دوَّاس إذ ليس له خيار آخر، فلو رفض لاستطاعت ست الملك التخلص منه، ولو حتى عن طريق الإيحاء والتأثير على الحاكم بوجود علاقة تآمرية بينهما. 
اجتهد ابن دوَّاس في التنفيذ، بعد أن أعــدّت له ست الملك الخطة، وكانت تعرف مواعيد خروج أخيها من القصر متنكرًا، وعليه ثياب الرهبان راكبًا حمارًا، وفي ليلة الإثنين السابع والعشرين من شوال خرج الحاكم بعد أن ودع أمه وانتظرت أمه وأهل القصر رجوعه فلم يرجع، وبذلك نجحت خطة ست الملك في اغتياله.
في هذه الأثناء كانت ست الملك أعدت عدتها للإمساك بكل الخيوط، فأمرت الوزير خطير الملك باستدعاء الأمير الفاطمي ابن إلياس بدمشق دون أن تعلمه بما حدث للحاكم، وحين أتى إلى الحدود المصرية قتلوه حتى لا يطالب بالعرش، وفرقت على الجنود مليون دينار.
هكذا، أعلنت "ست الملك" للناس غيبة الحاكم، وأنه يراسلها، وأمرت الناس بالكف عن الكلام، وأمرت بقتل من يتزيد في الكلام ومن يتخلف عن بيعة ابن الحاكم وهو الظاهر بالخلافة؛ وتمت البيعة للخليفة الظاهر الفاطمي في يوم الأضحى سنة 411هــ، وكان عمره وقتها ست عشرة سنة وثلاثة أشهر، وهي التي ألبسته تاج الخلافة المرصع بالجواهر، وجعلت على رأسه مظلة مرصعة وأركبته فرسًا رائعًا بمركب ذهب مرصع بالجواهر، وأخرجت بين يديه الوزير وكبار الدولة.
ولما تقدم الموكب هتف الوزير في الناس: يا عبيد الدولة مولاتنا ست الملك تقول لكم هذا مولاكم أمير المؤمنين فسلموا عليه، فارتمى ابن دوَّاس بين يديه يقبل الأرض، وتتابع بعده القواد والزعماء يعطونه العهد والميثاق، وهمس أحد الغلمان قائلًا: لا أبايع حتى أعرف خبر مولاي الحاكم، فأخذوه وغرقوه في النيل، فارتعب الجميع، وتم الأمر لست الملك والخليفة الصغير الذي ليس له من الأمر شيء.
وبعد أن استتبت الأمور أظهرت ست الملك الود الزائد لابن دوَّاس شريكها في المؤامرة، فزارته في منزله وجعلته يثق فيها. ثم أشارت إلى رجال الحاكم بأن ابن دوَّاس هو قاتل سيدهم، فدخلوا عليه وقتلوه، وقتلوا كل من شارك في المؤامرة.