الأربعاء 15 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

سياسة

فى يومها العالمى.. اللغة العربية ضحية الجماعات الإرهابية.. خطاب التنظيمات المتطرفة يُكرس لهجة عدوانية وينشر الظلامية ويقضى على الفصحى

اليوم العالمي للغة
اليوم العالمي للغة العربية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

لم يكن اعتداء جماعات الإسلام السياسي مقصورا على المناطق التي سيطروا عليها في ظل الانفلات الأمني والفوضى في بلاد مثل سوريا وليبيا والعراق ودول أفريقية فقيرة، بل امتد الاعتداء ليشمل الفكر واللغة العربية التي كانت ميدانا للتنافس الجمالي بين الشعراء والنثريين العرب قبل بعثة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.
«البوابة نيوز» تلقي الضوء على جناية الجماعات الإرهابية والمتطرفة على اللغة العربية وتحويلها من لغة للفن والذوق الرفيع والجمال وعلوم الطبيعة والفلسفة والفلك والطب إلى لغة تتسم بعبارات مسكوكة للعنف والقتل والذبح، وتحويلها إلى أداة في التحريض وإثارة عواطف الناس بالنبرات الخطابية، لتصبح لغة متسمة بميراث المتطرفين والإرهاب، حتى باتت أشهر المؤلفات في التنظير للتطرف صادرة باللغة العربية.
يوم ١٨ ديسمبر من كل عام، اختارته الأمم المتحدة ليكون يومًا عالميًا للغة العربية، بهدف نشر الوعي بتاريخ اللغة وثقافتها وتطورها من خلال إعداد برنامج أنشطة وفعاليات خاصة، ووقع الاختيار على هذا التاريخ تحديدًا؛ لكونه اليوم الذي اتخذت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام ١٩٧٣ بأن تكون اللغة العربية لغة رسمية سادسة في المنظمة.

د. محمد عجيلة

لغة ثرية تستوعب الاختلافات
من جانبه، أشاد الدكتور محمد عجيلة، أستاذ العلوم اللغوية وعميد كلية دار العلوم بجامعة الفيوم، بثراء اللغة العربية وقدرتها على استيعاب تراث مختلف الثقافات والديانات، فهي أولًا لغة القرآن الكريم، ومن أكثر اللغات انتشارًا في العالم، حيث يتحدث بها ما يقرب من ٥٠٠ مليون فرد على مستوى العالم، يكتب ويتحدث بها المسيحيون ويقيمون بعض الشعائر بها، كما أن بعض الكتب والمؤلفات اليهودية دونت باللغة العربية.
وقال «عجيلة» في تصريحات خاصة لـ«البوابة نيوز»، إن اللغة العربية غنية على المستويات اللغوية كافة صوتيًا وصرفيًا ونحويًا ومعجميًا ودلاليًا، وهي لغة اشتقاقية بألفاظها وأفعالها ومصادرها، وتجمع بين الحقيقة والمجاز، ففيها الترادف والتضاد والمشترك اللفظي والتشبيه والاستعارة والكناية والسجع والجناس وغيرها من المصطلحات، كما أنها لغة قادرة على العطاء والتأثير والإقراض والاقتراض، ولها تأثير واضح في أغلب اللغات ومنها التركية والإنجليزية والفرنسية والإندونيسية والفارسية والعبرية والسواحيلية ولغة الهوسا وغيرها

ولفت الى أن اللغة العربية لغة قوية صلبة متينة تتناسب مع متطلبات العصر ولديها القدرة على التجديد والتطوير، فهي لغة موسيقية في مبناها وفي معناها، وفي شكلها وفي مضمونها. 

وتابع أستاذ العلوم اللغوية، أنه من المبادرات الرائعة مبادرة «اتكلم عربي» التي جاءت برعاية الرئيس عبدالفتاح السيسي ، لما لها من أثر واضح كبير في العناية والاهتمام باللغة العربية سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا وعلميًا.

اللغة العربية

متطرفون يرفعون لواء الفصاحة
وحذَّر من التباطؤ في مواجهة جناية الجماعات الإرهابية على اللغة العربية، بوصفه شيئًا خطيرًا موضحا أن الأمر يحتاج إلى مزيد من البحث والدرس، حيث استعمال اللغة العربية الفصحى بألفاظها ومعانيها وتنغيمها الصوتي وجرسها الموسيقي في نشر أفكار غريبة متطرفة ومفاهيم مغلوطة ذات دلالات أيديولوجية إرهابية، فقد ظهرت في الآونة الأخيرة مجموعة من الذين يرفعون لواء الخطابة والفصاحة والبيان لنشر الأفكار الهدامة والآراء الخاطئة في كيان الشعب المصري العظيم، مستغلين اللغة العربية في السيطرة على عقول الشباب والرجال والنساء من خلال مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها، وكذلك من خلال اللقاءات والمحاضرات والندوات والاجتماعات المختلفة، وذلك لنشر الأفكار الداعشية الإرهابية في ربوع المجتمع المصري وخصوصًا في المناطق الفقيرة من الريف المصري.
ولفت «عجيلة» إلى ضرورة التصدي لمثل هذه الظواهر الغريبة التي تقوم على تطويع العربية الفصيحة نطقًا وحوارًا ومناقشة وكتابة في نشر الفكر المتطرف في المدارس والمعاهد والجامعات وغيرها من المؤسسات المختلفة، فهناك فئة من الكتاب والدعاة والخطباء والمثقفين والمعلمين وغيرهم من المتطفلين على العربية الفصحى ينتهجون العربية منهجًا لتحطيم المجتمع فكريًا وعلميًا وثقافيًا واجتماعيًا وسياسيًا واقتصاديًا، واللغة العربية العظيمة بريئة من هؤلاء.
وطالب الدولة المصرية من خلال مؤسساتها المختلفة وفي مقدمتها الأزهر الشريف والأوقاف والإعلام ، أن تتخذ كل الإجراءات في محاربة الفكر المتطرف الإرهابي الذي يستعمل العربية الفصحى سلاحًا له في تخريب العقول وتشويه الهوية العربية والإسلامية، وأنه من الواجب الاهتمام باللغة نُطقًا وكتابة وأن نحرص على قراءة القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف والشعر العربي الفصيح الموزون المقفى والنثر العربي الفصيح، وأن يكون للإعلام المقروء والمسموع والمرئي دور كبير في الاهتمام بالعربية، ويجب علينا الإكثار من عقد المؤتمرات والندوات التي تعنى بالعربية مع مكافأة المهتمين بها، مع تدوينها وكتابتها في كل ما يحيط بنا حتى نراها دوما في أعيننا صورة وفي قلوبنا وعقولنا مدونة محفوظة.

د. محمد سليم شوشة

اللغة مقياس حضارة الأمم ونهضتها
بدوره؛ أكد الناقد الأدبي والروائي محمد سليم شوشة، أستاذ الأدب العربي، أن اللغة بالأساس معادل للوجود الإنساني، وتطورها عند أي أمة دليل على التطور الحضاري والفكري، اللغة وعاء للفكر وللفن والخيال والابتكار العلمي، واتساع لغة أمة مقياس لتحضرها، والعكس صحيح، ولغة الجماعات المتطرفة هي بالأساس لغة التقييد والمنع والتحريم والشطب والمحاصرة.
وأضاف سليم شوشة، في تصريحات خاصة لـ«البوابة نيوز»، أنه يمكن رصد أثر الإرهاب والرجعية في اللغة، لأن الأخيرة أشبه بحال الدم البشري إذا ما حللناه عثرنا فيه على محددات الحال الصحية أو المرضية، فإذا أردنا أن نقيس تطور أمة ومقدار ما حققت وتعيش من الرقي فلن يكون هناك مقياس أكثر شمولية من اللغة بانتشارها وبمقاييس معينة، مثل قدر تفاعلها مع الفنون والآداب واستجابتها لمتطلبات الإنتاج فيهما، وكذلك قدر استجابة اللغة لتطورات العلم في الفروع المختلفة، وكذلك انفتاحها على الآخر وقابليتها للأخذ من اللغات والحضارات الأخرى. 
وتابع، في عالم الجماعات أو ما يمكن تسميته بعالم الظلام والعدمية تبدو اللغة محاصرة، فلا تجد أمامها من سبيل غير مفردات المنع والتحريم والتعذيب والقتل ومسارات تداولية معينة ترتبط بالكراهية والاحتراب والصراع مع الآخر بكل أشكاله وصوره، سواء الآخر المختلف عنهم داخل العالم العربي والإسلامي أو الآخر في حدود وأوطان وثقافات أخرى، وهكذا فإن مثل هذا النموذج الكابوسي الذي تصطنعه الجماعات المتطرفة والإرهابية مثل داعش مثلًا أو تنظيم القاعدة أو غيرها هو بالأساس نموذج قاتل للغة، يدمر اللغة العربية ويفصلها عن الواقع ويجعلها محصورة في زوايا وأركان بعينها من الحياة.

جماعات متطرفة

أسوار الماضى
ويعتقد الناقد الأدبي، أنه بدلا من أن تتمدد اللغة بتمدد الوجود فتشمل علوم الفلك والفضاء وعلوم الطب ومصطلحات الفلسفة والمخترعات وتأخذ من الإنجليزية وتفيد من الإبداع القصصي والروائي ومن لغة السينما وعلاماتها وتفيد من عالم الميديا والتكنولوجيا ومواقع التواصل الاجتماعي وتنمو اللغة بأدب الخيال العلمي، بدلًا من كل هذا تبقى سجينة ومحصورة في لغة الغزوات والحرب بصورها القديمة، تبقى محصورة وسجينة في أسوار الماضي الشاهقة، فلا تنفتح على الحاضر أو المستقبل

واضاف : لنا أن نتأمل كيف تبدو هذه الجماعات الظلامية أقرب إلى حالة من الفنتازيا الغامضة، ولكنها مع الأسف فنتازيا ليست ممتعة أو لها مقومات جمالية، بل فنتازيا كابوسية، لا تنتمي للحياة أو لحبها والتأقلم معها، بل تعيش حالا من الاغتراب الوجودي وتنفصل عن الواقع بحقيقته ومقوماته.
 

ويرى «شوشة» أنه لو قامت بالفعل دراسات على تحليل لغة خطاب هذه الجماعات فسنكتشف قدر محدودية هذه اللغة التي لا تنتج غير مفردات العنف والقتل والكراهية والبدائية والارتداد إلى السمت الحيواني أو الطابع الغريزي في الإنسان، مطالبا بدراسة سيميولوجية ثقافية تحلل خطاب هذه الجماعات أو المتوافر من مواد لغتهم ..هذه الدراسة ستكون كاشفة عن قدر الفقر في التخييل وقدر مجافاة الإبداع والابتكار والتجديد وهي كلها ضروريات توسع حدود العالم وأبعاده، فاللغة قادرة دائمًا على أن تصنع عالمًا كاملًا وتشكل وتصوغ عقولًا، وإذا كان الغالب علينا الابتكار فيها فإن هذا الأمر يدعم التنمية ويدعم مظاهر التحضر والرقي والتقدم، ولذلك لم يكن غريبًا على الرئيس عبدالفتاح السيسي بعبقريته وإلهامه الكبير أن يجعل العام قبل الماضي هو عام اللغة العربية لأنه يدرك هذه المسارات التي تصبح اللغة عبرها فاعلة في حياتنا المادية والملموسة وتصبح ذات دور حاسم وكبير في إنتاج الحضارة ودعم التقدم.

د. فرج فودة

تراث العنف والقتل
اعتمدت عدة مؤلفات حديثة على تدوير كل ما هو رديء في تاريخنا وتراثنا وإعادة إنتاجه في قالب لغوي مشحون بالعاطفة، وربط هذه الوقائع الرديئة بأنها السبب الحقيقي في نهضتنا العربية والإسلامية القديمة، في مغالطة كبيرة لا ينتبه لها إلا المتخصصون، وغيرها من الوقائع التاريخية التي تسلط الضوء على عمليات القتل الوحشية التي شهدتها بعض الأحداث التاريخية التي لا يرتضيها الدين، وتنفر منها الطباع الإنسانية السليمة، كأن تُعلي من شأن التمثيل بالجثث أو طهي لحوم الخصوم في قدور على النار، بحيث تصبح مثل هذه المؤلفات هي المرجع الأول والمنبع لكل التيارات المتطرفة على اختلاف جنسيات وعرقيات الجماعات الإرهابية فكلها تدين بالولاء الفكري لأستاذ التطرف الأكبر سيد قطب ومؤلفاته وأبرزها «معالم في الطريق» ولأخيه محمد قطب وكتابه «جاهلية القرن العشرين»، كما تدين جماعة الإخوان الإرهابية بالولاء لهما ولحسن البنا مرشدها وأبرز مؤلفاته كتاب «الرسائل»، وكلها مؤلفات باللغة العربية، تعتمد على الشحن العاطفي اللغوي الذي يؤثر في قلوب الناس.
لذا، كان العداء الشديد من قبل الإسلاميين لكل محاولة من المثقفين والمفكرين الذين يواجهون هذه الهجمة الغريبة على تراثنا العربي والإسلامي.
وبدوره أشاد المفكر الراحل فرج فودة بأبطال أمثال طه حسين وعلي عبدالرازق وقاسم أمين ومحمد عبده، حيث أُتيح لهم أن يعيشوا مثل بقية الناس، يأكلون وينامون ثم يموتون، لكنهم اختاروا المواجهة بعزيمة لا تلين، وفككوا مقولات تراثية أخذت ثوب الحقيقة والثبات واليقين، صنعوا نهضة فكرية، فلم يكتفِ سعد زغلول الدارس للقانون أن يكتب مذكرة في الأحوال الشخصية، واختار أن يدافع عن حقوق الأمة المصرية ضد المحتل. ولم يقتصر دور «عميد الأدب» على تقييم أدب أبي العلاء المعري، بل ذهب إلى خلخلة التراث ونقده لاستبعاد الرديء والتأكد من الحسن. أيضًا لم يعكف علي عبدالرازق على كتابة مذكرات أحكام القضاء الشرعي، بل تحدث عن «أصول الحكم في الإسلام».