الخميس 09 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

كوكب واحد موطن واحد من وحي مؤتمر المناخ

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

كان لى الحظ الوافر أن أكون ضمن الحضور فى مؤتمر المناخ الذى انعقد هذا العام فى مدينة شرم الشيخ، وكم سعدت وامتلأت فخرًا بالمجهودات المبذولة من قبل الحكومة المصرية  بكل أطيافها وشبابنا الرائع الذى تُرفَع لهم القبعة امتنانًا وشكرًا لأدائهم ومجهوداتهم االعظيمة وصورتهم البراقة أمام العالم أجمع، وكذلك تكاتف العالم الإنسانى فى وحدة وتناغم نحو تحقيق الهدف فى إنقاذ كوكبنا، لقد شارك في المؤتمر ممثلون من معظم بلدان العالم والجمعيات المدنية العالمية والمحلية وذلك لأهمية الحدث وتعاظم قيمة البيئة ومحاولة الوصول إلى حلول جذرية فى كيفية الحفاظ عليها، وكذلك لتقديم  الحلول والآراء العديدة للوصول إلى ما نصبو إليه من بيئة نظيفة وإرث فريد يجب أن نتركه للأجيال القادمة فى صورة لائقة، ولقد شاركت الجامعة البهائية العالمية بصفتها منظمة غير حكومية وتتمتع بمركز استشارى فى الأمم المتحدة ولها باع طويل فى المساهمات المهمة  اجتماعيًا واقتصاديًا فى تقديم ورقات بحثية نحو تقدم العالم الإنسانى، وقد ساهمت فى هذا المؤتمر المهم بورقة بحثية بعنوان "كوكب واحد موطن واحد" أعتقد أنها من الأهمية لأن نلقى الضوء على بعض ما بها من أفكار ومجهودات فى إيجاد حلول للمشاكل البيئية المعقدة التى وصلنا إليها فى عالمنا المعاصر، والنقاط التى يجب التركيز عليها لتحقيق تقدم ملموس نحو عالم أفضل لإنقاذ عالمنا وكوكبنا من الكثير من الأضرار التى تكاد تدمره وتعصف به، لقد أصبحت التأثيرات الجسيمة لتجاوز حدود الكوكب ظاهرة بشكلٍ متصاعد، فمنها التغير المناخي وفقدان التنوع الحيوي والتلوث والتدهور البيئي، وهذا مادفع البشرية إلى تطوير علاقات ناضجة ومتعاونة وبناءة بين شعوبها وبين بيئتها الطبيعة.
لقد تقدّم التفكير في القضايا البيئية بصورة ملحوظة منذ مؤتمر الأمم المتحدة والذي كان حدثًا بارزًا لنقاش بيئة الإنسان في عام 1972 ففي نصف القرن الماضي برز التقدّم المحرز سواء في المجالات العلمية أو القانونية أو المؤسساتية كسبب يدعو إلى الثقة ومصدرًا للتفاؤل، ولكن اليوم أصبحت ترجمة هذه المفاهيم إلى أفعال بحاجة إلى سرعة أكبر ونطاق أوسع، وأصبحت التغيرات الشاملة في تنظيم وإدارة الشئون البشرية أمرًا لازمًا وضروريًا يستحيل تجنبه، والسؤال الذي يطرح نفسه أمام شعوب وقيادات العالم هو هل ما يجب القيام به سيكون نابعًا من اختياراتنا أم سيكون مفروضا علينا نتيجة الدمار والمعاناة التي ستنجم عن زيادة الانهيار البيئي المتصاعد؟
ومن الأساسيات التى يجب أن نتحرك من خلالها هى أن كل منا يأتى إلى هذا العالم كوديعة في أمانة المجتمع الإنساني، وكلّ منا عليه أن يحمل جزءًا من مسئولية إصلاح المجتمع والكوكب الذي نعيش فيه فالاحتياج الدائم إلى الموارد الطبيعية أساسي لحفظ ولتقدم الحضارة الإنسانية، ولكن المطلوب هو توجيه هذا الاحتياج برشد وإبداعً وشفقة، وبينما نحن نتعلم عن أفضل الطرق لاستخدام المواد الخام المستخرجة من الأرض وأساليب توجيهها للمصلحة العامة، لا بد وأن نكون على وعي بطرق تفكيرنا تجاه مصدر بقائنا، ويجب على ممارساتنا أن تعكس حقيقة أن ثروات الأرض وعناصرها الباهرة ملك مشترك لجميع البشر ويستحقون حصتهم منها بعدل وإنصاف، ومن الضروري أن تُظهِر اختياراتنا فى صناعة القرار منظورا أساسيًا يتسم بالحكمة وحسن التقدير الناتجين عن الازدياد في النضج فيضع في الاعتبار ازدهار سكان الأرض في المستقبل. 
لن نستطيع إيجاد حلول حقيقية إلا إذا أدركنا أننا إنسانية واحدة في وطن عالمي واحد كى نحقق رؤية واسعة تشمل العالم بأسره، ولا يمكن أن نرى البشرية إلا من خلال منظور شعب واحدٍ يعيش في وطن عالمي واحد، فالوعي بهذه الوحدة والذي يظهر من خلال العلاقات العادلة يشكل الأساس الوحيد الذي يمكن من خلاله بناء المجتمعات المستديمة.
إنّ إقرارنا بوحدة البشرية لا يعني إزهاق التنوع في أساليب التعبير أو الثقافات فمبدأ الوحدة يحوي في ثناياه مفهوم التنوع الأساسي، وهو ما يفرقه عن التماثل، ففي عالم الطبيعة تزدهر الأنظمة من خلال تفاعلات عناصر على درجة كبيرة من التنوع مع بعضها البعض حيث تكون الاختلافات بين هذه العناصر سببًا في تحسين الكيان العمومي بأسره.
يستحق كل سكان الأرض فرصة الاستمتاع بثمار مجتمع عالمي يتقدم بتناغم مع عالم الطبيعة ولبناء مجتمع كهذا يجب تمكين الأفراد في كل مكان ليساهموا في العمليات البنّاءة الهادفة إلى تأسيسه، ولذا يصبح بناء القدرة لدى الأفراد والجماعات والمؤسسات للمساهمة الفعالة في التغيير عنصر لا غنى عنه في العمل البيئي الحيوى.
إنّ إطلاق العنان للخصال السامية والكامنة في كل فرد هو الشغل الشاغل للتعاليم والمثل الدينية عبر آلاف السنين ولا يمكن أن ننكر كيف قوض التشدد والتعصب الضرورات الأخلاقية التي تكمن في صميم العديد من هذه التعاليم الدينية. ومع ذلك، فإن المجتمعات التي تعمل بنشاط من أجل وضع القيم السامية موضع التنفيذ، من أجل خير الجميع تمثل مخزونًا من الخبرة جديرًا بالاهتمام الجاد. كيف يمكن لمثل هذه المُثُل العليا أن تتغلغل في تفكير وسلوك أعداد متزايدة من الأفراد؟ وكيف يمكن تعزيز وتسريع هذه العملية بوعي؟ هذه أسئلة ذات أهمية محورية للحركة البيئية والإنسانية ككل. 
علينا أن نعى قيمة العلم والدين فى تطور الجنس البشرى وإيجاد حلول مستدامة نحو الرقى والنجاح، فالبحث العلمي أداة مهمة لمحاولة فهم الواقع الملموس ولخلق حلول مبتكرة مبنية على السعي وراء الحقيقة والالتزام بالتعلم، وعندما يمتزج العلم مع قيم مثل تجنب التعصب والتحيّز، فأنه يُمكّن البشرية من التفريق بين الحقيقة والوهم، ولقد سمحت لنا القدرات العلمية المتمثلة في مراقبة الأفكار وقياسها واختبارها بدقة فى بناء فهم متماسك للقوانين والعمليات التي تحكم واقعنا، ذلك الى جانب الجناح الآخر للإنسانية وهو الدين الذى يوفر إطارًا يمكن من خلاله تطبيق المُثُل العليا في حياة الأفراد وفي حياة المجتمع من أجل تحسين أوضاع الجميع، فالدين والعلم جناحان يطير بهما الإنسان إلى العُلا وبهما تترقى الروح الإنساني.
تتطلب العدالة الترابط بين القول والفعل، ولذلك يجب تشكيل هيئات جديدة وإبرام اتفاقيات حديثة لتجعل الالتزام بإيفاء جميع الوعود التي تم قطعها حجر الأساس لكل جهودها المستقبلية، لا بد من إعادة بناء مخزون من الثقة بعد أن أستُهلِك تماما في السنوات الأخيرة، الثقة في السلطات المنتخبة، والثقة في وسائل الإعلام، والثقة في الكشف العلمي، والثقة في الالتزامات التي يعد بالقيام بها قادة العالم.
اخيرًا يلعب العمل الجماعي ودور الشباب الابتكارى انفتاحًا على طرق جديدة لتنظيم المجتمع واستعدادًا للتعلم من خلال العمل الدؤوب، واستعدادًا للالتزام بالمساعي العالية ورفاهية الأجيال القادمة لتحقيق وجود العالم الذي يلوح لنا هو عالم التكامل، والتوازن والجمال، والنضج، إنه عالم يتمتع بإحساس أعيد تعريف تقدمه وحُددت آليات تطوره بالمجتمعات والأفراد الذين يعملون معًا نحو تحقيق أعلى تطلعاتهم.
هناك حاجة إلى إجماع وإرادة مشتركة بين الدول بقدر اكبر حول القيم التي تتطلبها المرحلة الحالية من تطور البشرية، وإلى قدر أعظم من العزم في وضع تلك القيم موضع التنفيذ، وإعادة الالتزام بما يعود بالنفع على الصالح العام، والتخلي عن كل ما يقف في طريق الاستجابة للنداء الأخلاقي والعملي للساعة الحالية.

لمن يرغب فى المزيد من التفاصيل عن الورقة البحثية المقدمة من الجامعة البهائية العالمية  "كوكب واحد موطن واحد" يمكنه الرجوع إلى هذا الرابط:
https://www.bic.org/statements/kwkb-whd-mwtn-whd