الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

هذه الحرب تبدو أمريكية أوروبية..!!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

لسان حال الساسة الأوروبيين قد يكشف أن أوروبا أيضًا تراهن على انتخابات التجديد النصفى للكونجرس الأمريكى حتى تتعافى من الأضرار التى تسببت فيها ثمانى حزم من العقوبات الاقتصادية ضد روسيا أطلقتها بضغط من الإدارة الديمقراطية فى واشنطن.
بنفس الوقاحة الأوروبية بحسب تعبير مسئول إيرانى عند تعليقه على مطالبات الحكومات الغربية طهران بتزويدها بإمدادات النفط والغاز فى وقت تستمر فى فرض عقوبات أحادية على إيران؛ سمحت وزيرة الخزانة الأمريكية لنفسها الاجتماع بنظرائها فى منطقة اليورو لبحث مسألة وضع سقف لأسعار النفط والغاز الروسي، فيما بلادها تبيع لحلفائها فى الاتحاد الأوروبى الغاز المسال بأربعة أضعاف سعره الحقيقى.
من الوقاحة فعلًا أن يعتبر بيان وزيرة الخزانة الأمريكية حول هذا الاجتماع تحديد سقف لسعر النفط الروسى عاملًا رئيسًا لاستقرار سوق النفط والغاز، دون أن تعير الإدارة الأمريكية مناشدات الرئيس الفرنسى إمانويل ماكرون بشأن أسعار الغاز المسال أى اهتمام.
كانت كلمات ماكرون والمستشار الألمانى هولاف شولترز لحلفائهم التقليديين فى الولايات المتحدة والنرويج واضحة بشأن عدم قدرة أوروبا على الاستمرار فى دفع أربعة أضعاف سعر الغاز المسال؛ غير أن تلك المناشدات التى وصفها بعض المراقبين بالرجاء والتوسل تكشف فى واقع الأمر اضطرابًا واضحًا يعانيه قادة أوروبا فى إدارة هذه الأزمة.
هذا الاضطراب والتردد لايكشفه فقط هذا الضعف فى مواجهة الولايات المتحدة والنرويج، ذلك أن الموقف من وضع سقف لأسعار النفط والغاز الروسى يعانى انقسامًا بين دول الاتحاد الرئيسية، فبينما تدعمه فرنسا تعارضه ألمانيا بشدة خوفًا من تداعيات هذه الخطوة السلبية والتى تتمثل فى انقطاع كامل للنفط الروسى وما تبقى من غاز يصل إلى أوروبا عبر أوكرانيا، ناهيك عن تداعياته على المنتجين الرئيسيين للنفط والغاز الذين قد يحجمون عن بيع وقودهم فى السوق الأوروبية خشية لخطوة مشابهة تتعلق بمنتجاتهم كانت فرنسا وبعد الدول قد اقترحتها أيضًا.
من المفارقات فى هذا الشأن أن يظهر الرئيس الروسى فلاديمير بوتين مدافعًا عن قيم الرأسمالية الغربية وفى القلب منها آليات السوق الحر حيث تخضع الأسعار لمحددات العرض والطلب؛ فى الوقت الذى تتخلى فيه أوروبا عن قيمها وتدفع بالسياسة للتدخل فى آليات الاقتصاد.
بوتين قالها بوضوح (لن نبيع منتجاتنا لمن يحدد سقفًا لأسعارها) ما يعنى أن الخطوة الأمريكية الأوروبية ستكون محفوفة بمخاطر ارتفاعات جديدة لأسعار الطاقة ومزيد من التضخم وفى رأيى أن حديث بوتين بشأن أزمة الطاقة فى مجمله لم يكن موجه فقط لقادة أوروبا وإنما أيضًا للرأى العام الأوروبى؛ فعلى مدار أسبوع حافل للقمم الروسية مع قادة دول وسط أسيا والزعماء العرب أسهب فى شرح أسباب الأزمة بدءًا من العقوبات الاقتصادية التى ارتدت آثارها إلى صدر أوروبا وصولًا إلى تفجير خطى السيل الشمالى 1و2 مؤكدًا على إمكانية استمرار إمدادات الغاز الروسى إلى القارة العجوز من خلال إنشاء مركز دولى لتوزيع الغاز الروسى فى تركيا وهو الاقتراح التى سارعت أنقرا بالترحيب به والعمل على دراسته والتباحث بشأنه مع قطر التى وفق تقارير صحفية ناقش أميرها نفس المسألة مع الرئيس الروسى.
وفقًا لخبراء اقتصاديين روس ومن بينهم الكاتب بموقع روسيا اليوم الكسندر نازاروف فإنه بالنسبة للوقت الذى سيستغرقه انشاء هذا المركز من حيث مد خطوط الأنابيب والذى قد يكون طويلًا نوعًا ما إلا أن تدشينه خلال الأشهر القادمة سيساعد على إنشاء أوبك جديدة للغاز تتحكم فى تحديد أسعاره وهو ما سيكون صفعة للساسة فى واشنطن وحلفائها.
صحيح أن الاتحاد الأوروبى قلل من أهمية إنشاء هذا المركز فى ظل قراره بالاستغناء تماما عن الغاز الروسى إلا أن حاجة بعض الدول الملحة لهذا الغاز فى شرق أوروبا مثل المجر وبلغاريا ودول البلقان ومن بينها صربيا التى أعلنت استعدادها للتعامل مع أية ضغوط فى مقابل استقبالها للغاز الروسى سيجعل لهذا المركز جدوى اقتصادية ناهيك عن مشروع آخر للتعاون بين كل من روسيا وإيران بشأن الغاز لإيصاله إلى تركيا والعراق وباكستان وأذربيجان وأرمينيا.
هذه المشاريع التى ستجعل أطرافها تعيش حالة من الانتعاش الطاقوى إن جاز التعبير ستجعل الحكومات الأوروبية تقع تحت ضغط غضب شعوبها المتنامى والتى أدركت الآن أنها تعيش فى المقابل حالة من الفقر الطاقوى المدقع.
ستتذكر الشعوب الأوروبية كلمات بوتين الموجهة إليها بالأساس (سياسة حكوماتكم المعادية لموسكو هى المسئول الأول عن ارتفاع فواتير الكهرباء والغاز والسلع الغذائية الأساسية ولسنا نحن فكل ما على أوروبا فعله أن تقوم بفتح الصنبور لتنتهى هذه الأزمة) الشعوب الأوروبية تراقب عجز حكوماتها عن فرض سقف سعرى للغاز الأمريكى والنرويجى وهذا ما أشعل الأوضاع فى غرب أوروبا قبل شرقها بالإضرابات العمالية واسعة النطاق فى فرنسا والتى طالت جميع القطاعات من مصافى تكرير النفط إلى قطارات السكك الحديدية وغيرها؛ والأمر ليس أفضل حالًا فى بريطانيا التى حذر صندوق النقد الدولى من هشاشة أوضاعها الاقتصادية بعد إقالة وزير المالية والتخبط الواضح فى سياساتها النقدية.
دول الاتحاد الأوروبى على مايبدو بدأت تدرك أنها قد تورطت ووقعت فى الشرك الأمريكى الهادف لفرض الهيمنة الاقتصادية والسياسية الامريكية الكاملة على قرارها.
مفوض السياسة الخارجية بالاتحاد الأوربى جوزيب بوريل يعبر عن هذا الإدراك قائلًا: علينا البحث عن مصادر للطاقة داخل قارتنا عوضًا عن الانتقال من إدمان الغاز الروسى إلى إدمان آخر ويعنى الغاز الأمريكى، ووزير الاقتصاد والصناعة الفرنسى يقول بأعلى صوته لا ينبغى أن نسمح بهذه الهيمنة الأمريكية على اقتصادنا بسبب الغاز.
تشعر أوروبا بالحرج السياسى فى التراجع عن مواقفها المتشددة إزاء روسيا فى هذه اللحظة التى تشهد تصعيدًا سياسيًا وعسكريًا على أرض أوكرانيا الأوروبية؛ لذلك قد يمثل نجاح الحزب الجمهورى فى انتخابات التجديد النصفى للكونجرس الأمريكى نوفمبر المقبل طوق نجاة للساسة الأوروبيين ذلك أن مواقف الجمهوريين المعلنة على الأقل تعارض تشدد إدارة بايدن فى إدارة هذه الأزمة ويحتاج الأوروبيون لمعادلة جديدة تنقذ اقتصادهم من الانهيار وحكوماتهم من التداعى والسقوط بعد أن شعروا أن هذه الحرب بتداعياتها تبدو أمريكية أوروبية.