الأربعاء 01 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

كوميديانات الزمن الجميل| زوزو شكيب.. الحماة المتسلطة

الفنانة زوزو شكيب
الفنانة زوزو شكيب
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

الكوميديا نوع من أنواع التشخيص الجميل ذات طابع خاص، يجسد فيه الممثل شخوص معينة في صور وقوالب مرحه من صنع المفارقات، ينتج عنها عروضا تُكتب بقصد التسلية في فصول سهلة تنهض على المفارقة والافيهات الخالدة لصنع حالة من البهجة والسعادة للجمهور.
وتحت قبة المسرح تجتمع كافة أشكال الفنون، وخلال رحلته الطويلة وقف على خشبته مبكرا؛ مجموعة من الرائدات منذ مراحله الأولى وصولا اللحظة الحالية، قدمن تراثًا خالدًا سيبقى على مر الزمان.
اختص المؤرخ المسرحي د. عمرو دوارة "البوابة نيوز" بفصول لم تنشر بعد من موسوعته الجديدة "سيدات المسرح المصري"، ولم يستقر على دار نشر لطباعتها حتى الآن، التي تضم السيرة الذاتية والمسيرة المسرحية لـ150 رائدة، منذ بدايات المسرح الحديثة 1870 حتى 2020، والمصحوبة بصور نادرة سواء شخصية أو لعروضهن المسرحية، وقد نجحن في المساهمة بإبداعهن في إثراء مسيرة المسرح المصري.
وخلال أيام الشهر المبارك نستكمل نشر 30 حلقة للسيرة الذاتية لرائدات برعن في أداء الأدوار الكوميدية، بعدما قدمنا على مدار الأعوام الماضية عدد من السلاسل حول رائدات المسرح المصري بمختلف تصنيفاته "الغنائي، والاستعراضي، والتراجيدي والميلودرامي، والكوميدي، والأدوار الثانوية، وبين الضوء والظل، والسينما والدراما التليفزيونية، والمعاصر".

تنتمي الفنانة زينب شكيب، المشهورة بـ"زوزو شكيب"، إلى عائلة ارستقراطية وثرية تعود لأصول شركسية، ومن مواليد 12 أبريل 1909، فكان والدها يعمل مأمورًا لقسمي حلوان، وعابدين، وجدها ضابطا بالجيش في عهد الخديوي إسماعيل، أما والدتها فكانت سيدة آرستقراطية تتقن التحدث بعدة لغات منها: "التركية، والإيطالية، واليونانية والألمانية"، وكانت لها شقيقة واحدة تصغرها بـ4 سنوات وهي "أمينة" التي أشتهرت بعد ذلك باسمها الفني ميمي شكيب.
قضت فترة طفولتها التي شكلت مشوار حياتها في قصور وسرايات، وتلقت تعليمها بمدرسة العائلة المقدسة، وبالرغم من عدم تفوقها في دراستها إلا أنها استطاعت اتقان كل من اللغتين الفرنسية، والإسبانية، هكذا أوضح المؤرخ المسرحي الدكتور عمرو دوارة، مضيفا أنها تميزت هي وشقيقتها منذ طفولتهما بالجمال والشقاوة وخفة الظل والدلال، كما صرحت في أكثر من حديث بأنها لم تشعر بالسعادة بسبب معاملة والدها المتشددة، الذي كان يمنعها هي وشقيقتها من الخروج للمنزل إلا من أجل الذهاب للمدرسة فقط، كما كان يرفض رفضا باتا ذهابهما إلى السينما.
استمرت حياتها بالهدوء والاستقرار وسط عائلتها، حتى انقلبت رأسا على عقب بعد وفاة والدها المفاجىء، ولم تكن أكملت السادسة عشر من عمرها بعد، فقد اضطرت والدتهما للنزول للعمل حتى تتمكن من الإنفاق عليهما بعدما دخلت في صراع عنيف مع أسرة زوجها، لرفضها الاستجابة لطلبهم بتوليهم مسئولية تربية أبنتيها، حتى حرمت مع ابنتيها من الميراث، وفي تلك الظروف الصعبة تقدم أحد الأثرياء وكان ابن شقيقة رئيس الوزراء إسماعيل باشا صدقي للزواج من شقيقتها الصغرى "أمينة"، وعلى الرغم من أنه كان يكبرها بنحو 20 عامًا، إلا أن "أمينة" وافقت وكانت سعيدة بتلك الزيجة، ظنا منها أنها ستعيش حياتها بحرية وانطلاق، ولكنها فوجئت بعد الزواج بأن زوجها أكثر تشددا من والدها، كما أنه بعد ثلاثة أشهر فقط من زواجهما تزوج من امرأة آخرى، فلم تتحمل هذه الصدمة، ومع إصرارها على الانفصال تم الطلاق.


"جمعية أنصار التمثيل والسينما"
كان طلاق شقيقتها "أمينة" هو بداية انطلاق كل منهما إلى عالم الفن والشهرة، فبمجرد الانفصال قررت "أمينة" أن تتمرد على نمط حياتها السابقة وتعيش بحرية دون قيود، وفكرت في العمل بالفن الذي كانت تعشقه منذ طفولتها، وقامت بتشجيع شقيقتها زينب "زوزو" على الانطلاق معها والعمل بالفن، التي حرصت على مصاحبتها في جولاتها بين المسارح والاستديوهات حتى وجدت كل منهما فرصتها الأولى من خلال جمعية "أنصار التمثيل والسينما"، التي أتاحت لهما فرصة التدريب والتعرف على بعض كبار الفنانين. 

تنبأ لها "الريحاني" بمستقبل باهر وأصبحت إحدى نجمات الفرقة الأساسيين
بدأت "شكيب" انطلاقتها الفنية الأولى من خلال المسرح، وشاركت بأداء دور صغير في مسرحية "الدكتور" عام 1929 بفرقة فاطمة رشدي، وكان عمرها آنذاك لم يتجاوز 20 عامًا، لكن الانطلاقة الحقيقية لهما تحققت حينما أتيحت لهما فرصة اللقاء مع الفنان نجيب الريحاني، الذي تنبأ لكل منهما بمستقبل باهر في عالم الفن وقرر ضمهما لفرقته عام 1932، وأصبح "الريحاني" هو صاحب الفضل الأكبر على الشقيقتين، حينما قام بتعليمها كيفية نطق الكلمات بالعربية، وكيفية الأداء وحفظ الأدوار، وأيضا كيفية الحركة فوق خشبة المسرح ومواجهة الجمهور، وفي خلال فترة قصيرة حققا نجاحا كبيرا، وأصبحت كل منهما من نجمات الفرقة اللاتي يعتمد عليهن "الريحاني" في أداء أدوار البطولة أمامه، وذلك تعويضا الفرقة عن غياب الفنانة بديعة مصابني، وتألقت في عدد كبير من المسرحيات بالفرقة منها: "حكم قراقوش، وقسمتي، والدنيا على كف عفريت". 
انضمت "شكيب" في النصف الثاني من ستينيات القرن الماضي إلى فرقة "الفنانين المتحدين"، حتى التحقت بعد ذلك بفرقة "الكوميدي المصرية"، قدمت عددا من المسرحيات بكل فرقة منهما، وكانت آخر المسرحيات التي اشتركت في بروفاتها مسرحية "إنها حقا عائلة محترمة"، حيث كانت تقوم بأداء دور جدة الأولاد "حماة أبو الفضل أفندي"، لكن للأسف لم يمهلها القدر لتشارك في تقديم العرض، وتوفيت أثناء البروفات النهائية في 14 سبتمبر عام 1978، وتم الاستعانة بالفنانة أمينة رزق لأداء الدور.
تنوعت أدوارها في السينما بين المرأة الأرستقراطية أو المرأة العانس، والحماة المتسلطة، والمرأة الشريرة، وبعد نجاحها قامت عام 1945 باقتحام مجال الإنتاج السينمائي مع كل من شقيقتها ميمي شكيب، وزوج شقيقتها سراج منير، وذلك بفيلم "قلوب دامية"، وآخرها فيلم "رجب فوق صفيح ساخن"، فاستطاعت أن تحظى مكانة خاصة في قلوب الجمهور بأدائها المتميز.


مسرح زوزو شكيب
ظل المسرح عشقها الأول والأساسي الذي تستمتع بالوقوف على خشباته، ويكفي أن نذكر أنها ظلت لسنوات متتالية تنتمي بصفة مستمرة إلى فرقة "الريحاني"، ويمكن من خلال تتبع ورصد مجموعة أدوارها المسرحية أن نتوقف عند بعض الأدوار المهمة التي تعد علامات في مسيرتها الفنية ومن بينها دور "البرنسيسة" بمسرحية "أنا وهو وسموه"، ودور "إنجي هانم" عمة كمال الطاروطي "فؤاد المهندس" بمسرحية "سيدتي الجميلة"، وكذلك دور "زهرة هانم" بمسرحية "حالة حب" زوجة متولي المضلع الفنان عبد المنعم مدبولي، ووالدة سوسن الفنانة شويكار.
قدمت مع فرقة "الريحاني" مسرحيات: "قسمتي، الدكتور، وإبليس وشركاه، واللي يعيش يا ما يشوف، والدنيا لما تضحك" عام 1934، و"حكم قراقوش" في 1935، و"سلاح اليوم" عام 1945، و"الدلوعة، وما حدش واخد منها حاجة، وحسن ومرقص وكوهين" في 1954، و"لزقة إنجليزي، وأروح فين من الستات" عام 1956، و"أشوف أمورك أستعجب" في 1958، و"حكاية كل يوم" عام 1965، ومع فر قة "المسرح الحر" عرض "الفراشة" 1959، ومع فرقة "المسرح الحديث": "الشيخ رجب" عام 1963، ومع "المسرح الكوميدي" عرض "عمتي إكرام وأختها إنعام" في 1965، ومع فرقة "الفنانين المتحدين" مسرحيات: "أنا وهو وسموه" عام 1966، و"حالة حب" في 1967، "سيدتي الجميلة" عام 1969، ومع فرقة "الكوميدي المصرية" مسرحيات: "نجمة الفاتنة" عام 1972، و"يا ما كان في نفسي" في 1974، و"ليه ؟" عام 1976.
تعاونت من خلال الأعمال المسرحية السابق ذكرها مع نخبة من كبار المخرجين الذين يمثلون أكثر من جيل منهم: "نجيب الريحاني، وسراج منير، وعبد المنعم مدبولي، وصلاح منصور، وفايز حلاوة، وسمير العصفوري". 
سينما شكيب
أثبتت تواجدها الفني منذ بداية مشاركتها السينمائية عام 1937 وبالتحديد من خلال فيلم "مبروك"، وبدأت تلفت الأنظار إلى موهبتها بقوة من خلال فيلم: "سي عمر" عام 1941، وتضم قائمة أعمالها السينمائية ما يقرب من 90 فيلمًا منها: "ليلى بنت الريف، وليلى، وأحمر شفايف، وقلبي دليلي، وأبو حلموس، وساعة لقلبك، وبشرة خير، وابن ذوات، وقصر الشوق، والمتمردون، ومطاردة غرامية، وشنبو في المصيدة، والمساجين الثلاثة، والعتبة جزاز، وانت اللي قتلت بابايا، وابنتي العزيزة، وغرام في الطريق الزراعي، وخلي بالك من زوزو، والبحث عن المتاعب، وفيفا زلاطا، والبعض يذهب للمأذون مرتين، ورجب فوق صفيح ساخن".
وشاركت "شكيب" منذ بدايات البث التلفزيوني في منتصف ستينيات القرن الماضي بأداء عدد من الأدوار الرئيسة ببعض السهرات والمسلسلات منها: "شيطان من الجنة، والعسل المر، والحائرة، والخماسين"، وذلك بخلاف عدد من التمثيليات والسهرات التلفزيونية.
ساهمت في إثراء الإذاعة المصرية بكثير من برامج المنوعات والأعمال الدرامية على مدار ما يزيد عن 50 عامًا، التي يصعب حصرها، وللأسف الشديد نفتقد لجميع أشكال التوثيق العلمي بالنسبة للمشاركين في بطولة الأعمال الإذاعية منها مسلسلات: "دليلة والفك المفترس، وأنت إللي قتلت بابايا، وشنبو في المصيدة، وهذه زوجتي، وشارع عماد الدين، وأنف وثلاث عيون، وعلشان سواد عينيها". 
لم تتح لها فرصة المشاركة في تسجيل مجموعة المسرحيات المختارة من تراث فرقة "الريحاني" كشقيقتها ميمي شكيب وصديقتهما ماري منيب، تلك المسرحيات التي تم تسجيلها خلال الفترة 1962 - 1965.