الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

الرسائل المتبادلة بين زعيم ثورة 19 ورئيس الجهاز السري

ثورة 19
ثورة 19
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يظل التساؤل: هل حقًا سعد زغلول كان يريد أن يكون رئيسا لمصر بالانتخاب؟ هذا ما تجيب عنه السطور التالية من نص الرسائل التى حملت عنوان «سري»، وكتبها سعد زغلول بالحبر السرى لرئيس الجهاز السرى لثورة ١٩ عبد الرحمن بك فهمي. 
وكان سعد زغلول يكتب الرسائل بالحبر السري، فوق المجلات الفرنسية، والذى كان يعمل على فك شفرتها هو الدكتور أحمد ماهر، حيث يقوم بتمرير مكواة ساخنة على الورق فتظهر الرسائل على الفور.
وتؤكد هذه الرسائل أن سعد زغلول كان يريد أن يكون رئيس مصر بالانتخاب لا بالتعيين ولا بالوراثة، حيث قال فى إحدى تلك الرسائل: «يجب التحذير من الاقتراب من هذا المركز «رئيس الدولة» إلا بإرادة الأمة، وبناء على انتخابها، بعد الحصول على الاستقلال التام، وأن قبول المركز تحت سلطة الاحتلال الإنجليزى مهما كان اسم هذه السلطة- الحماية- يُعد خيانة للأمة».
وحملت إحدى الرسائل السرية 
دخول الأمراء إلى الثورة
٢٧ يناير ١٩٢٠ 
من سعد زغلول فى باريس إلى عبد الرحمن فهمى فى القاهرة.. «سرنا أن ظهر الآن بعض من أعلياء الشأن- الأمراء- فى الميدان، بعد أن لبثوا فى الخفاء كثيرًا من الزمان، بل بعد أن عاكس بعضهم الحركة بأقواله وأمواله، وبلغنا أنه انعقد اجتماع عند بعضهم فى الإسكندرية تقرر فيه إسناد الزعامة إليه- عمر طوسون-، إن الأمة جمعت أمرها قبل دخولهم على طلب الاستقلال التام وسرت فى الطريق شوطًا بعيدًا بدونهم، كأنهم لم يكونوا موجودين، فما الفائدة من انضمامهم الآن؟ وهل يستنتج من ذلك أنهم أرادوا المنازعة فى الزعامة لتكون الرياسة لهم؟.. إن الرياسة لا تهمنى فى شيء، ولكن يهمنى أن تبقى فى الأمة هذه الروح التى أدهشت العالم بجلالها وكمالها.. وأن تبقى الحركة قومية، ترمى إلى تحرير البلاد من رق الاستعباد، وأن تتمتع بالحرية الحقيقية لا أن تخرج من رق المماليك إلى رق الأمراء!».
٢٥ فبراير ١٩٢٠ «سرى» 
من عبد الرحمن فهمى فى القاهرة إلى سعد زغلول فى باريس: «إن الأمراء بعد صدور بيانهم لمتبد منهم أى حركة يفهم منها انضمامهم إلى القائمين بالحركة، وهذا هو السر فى عدم نشر صورة جوابكم الذى أرسلتموه إلى الأمراء لغاية الآن، إننا تأكدنا من أن الأمير عمر طوسون مشايع لمحمد سعيد باشا، وخشينا أن تؤثر عليه أقوال سعيد فيصدمنا بجواب ينشره فى الجرائد بعد نشر جوابكم ولا يكون فى مصلحتنا، ولذا تريثنا حتى يعود الأمير يوسف كمال من الوجه القبلى ونتفق معه على نشر الجواب»
وهذا الخطاب ما جعل سعد زغلول يقوم بإرسال برقية سرية قصيرة فى ١١ أبريل ١٩٢٠ تحتوى على سؤال واحد فقط «هل للأمير عمر طوسون غاية تعلمونها؟ أو يمكنكم أن تعرفوها؟».
ليعود الرد من عبدالرحمن فهمى فى ١٤ أبريل فى برقية قصيرة، حيث قال: «حامت الظنون حول مسلك الأمير عمر طوسون نحو الوفد وخطته، وطلبت من إخوانى التوجه إلى زيارة الأمير وأن يتحدثوا معه فى المسائل الهامة، فإذا وجدوه مؤمنا بأعمال الوفد يطلبون منه مساعدته المالية، فقال لهم الأمير بصريح العبارة «إنه ليس لديه ثقة فى نتيجة أعمال الوفد».
وتوالت الرسائل السرية بين سعد زغلول وعبد الرحمن فهمى كان يطلعه فيها الأخير على المستجدات التى تطرأ على الحركة الشعبية، وظهور هتافات باسم الخديو عباس، والتى ظهر أنها أتت بتكليف من محمد سعيد باشا، وبالاتفاق مع أعضاء الحزب الوطني، والصوفاني.
إلا أن ما حدث فى الاحتفالات بميلاد السلطان أتت بالعكس، فهتف الشعب بسقوط السلطان، يقول عبد الرحمن فهمى فى إحدى رسائله: «إن وزارة الأوقاف قامت بإرسال خطبة الجمعة على المساجد فى يوم الجمعة ٢٦ مارس، وهو عيد ميلاد السلطان، وكانت وزارة الأوقاف قد طبعت الخطبة ووزعتها على خطباء مساجدها، ولكن يا ليتها ما فعلت! فالنتيجة أتت بعكس ما كان يأمله واضع الخطبة على خط مستقيم: حيث حدث فى جميع المساجد مظاهرات ضد السلطان، ونادى الجمع المحتشد فى معظمها بسقوطه! وفى بعضها أنزل الخطيب قهرًا من فوق المنبر الذى علاه غيره، وخطب خطبة اعتيادية- وذلك بمسجدى الأزهر والسيدة زينب- أما فى باقى المساجد فالخطباء لم يترددوا فى إطاعة نداء الجمهور وطويت خطبة الأوقاف، وخطبت خطبة اعتيادية، بعد أن زلزل الجمع جوانب الجامع بصوته العالى مناديا بسقوط السلطان! كتبت هذه الرسالة فى ١٢ أبريل ١٩٢٠.
لتأتى برقية قصيرة من سعد زغلول يقول فيها «إن السخط الذى قام به المصلون لتغيير خطبة الجمعة، وما ترتب عليه، أوجب كل ارتياح لدينا، لدلالته على شدة تغيظ الأمة، وتمكن روح التضامن فيها، ودعوا الله أن تبقى هذه الروح وأن يبعد عنها إفساد المفسدين المضللين».
فهل حقًا كان يريد سعد زغلول قيام الجمهورية؟ بالطبع لا، ففى البداية لم تكن فكرة قيام الجمهورية غير مطروحة، ولكن بعد أن أعلن فى الزقازيق بأنها جمهورية! حيث قال سعد حسب ما روته جريدة «التيمس» من أنه نودى فى الزقازيق بأنها جمهورية! فهل تبدلت الأمة المصرية فى هذه البرهة الوجيزة التى مضت منذ سفرنا من البلاد؟ أو أن القوم يكبرون فى الحوادث ويبالغون فى شأنها بغية الوصول إلى غرض يرمون إليه؟»، وأن هذه الفقرة من حديث سعد زغلول تؤيد ما قاله حمد الباسل باشا بعد ذلك بعشرين عامًا حيث قال: «لم يكن سعد زغلول فى أول الثورة من أنصار الجمهورية، ولكن بعد شهر من قيامها بدأ يفكر فيها، والسبب أننا كنا منفيين فى مالطة وجاءت برقية تقول إن إحدى المديريات أعلنت استقلالها وأعلنت الجمهورية، واهتم سعد زغلول بهذا النبأ، ومكث يحدثنا فيه حتى الصباح، وكنت أنا مع إسماعيل صدقى فى غرفة واحدة وقلت له إن رأس سعد زغلول دار بفكرة الجمهورية، وكان من رأى صدقى أن إعلان الجمهورية كارثة».