الجمعة 10 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

"العذراء العزباوية" كنيسة العجائب.. مريم تشرب من بئرها والبطيخ شاهد على أكبر معجزاتها.. الآلاف يزورون أيقوناتها الأثرية.. والراهب عبدالمسيح السرياني: "البركات اللي بتحصل في المكان ده ما تتعدش"

مصليين أمام أيقونة
مصليين أمام أيقونة العذراء
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
دير السيدة العذراء مريم الشهير بـ"السريان" بوادي النطرون، له مقر بالقاهرة يسمى العزباوية، ملاصق للكنيسة المرقسية الكبرى بكلوت بك، وفي ذلك المقر كنيسة صغيرة جدا باسم السيدة العذراء مريم، أم وشفيعة دير السريان، وتلك الكنيسة على قدر صغر مساحتها وبساطتها، إلا أنها مليئة بالروحانيات والقداسة، فرغم أنها لاتساع عدد كبير من المصليين، لكنها مكدسة بالزوار، أرضها من الموكيت ولا يوجد بها إلا أماكن قليلة للجلوس والمصلين الذين يمدحون البتول لا ينقطعون، وبداخل مقصورة تلك الكنيسة أيقونة قديمة للعذراء وهي تحمل الطفل يسوع، ويوحنا المعمدان بُقبل قدميه وتسمى "أيقونة العجائب"، إذا يلجأ إليها الكثيرون من المرضى وأصحاب المشاكل، والطلبة بأيام الامتحانات، ويتشفعون بها، فظهر مجد الله كثيرا لهم "بشفاعة الست العدرا" كما قالتها لنا أحد الزوار.

ومن الأمور التي أعطت للكنيسة قيمة روحية عالية، هو مرور العائلة المقدس خلال زيارتها لمصر بالمنطقة التي بها الكنيسة، كما أن هناك قصة ومعجزة كبيرة حدثت خلال تواجدهم بتلك المنطقة، فحينما مرت العائلة المقدسة بهذا المكان، كان حقلا، تحديدا حسب ميمر –سيرة- بدير السريان كان في أول يونيه عام 2 ميلادية، فلما وصلوا للحقل ألقى القديس يوسف النجار، خطيب السيدة العذراء السلام على صاحب الحقل، فرحب به صاحب الحقل، فجلسوا ليستريحوا، وكان الوقت حينها يضع صاحب الحقل فيه بذور البطيخ، فطلبت منه السيدة العذراء مريم أن تشرب، فأدلى الرجل الدلو ببئر بالحقل "هو موجود حاليا في مدخل الكنيسة"، وخلال الاستراحة قالت له السيدة العذراء: "أعلم أيها الرجل الطيب، أننا هاربون بأمر من الله من وجه هيرودس الملك، حيث أمر بقتل كل الأطفال دون العامين بعدما أخبره المنجمون بأن ملكا قد ولد –على السيد المسيح- وذلك حتى لا يفقد عرشه هو ونسله، فتفهم الرجل الأمر.
وأكملت السيدة العذراء لصاحب الحقل، أنت اليوم تضع بذور البطيخ في الأرض، فإذا مر عليك رجال هيرودس وسئلوا عنا، قل لهم أننا مررنا من هنا وأنت تبذر بذور زرعك، لأن مجد الله سيظهر في أرضك.
وبالفعل، أستيقظ الرجل في اليوم التالي وإذ بمحصول البطيخ قد طرح وبثمار رائعة وبأعداد عظيمة، وكما أخبرته العذراء، مر رجال هيرودس وسئلوا عن العائلة المقدسة، فإذ بالرجل يجب "مروا من هنا ونحن نبذر بذور ذلك المحصول" ففهم رجال الملك أن مرورهم كان منذ ثلاث إلى أربع شهور –مدة طرح البطيخ من البذور إلى الثمار-، فعادوا إلى الطريق الذي أتوا منه ولم يتبعوا خط سير العائلة المقدسة.
يقول القمص الراهب عبد المسيح السرياني، المتواجد بالكنيسة، أن المكان به بركة كبيرة، وشهد العديد من الأعمال التي تشهد بمجد الله، رغم أن المكان صغير جدا، مضيفا بأن الكنيسة تستقبل أعداد كبيرة جدا طوال فتح أبوابها، ويتردد عليها الجميع من كل شكل ولون.
ويضيف، يأتي للسيدة العذراء بالعزباوية الكثيرين من المسلمين، الطالبين ببركتها وشفاعتها، ويقومون بإيقاد الشموع أمام أيقوناتها الشهيرة هنا، عارضين عليها أزماتهم ومشكلاتهم، راجيين منها الشفاعة لحل تلك الأمور، موضحا بأن ببركة السيدة العذراء، يأتي كثيرون منهم للشكر فيما بعد على حل مشكلاتهم، موضحا بأن لو تحدثنا عن مثل تلك الحالات فلمن يكفينا الوقت لسردها، والهام في الأمر أن تكون على لسان من نالوا تلك البركة.
وعن مواعيد استقبال الزوار، يقول القمص، أن الكنيسة تفتح أبوابها يوميا وبشكل منتظم طيلة أيام الأسبوع، من الساعة السابعة صباحا، وحتى السادسة مساءا، يقام خلالهم الصلوات والقداديس والتماجيد المختلفة.

لماذا سُميت بـ"العزباوية"؟
كان رؤساء دير السريان يقيمون ببلدة الطرانة بمحافظة البحيرة، حتى انتقل منها القمص يوحنا الفيومي "أوائل القرن 19" إلى قرية أتريس مركز إمبابة بالجيزة نظرًا لوجود أوقاف الدير بها.
ولما انتقل مقر الكرسي البطريركي إلى الكاتدرائية المرقسية بالأزبكية رأى قداسة البابا البطريرك أن يجمع حوله رؤساء الأديرة ليكونوا بجوار البطريركية، فاختار القمص يوحنا الفيومي -رئيس الدير وقتئذ- مقرًا له بالدرب الإبراهيمي بالأزبكية وظل به إلى أن تنيح بسلام.
ولما خلفه القمص عبد القدوس استبدل هذا المكان بمنزل آخر، فسيح في حارة درب الجنينة المتفرع من شارع كلوت بك قرب الدار البطريركية، وكان مكونًا من دور واحد بجواره بئر ماء وأطلق عليه اسم العزبة وهو ذات الاسم الذي كان يُطلق على سكن رئيس الدير عندما كان يقيم في أتريس، فصار يُعرف عند الناس بهذه التسمية حتى أخذت به بلدية القاهرة وأطلقت على الحارة الكائن بها مقر الدير اسم "عطفة العزبة".
وفي وقت لاحق قام القمص عبد القدوس بشراء المنازل المحيطة وضمها إلى "العزبة"، ثم كرَّس حجرة خاصة للصلاة باسم السيدة العذراء ثم أحضر من الدير أيقونة أثرية للسيدة العذراء "أيقونة العجائب" ووضعها في مقصورة جميلة وأنار أمامها قنديلًا ليتبارك منها جميع الشعب على اختلاف جنسياتهم ودياناتهم، فتوافد عليها المرضى وذو المشاكل والحاجات والطلبة يسألونها العون والشفاعة، وكان الرب يتمجد -في معظم الحالات- وتُسْتَجاب طلباتهم -حسب مشيئته- فكانوا يوفون له النذور ويصلون التماجيد.
- مسلمة أمام أيقونة العجائب: العذراء مكانها محفور فى قلوب المسلمون كالمسيحيون
صادف وجود "البوابة " بالكنيسة الأثرية، وجود سيدة مسلمة محجبة، تقف بخشوع أمام أيقونة السيدة العذراء الأثرية، وهي توقد شمعة، فيما ظلت عينيها مرفوعة لعين السيدة العذراء خلال غرسا للشمعة بحفنة الرمال المخصصة لحملها، وعقب انتهائها أكد السيدة، أنها جاءت هنا بعد تزكية المكان من العديد من جيرانها اللذين شعروا أن لزيارتهم للسيدة العذراء العزباوية نتائج هائلة في حل أزماتهم.
تضيف السيدة، "وأنا ظروفي وحشة وجيت أمد إيدي للعدرا بدل ما أمدها للناس"، وعن إيمانها بالأمر ومدي قدرة ذلك المكان علة مساعدتها، شددت أن الله لا يتركنا، ونحن نتشفع بمحبيه، والعذراء مكانها محفور بقلوب المسلمون كالمسيحيون، والدليل صورتها بالقرآن الكريم، فيما أنهت حديثها معنا بتقبيل الأيقونة وهي تردد "شيلاه يا عدرا".

- الست "العزباوية".. والعسكري الإنجليزي
بحسب منشور تابع للكنيسة، حصلت «البوابة» على نسخة منه، سرد به القصة وراء أول مرة ذكر فيها اسم "العزباوية"، حيث يروي أحد الآباء عن معجزة حدثت في الأربعينيات من القرن العشرين عن لسان الأب المسئول عن الكنيسة في ذلك الوقت، هذه المعجزة حدثت لسيدة يونانية ترددت على الكنيسة وكانت تبكي بحزن شديد وحرقة قلب وذلك لمدة 12 يومًا متوالي، وكانت تبكي كل يوم أمام أيقونة السيدة العذراء لمدة طويلة تصل إلى حوالي نصف ساعة.
ثم عقب انتهائها من البكاء تُعطي أبونا القائم على الكنيسة "ريالًا" وذلك لوضعه في صندوق الكنيسة كي يصلى تمجيدا للسيدة العذراء من أجل سؤال قلبها، وكان الكاهن يتعجب من أمر هذه السيدة وإلحاحها وحزنها الشديد فسألها عن سبب ذلك. فأجابته قائلة إبني في الجيش الإنجليزي وأرسلوه إلى لبنان وكان دائمًا يرسل لها ليطمئنها على أخباره، وفي آخر خطاب له كتب لها أنه مريض جدًا وبعد ذلك انقطعت خطاباته، لتقول للكاهن: "أنا خايفة يكون مات وعايزة الست العدرا ترجعهولي سليم".
وفي اليوم الثالث عشر يقول أبونا، فتحت باب الكنيسة كالعادة في الصباح الباكر ووجدت هذه السيدة أول الحاضرين وعندما رأتني صاحت بفرح: "أبونا، أبونا، أنا عايزة تمجيد النهاردة بجنيه !"- وكانت قيمة الجنيه وقتئذ كبيرة جدًا- فأستفسر الكاهن عن السبب فأجابت السيدة أخيرًا وصلني خطاب من ابني.
وبدأت تترجم له الخطاب المكتوب باليونانية: يقول الابن لوالدته بعد التحيات والسلام... كنت مريضًا جدًا وملازمًا الفراش والسيدة التي قمتي بإرسالها لي بزجاجة الدواء هي سبب شفائي، بعد حضورها أخبارها لي أنها من طرفك، شربت الدواء الذي من الزجاجة فشفيت في الحال، وحينما سألتها بعد ذلك عن اسمها لكي أرسل إليك لأعرّفك فقالت لي أنا اسمي "العزباوية" وبنفس اللهجة كتبها باليونانية هي "العزباوية".
وردد قائلًا: الست اللي اسمها "العزباوية"، وكان أول مرة يسمع ذاك الاسم حيث كان يطلق علي المقر اسم العزبة.

-- 5 أيقونات أثرية.. في الكنيسة
تحوي كنيسة العزباوبة على 5 أيقونات أثرية، تم العثور عليها خلال عمليا الترميم، من أهمها أيقونتان فريدتان للسيد المسيح وللسيدة العذراء، وحول كل منهما أنبياء العهد القديم، وواحدة من تلك الأيقونات تم جلبها للكنيسة من دير العذراء السريان، أما الأربعة الأخرون فواحدة مجهولة المصدر، وثلاثة من رسم أحد الفنانين الذي وصف نفسه أسفل أحدهم بـ"الحقير" وذلك في محاولة من التواضع الروحي منه، مقابل قيمة الشخصيات التي رسمها، وفيما يلي وصف لتل كالأيقونات:
العذراء الأثرية "أيقونة العجائب"
وتظهر السيدة العذراء مريم بتلك الأيقونة وهي تحمل الطفل يسوع، ويوحنا المعمدان راكعًا أسفلهم يُقبل قدميه، وخلفه حمل صغير – في إشارة للسيد المسيح وفداءه للبشرية- كما تحمل السيدة العذراء أيضا صولجانا بيديها الأخرى، ويغلب على الأيقونة الألوان التي تعطي إحساس الوقار كالأحمر القاتم والني الغامق، والأيقونة مصنوعة من التمبرا ومقاسها 60سم X 90 سم.
أيقونة السيدة العذراء الأثرية هي منقولة عن الصورة الأصلية التي رسمها القديس لوقا الطبيب في القرن الأول، وكانت موجودة بالدير ونُقلت إلى المقر، ولشهرتها سُميت أيقونة العجائب.
أيقونة العماد
أيقونة أخرى أيضا تجمع السيد المسيح ويوحنا المعمدان، ولكن تلك المرة يظعر المسيح غاطسًا في المياه، ويوحنا المعمدان على يساره، فيما تواجد بالجهة اليمنى الأنبا فريج، وتلك الأيقونة تم معرفة تاريخا وراسمها، حيث تمت على يد أنسطاسي الرومي القدسي عام 1868 ميلادية، الموافق عام 1584 شهداء، وتلم الأيقونة مقاس 85سم X 57 سم.
أيقونة الملاك ميخائيل
تصور تلك الأيقونة الملاك ميخائيل واقفا فوق الشيطان، وبيده اليمنى سيف واليسرى ميزان، ومرتديا ملابس الجندية، وهي أيضا من رسم أنسطاسي الرومي القدسي، وذلك بذات عام الأيقونة السابقة عام 1868 ميلادية، الموافق عام 1584 شهداء.
أيقونة القديس ما جرجس
تصور تلك الأيقونة القديس مار جرجس ممتطى جواده ومرتديا ملابس الجندية، وممسكا بحربة على شكل صليب ويطعن بها التنين – أي الشيطان- وفي نهاية الصورة يظهر ملكا وملكة ملوحين بمفاتيح، وهناك ملاك طائرا ممسكا بالأكاليل السماوية، وقد كتب على تلك الأيقونة: "وقفا مؤبدا على عزبة الست السيدة بالسريان، رسم الحقير أنسطاسي الرومي القدسي، وأيضا عام 1868 ميلادية، الموافق عام 1584 شهداء.
أيقونة القديسة الشهيدة دميانة
لم يستدل على راسم تلك الأيقونة، على الرغم من وضع ذات تواريخ الثلاث أيقونات الذي رسمهم أنسطاسي الرومي القدسي عام 1868 ميلادية، الموافق عام 1584 شهداء، وقد يكون هو بالفعل، إلا أنه عدم كتابة اسمه على تلك الأيقونة يفسح المجال ليكون أخر قد رسمها، وتظهر القديسة دميانة بتلك الأيقونة وحولها الأربعون عذراء في تكوين بديع للعين.

- قصص وكلام مكتوب.. على الرخام
من الأشياء الملفتة للنظر أيضا بالكنيسة القاطنة بـ"عطفة القسيس" بوسط القاهرة، هي اللوحات الرخامية، والتي تجدها في محيط أيقونة العجائب، أو لجوار البئر الأثري، والعامل المشترك بين تلك القطع الرخامية، هو أنها صنعت خصيصا للشكر، أو لتدوين معجزة – حسب رواية صانعها- وذلك عرفانا للسيدة العذراء التي تدخلت لحل مشكلات أصحاب تلك المشكلات عقب مجيئهم لها تشفعا بها.
ومن أبرز الجمل المدونة على تلك اللوح، كتب ح.ن بتاريخ 21 مايو –كما هو مدون- "الشكر للعدرا مريم في حل المشكلة"، فيما انتصبت قطعة أخرى لتقول "شكرا ليكي يا ست يا عدرا يا عزباوية على الماجيستير" وذلك بإمضاء س.م.س، فيما عبر أحد الشكرين عن ما قدمة شفاعة العذراء له عبر رخامة أخرى متب عليها: "مش عارفين نقولك إيه يا ستنا".
فيما قال أحد عمال الكنيسة، يأتي كثيرون هنا، ويروون قصص وأحداث كثيرة، وكل منهم يعبر عن شكره بالطريقة التي يحب، فهناك كما هو متواجد من يشكر عن طريق قطعة رخامية، حتى يدرك غيره أن شفاعة العذراء قوية، والإيمان بها يصنع المعجزات، وهناك طرق أخرى ينتهجها كل شخص حسب إيمانه وعلاقته بالله، ولكننا رأينا هنا الكثير من ذلك.