الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بوابة العرب

"جورج بومبيدو" يضغط على العدوان الإسرائيلي في الشرق الأوسط

جورج بومبيدو
جورج بومبيدو
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أثمر حزم «الجنرال ديجول» فى أعقاب الهجوم غير المبرر للجيش الإسرائيلى ضد مطار بيروت فى ديسمبر عام ١٩٦٨، عن فرض حظر شامل على الأسلحة الفرنسية ضد هذه «الدولة الصغيرة الواثقة من نفسها»، على حسب قول مؤسس الجمهورية الخامسة الفرنسية. وندد مجموعة «داسو للطيران» على هذه الضربة العسكرية لكنها تمكنت من اللحاق بنفسها بعقد بيع ١١٠ مقاتلة من طراز «ميراج» إلى ليبيا فى عام ١٩٧٠، كما باعت لليبيا ٢٠٠ دبابة قتالية، مما أثار غضب إسرائيل؛ حيث إنها لاحظت أن التكنولوجيا العسكرية الفرنسية تهرب منها لصالح عدوها اللدود. فى صباح حرب يوم الغفران، شكلت تجارة الأسلحة الفرنسية مع الدول العربية ٣٠٪ من مجموع الصادرات الفرنسية وارتفع هذا المعدل بعد ذلك خلال نفس العقد من الزمن.
«جورج بومبيدو» يمارس الضغط على الحرب العدوانية فى الشرق الأوسط
آنذاك اعتقد الرئيس «بومبيدو» أن التشاور بين الجهات الأربع كان غير واقعى بالمرة، كانت الولايات المتحدة هى الوحيدة بإمكانها، من خلال ممارسة الضغط على إسرائيل، أن تتوصل إلى اتفاق مؤقت، من خلال «خطة رودجرز»، بشرط أن يؤدى ذلك إلى تسوية نهائية؛ لكن الرئيس «بومبيدو» شعر أيضا أن الولايات المتحدة أكثر قلقا بشأن حوارها المتميز مع الاتحاد السوفيتى وبشأن سياساتها الداخلية. وكما كان يخشى من عواقب تصرفات هذا الجزء من العالم خاصة من عواقب سيادة مشتركة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى على هذه المنطقة التى ستؤدي، من ناحية، إلى «تجميد» المشكلة، ومن ناحية أخرى، إلى ترك المجال للدول العربية لشن هجوم على إسرئيل، والذى يمثل الطريقة الوحيدة بالنسبة للدول العربية لاستعادة الأراضى المحتلة منذ عام ١٩٦٧ بشكل نهائي. وفى هذا السياق، غذت صلابة إسرائيل، التى كانت تعانى الصعوبات الداخلية وتجاوزات الإرهاب الفلسطيني، تشاؤم الرئيس بومبيدو: لأنه كان يتوقع حدوث الصراع حيث كان يخبر جميع محاوريه بذلك وبدا له واضحا أنه كلما مر الوقت، كلما كان من الصعب على إسرائيل الدفاع عن مواقفها، أو حتى بسبب الاختلال الديموجرافى المتزايد بينها وبين الدول العربية.
رفع حظر الأسلحة
مع حرب أكتوبر ١٩٧٣، كانت المشكلة المزعجة هى الحظر المفروض على بيع الأسلحة للبلدن التى تسمى بـ «ساحة المعركة»، والتى تعتبر محل تناقض بسبب الصراع الجديد. وهل ستتدخل ليبيا أو السعودية، بشكل مباشر أو غير مباشر فى هذه الحرب؟ إجابة عن هذا السؤال: كشف «ميشيل جوبيرت»، وزير الخارجية الفرنسى آنذاك (١٩٧٣-١٩٧٤) عن أن قرار رفع الحظر قد اُتخذ بالفعل شهر مارس ١٩٧٣.
أراد رئيس الجمهورية أن يعلنه من غير أى ضغط خارجى أولا حتى تحت ضغط الرأى العام المتعاطف مع هذه القضية، ولكن أراد إعلانه بمناسبة الرحلة إلى الشرق الأوسط وإسرائيل التى كان من المقرر أن يقوم بها وزير الشئون الخارجية فى وقت لاحق وأدت الانتقادات ضد الحكومة الفرنسية إلى انزعاج الرئيس «بومبيدو» بشكل خاص، حيث كان رئيس الدولة الوحيد، بعد «الجنرال ديجول»، الذى وضع الشروط السياسية عند تسليم المعدات العسكرية، والتى كانت يتم توريدها إلى جميع الدول العالم، ودون استثناء، دون أن يفرض عليها مثل هذه الشروط. وكان يشعر بأن النقاش حول الموضوع فى ذلك الوقت فى غير محله، حيث كان يتم ضخ كميات فلكية من الأسلحة على المتحاربين من خلال عمليات نقل جوية غير مسبوقة منذ الحرب العالمية الأخيرة.
وبالنظر إلى صداقاتها مع الدول العربية وتأثيرها التقليدى فى هذه المنطقة، فهل فرنسا كانت قادرة، حسب رؤية الرئيس «بومبيدو»، على لعب دور معين فى الصراع الجديد؟ والجواب هو أنه لم يكن رئيس فرنسا يتوهم بتاتا بالقيام بمثل هذا الدور، نظرًا لعداء القوتين العظميين وإسرائيل لأى تدخل فرنسى فى هذا الأمر. والدليل أنه قال: «نحن مستعدون، بالطبع، للمساهمة فيما ينبغى القيام به من حيث تقديم الضمانات أو المساهمة فى مجال الأمن بشكل خاص، إذا طُلِبَ ذلك منا. وأعتقد أن التكتيكات التى تم تبنيها والتى تشكل فى نهاية المطاف، بالنسبة للقوتين العظيمتين، عملية إجبار الدول المعنية على وقف القتال قبل أى شىء، ومن ثم الدخول فى المفاوضات؛ فمثل هذه الأساليب يمكن أن تؤدى فى الوقت الحالى إلى نتيجة مرجوة.. آمل بشدة أن ينجح مؤتمر جنيف فى هذا المجال، وبالتأكيد لن نخون أى طرف من الأطراف وفى أى وقت من الأوقات ولن نعارضه.. ولا أعتقد أن يتم قبول أى مبادرة فرنسية فى الوقت الحالى ولن يتم الترحيب بها من أى جانب، ولا من الجانب الإسرائيلي، التى تتصور خطأ أن فرنسا تريد زوالها، ولا من الجانب المصرى مهما قلنا، لأنها هى الأخرى توجهت إلى مسار آخر».
أيضا لا يمكن للحكومة الفرنسية، خارج مجالس التسوية التقليدية، إلا أن تستنكر استئناف النزاع والحلول المختارة لمحاولة تقليصه وأعلن ممثل فرنسا فى الأمم المتحدة وفى المؤسسات الأخرى عن الموقف الذى تسعى فرنسا لكى تجعله غالبا على ساحة الصراع المعنى منذ عام ١٩٦٧: وهو تنفيذ القرار الأممى رقم ٢٤٢ على وجه الخصوص، وضمان استدامة اللائحة المعتمدة (فى مناطق منزوعة السلاح؛ حيث إن التمركز لقوات الجيش بما فى ذلك الدول الدائمة العضوية فى مجلس الأمن والتأكد من أن هذه التسوية تأخذ بعين الاعتبار حقوق الفلسطينيين. علاوة على ذلك، كما أعلن «ميشيل جوبيرت» فى الأمم المتحدة بتاريخ ١٠ أكتوبر، أن فرنسا على استعداد تام لتقديم اقتراحات، شريطة «أن يستعد الجميع ويعمل من أجل السلام العادل والدائم».
ومن ناحية أخرى، يمكن لفرنسا أن تكون هى المتحدثة باسم أوروبا من أجل الدفاع على مصالحها فى هذه القضية. لأنها – أى فرنسا - تقوم دائما بإدانة وشجب، منذ عام ١٩٦٧، تدخل الدول الكبرى وخطر غموض العلاقات الخاصة بين هذه الدول، كما رأينا فى ليلة ٢٤ إلى ٢٥ أكتوبر: من الممكن للمحادثات التى تجرى بين القوتين العظميين «على حد سواء أن تساعد على تهدئة الأمور أو تؤدى إلى المواجهة العسكرية». وعندما استطاع هذا الاتفاق - الذى لا حول له ولا قوة من منع نشوب النزاع الذى يزداد سخونة من خلال عمليات التسليح المكثفة - أن يفرض وقفًا لإطلاق النار بين الجانبين فى الوقت المناسب؛ فإن ذلك يعتبر تجاهلا متعمدا لمصالح أوروبا: ونحن نعرف رأى «ميشيل جوبيرت» عن هذا الأمر حيث قال: «تم التعامل مع أوروبا وكأن بلا أى شخصية»، حيث تم إذلالها ومعاملتها بطريقة غير لائقة لأنها تعتمد على غيرها فى مجال الطاقة، ومع ذلك فإن أوروبا هى أيضا موضوع المعركة الثانية فى هذه الحرب الدائرة فى الشرق الأوسط».
وضربت أزمة النفط الاقتصاديات الأوروبية بقوة بعد ما سمى بـ«سنة أوروبا» لـ«هنرى كيسنجر»، وبعد غياب التشاور بين حلفاء حلف الأطلسى أثناء النزاع، وأيضا بعد استبعاد فرنسا وبريطانيا العظمى من تنفيذ القرار ٣٤٠ ومن مؤتمر جنيف. وفى أوروبا التى تعتبر «الضحية المنسية لهذا النزاع» - حيث أظهر الرأى العام ضيقه ومرارته الشديدة من الوضع- تبنت الحكومات التسع وضعًا مشتركًا لم يكن بالإمكان تخيله من قبل، ويمثل الإعلان الأوروبى الصادر فى ٦ نوفمبر ١٩٧٣ لأول مرة وبوضوح موقف أوروبا الغربية فيما يتعلق بمشكلة الشرق الأوسط: حيث يبدد هذا الموقفُ الغموضَ الذى يكتنف القرار الأممى رقم ٢٤٢ من خلال المطالبة بانسحاب إسرائيل من جميع الأراضى المحتلة، وتعترف بأن الحقوق المشروعة للفلسطينيين يجب أن تؤخذ فى عين الاعتبار، ويؤكد دور مجلس الأمن والحاجة إلى ضمانات دولية فى تسوية السلام.
وفى نهاية عام ١٩٧٣ كان هناك بلا شك نجاح للدبلوماسية الفرنسية فيما يتعلق بالصراع العرى الإسرائيلي، وبفضل توافق الآراء فى هذه القضية بين كل من بريطانيا العظمى وإيطاليا وفرنسا، فإن الدول التسع انضمت إلى الأطروحات الفرنسية. وتجدر الإشارة إلى أنه - بناء على طلب الرئيس «بومبيدو» - لم يكن هناك أى ضغوط على شركائنا (حيث إن القرار الذى تم الاعتماد عليه فى ٦ نوفمبر كان بناء على طلب الأعضاء وبمبادرة من بريطانيا العظمى). وكان اتفاق الدول التسع بمثابة النقطة الإيجابية الوحيدة فى أزمة أثبتت أنها كارثية بالنسبة لفرنسا وأوروبا.
ومن هذا الموقف الأوروبى المشترك، استطاعت فرنسا أن تجذب شركاءها دون تردد إلى الحوار العربى - الأوروبي. وعلى الرغم من الوضع الجديد فى الشرق الأوسط الذى فرضته حرب يوم الغفران، والذى سمح للتقارب المذهل بين مصر والولايات المتحدة، كان الرئيس الفرنسى لا يزال متشائما حول آفاق السلام الحقيقي؛ لأنه كان يعتقد أنهم سوف يتوصلون فى يناير ١٩٧٤ «لنتائج ملموسة فيما يتعلق بفك الارتباط العسكري. حيث قال «إننى أعتقد أنه ليس مستبعدًا، على الرغم من أنه ليس من المؤكد أن يكون هناك شىء يذكر، حتى اتفاقية سلام بين إسرائيل ومصر، أو بينها وبين جيرانها. ولكن ما أؤمن به - وهذا ما يجعلنى متشائما - هو أن هذه الاتفاقيات لن تحظى بالاعتراف والقبول من قبل جميع شعوب البلدان المعنية، وأنه فى نهاية المطاف، قد يبدو كنوع من الهدنة المطولة أكثر من كونها اتفاقية سلام دائم ونهائي».
كان ارتفاع اسعار الطاقة الذى تعانى منه فرنسا بشكل خاص مصدر قلق للرئيس «بومبيدو»، نظرا لاعتماد فرنسا على الشرق الأوسط. وكان يفكر فى العواقب الثقيلة على اقتصادنا، والتضخم، والعمالة، وتذبذب ميزان المدفوعات فى فرنسا.
وفيما يتعلق بالبلدان العربية، لم يتردد الرئيس «بومبيدو» فى استخدام لغة حازمة، لا سيما عندما التقى بعبد السلام واليمانى الممثلَينِ للجمعية العمومية لمنظمة الدول العربية المصدرة للبترول الذَينِ زارا باريس فى ٢٦ نوفمبر؛ حيث قال لهما: «إن سياسة فرنسا فى الشرق الأوسط لا تمليها الضرورات التجارية، ولكن من الضرورى أن يتم استبدال المواجهة العسكرية بالحوار بين الطرفين».
نحو الحوار الأوروبي- العربي
أخذت فكرة الحوار العربى - الأوروبى دفعة جديدة مع «جورج بومبيدو»، الذى أكد فى إعلان باريس أنه من المهم مشاركة الدول التسع الأوروبية فى سياسة الارتباط مع دول البحر الأبيض المتوسط.
وفى العاشر من يونيو عام ١٩٧٣ تم فى اجتماع «بون» لوزراء الخارجية لدول مجلس التعاون الاقتصادى الموافقة على نص يهدف إلى توضيح توجهات التعاون العربى - الأوروبى فى مجالات عدة منها الصناعية والزراعية والنقدية والعلوم والتعليمية. ومهَّد اجتماع «بون» الطريق لمؤتمر القمة العربي-الأوروبى فى يوليو ١٩٧٤ فى مدينة باريس، والذى حضر فيه رئيس الوزراء الكويتى والأمين العام لجامعة الدول العربية ورئيس المفوضية الأوروبية؛ حيث تم إنشاء جمعية برلمانية للتعاون العربي-الأوروبى (APCEA) لتعزيز التبادلات فى المجالات المذكورة أعلاه، وتم تحديد انعقاد اجتماعين فى كل سنة.
ومنذ ذلك الحين، لم تتوقف الشراكة الأوروبية العربية عن التطور؛ حيث تم انعقاد قمة القاهرة (يونيو ١٩٧٥)، وقمة «روما» (يوليو ١٩٧٥)، وقمة أبو ظبى (نوفمبر ١٩٧٥) وقمة «لوكسمبورج» (مايو ١٩٧٦) وتم تطوير نظام مؤسسى مسمى بالحوار الأوروبي- العربى يتكون من أجهزة إدارية جديدة، وهى اللجنة العامة ولجنة التنسيق ولجنة العمل. وتم التصويت على سلسلة من القرارات بالإجماع فى ٧ و٨ يونيو ١٩٧٥ فى مدينة «ستراسبورغ» من قبل جمعية برلمانية للتعاون العربي-الأوروبي، والتى جمعت مائتى عضو فى البرلمان الأوروبي.. وهكذا، فُتحت أوروبا أمام القوى العاملة العربية، وتم تحديد التمويل الأوروبى فى العديد من المجالات المذكورة، مع عدم المساس بموارد الطاقة العربية.