السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

سلامة موسى الحائر دومًا.. والديمقراطية «5»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يتحدى سلامة موسى الجميع فيكتب كتيبا صغيرا من ثلاثين صفحة عنوانه «الاشتراكية» عام ١٩١٣ ويبتدئ الكتابة فيه قائلا: يدعونى إلى كتابة هذه الرسالة الوجيزة كثرة السخافات والغباوات التى تحكى عن الاشتراكية. 
فغرضى الأول منها تنوير الرأى العام عن ماهيتها مع بيان أغراض الاشتراكيين فى أوروبا وأمريكا وذكر مآثرهم فى التشريع وما وصلت إليه حالة العمال من الرفاهية بمساعيهم. 
ولكننا من البداية نقرر أننا إزاء كتابة فابية تنفى عن نفسها أى مسحة ثورية، فهو يبدأ كتابه قائلا «ولست طامعا أن تعد هذه الرسالة دعوة للجمهور إلى الاشتراكية» ولا أن تكون سببا فى تأليف حزب أو جمعية، ولكنى أطرحها أمام الجمهور القارئ عسى أن تكون خميرة تختمر بها الأفكار إلى حين تستعد البلاد للاشتراكية (ص٥).
ونقرأ فى فابية تأثر بها تأثرا مباشرا ومكثفا من برنارد شو، فهو يعتبر تملك الحكومة المصرية لمرفق السكك الحديدية أنه عمل اشتراكى النزعة فيقول «وعندنا الآن من الأعمال التى تعملها حكومتنا ما هو اشتراكى النزعة مثل مصلحة السكة الحديدية الأميرية، فإن هذه المصلحة تدار الآن لفائدة الأمة ويجمع الفائض من إيراداتها ويصرف على مرافق الأمة». (ص٢١) ويقول «وعندنا أيضا بلديات كثيرة توزع المياه والضوء على سكان المدن وتنشئ المتنزهات العمومية وتؤلف الجوقات الموسيقية للذة الجمهور» (ص٢٢). 
وهكذا فإنه يؤكد «أن غاية ما يطلبه الاشتراكى أن تتدرج البلدية من امتلاك المياه والضوء كما هو حاصل عندنا إلى امتلاك الترامات والمخابز والتياترات والمساكن والمكاتب العمومية ومن امتلاك السكك الحديدية إلى امتلاك الأراضى والمعامل والمناجم وتديرها».
(ص٢٢) ثم يحاول هذا الحائر دوما أن يمرر كلماته بما يشبه الاستعطاف محذرا أن يستثير غضب أحد «يطلب الاشتراكيون ذلك على سبيل التدريج الوئيد وليس الطفرة السريعة وكل خطوة نخطوها نحو الإصلاح الاشتراكى تكون مصحوبة دائما، بل ومتوافقة تماما مع درجة الاستنارة السارية فى الأمة» (ص٢٢) أما مسيرة مصر نحو الاشتراكية فيراها سلامة موسى «أن نبدأ بتربية الجمهور على الحكم النيابى الديمقراطى أولا، ثم نشر المبادئ الاشتراكية وإدخال بعضها بالتدريج فى جسم الحكومة حتى تتشرب بها الأمة وتصبح عزيزة فيها فتتوجه فكرة الإصلاح إلى وجهات اشتراكية. 
ويكون ذلك مع تقدم العلم وتنوير الأمة بالمطبوعات دائما عن مصالحها الحقيقية» ثم يقدم صورة قلمية «بمعنى أنها تكتب بسهولة دون أن يكون من الممكن تحقيقها» للقرية التى يحلم بها «فبدلا من أن يحكم القرية عمدة ليس لأهل القرية رأى فى تعيينه يحكمها مجلس منتخب ويعين هذا المجلس خفراء القرية وقاضيها ومهندسها وطبيبها، وتؤسس المدارس الزراعية العالية فلا يشتغل فى الأرض إلا الذى ينال شهادة منها فتزرع الأرض على أصول الزراعة. (الاشتراكية- ص٢٠).
ثم يبدأ سلامة موسى الفابى الانتماء الكشف عن نوع الاشتراكية الذى يريد فيقول «ومن الاعتراضات أيضا القول بأن الاشتراكيين ثوريون ينوون الاستيلاء على الحكومة عنوة ويعملون بعد ذلك على مصادرة الأملاك ومطاردة الأغنياء، فإن هذا الكلام أولى أن ينسب إلى تخبط المعتوهين منه إلى تفكير العقلاء، وجهاد الاشتراكيين فى الانتخابات البرلمانية دليل على أنهم يدخلون البيوت من أبوابها، ويريدون الوصول إلى أغراضهم بالوسائل الشرعية» (ص٢٨) لكن سلامة موسى يمتلك رغم ذلك فضل الدفاع عن اسم «الاشتراكية» ويصد عنها اتهامات المغرضين قائلا «ومن اتهاماتهم اتهام الاشتراكيين بأنهم ضد الدين وينوون إلغاءه عندما يستولون على الحكومة، وهذه فرية لا أساس لها فإن الاشتراكية تضم بين دعاتها المؤمن والمعطل. والمسيحى والمسلم واليهودى على السواء وهى قبل كل شىء نظام مالى لا دخل له فى الدين» (ص٢٨). 
ولسلامة موسى أيضا الفضل فى إدانة النظام الرأسمالى مؤكدا ضرورة تغييره. ونقرأ «سأذكر بعض نقائص النظام الحاضر متوخيا الاختصار. ويقول ١- نحن جميعا باستثناء صغير نشتغل أولا وأخيرا لجمع المال، إننا مدفوعون كلنا إلى التنافس والتحاسد والتكاثر بالمال على قلة قيمته الحقيقية، وهناك ما كان يجب أن يشغلنا ويملأ وقتنا بدلا من ذلك كتأليف كتاب أو اختراع آلة أو تصوير صورة أو اكتشاف حقيقة خافية أو التمتع بالسياحة، أوغير ذلك من الأعمال التى يكاد يكون كل الشرف الإنسانى معلقًا بها. ٢- ثم إننا انقسمنا إلى فئتين فئة غنية تكتظ معدتها بالمأكولات الدسمة، والأخرى فقيرة ويتم التطاحن بينهما. ٣- لقد أوجد نظامنا جملة وظائف غير لازمة للمجتمع مثل المحاماة والبغاء والمقامرة. ٤- إن نظامنا الحاضر أضاع من النفوس شرفها، فالتاجر يغش ويخدع حتى إنه يسمم الخبز إذا وجد فى ذلك ربحا ويبنى البيت مستهدفا الربح بغض النظر عن حالته الصحية أو الجمالية. لأن الغاية هى جمع المال. ٥– إن أكبر الجرائم الحاضرة والتى تكلفنا إنشاء سجون ومحاكم منشؤها الفقر، فالجوع كافر والعراء أكفر فيملأ الحقد نفوس الفقراء ويدفعهم إلى الإجرام. ٦- إن الحروب الحاضرة وما فيها من قتل ودمار وجرائم لا تنشب إلا للمال وليس الاستعمار إلا أحد نتائج نظامنا الحاضر. ٧- وأقذر وأحط ما يدفع إليه نظامنا الاقتصادى الحالى هو الزواج المالى فإن الشيخ الفانى يتزوج بالصبية الحسناء شاريا عرضها بالمال ولو لم تكن للمال قيمته الحاضرة لما اضطرت فتاة إلى قهر عواطفها والرضا بالعيش مع من هو فى عمر جدها».
.. وبعد هذه المرافعة الحاسمة ضد النظام الرأسمالى تكتسب اشتراكية سلامة موسى ورغم فابيتها ونفيه لثوريتها مذاقا يستحق الاهتمام ويستحق التأييد.. ونواصل.