رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ضد الزمن

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لا يهدأ الجدل حول استخدام وسائل التواصل الاجتماعى والتى يعد أهمها "فيسبوك" بما لها وما عليها والتي حملّها المصريون وجوهًا جديدة منذ 2011، سواء علىى كافة النواحي سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ودينيا وثقافيا، إلخ، ولا شك أن هذه الوسائط شأنها شأن أى تقنية حديثة فهى سلاح ذو حدين، يمكن أن يخدم المجتمع ويسهم فى الارتقاء به، أو أن يسبب أضرارا بالغة إذا ما أسيء استخدامه.
لكن بعض هذا الجدل يذهب إلى حد التطرف في الرأي واللا معقولية حين يشغل حيزا كبيرا من اهتمام مؤسسات الدولة وأحد أعمدة السلطة كالبرلمان، والذى ينتظر منه المصريون العمل بكل قوته على استصدار قوانين عدة معطلة منذ شهور، مثل قوانين الاستثمار، والإيجارات القديمة، والانتخابات المحلية والتشريعات التي تحد من غلاء الأسعار وهو الأمر الذي يهم المواطن المصري البسيط دون عدها، وذلك إذا أردنا أن نتحدث بصراحة مطلقة إضافة إلى غيرها من القوانين التى من شأنها التأثير بشكل جذري على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وتنظيم شئون الحياة فى الدولة المصرية في ظل الوضع الاستثنائي الذي تمر به بما يكون من شأنه المعاونة على استعادة الاستقرار الاقتصادى والاجتماعى سريعا، وهى كلها قوانين أهم بكثير من قانون "تصاريح فيسبوك".
لا يوجد تعليق يمكن أن يصف مشروع القانون فاقد الزمن الذى قدم بطالب فرض رسوم على مستخدمى موقع فيسبوك، والتهديد بحبس المخالفين مدة تصل إلى ستة أشهر، وناهيكم عن صعوبة تنفيذ مثل هذا المشروع تقنيا وأمنيا وقضائيا، فإن مثل هذا النوع من النقاش ينم عن جهل شديد بواقع متغيير وعالم يتحدث بلغة مختلفة، بل بجيل جديد يدرك قواعد جديدة ويغرد في عالم نحن عنه بعيدون كل البعد، كما أن هناك بعض الاتفاقيات الدولية التي تحكم مثل تلك الحقوق وكيفية استخدامها وفرض رسوم عليه حصرية للشركة المالكة.
لا شك أن مثل هذه المشروعات الفراغية لا هدف منها إلا الظهور الإعلامى والاستعراض، وتحميل الأمور أكثر مما تحتمل، فضلا عن أننا نشغل المجتمع بقضايا هلامية وتوجية سهام النقد لمؤسسات الدولة المعنية التي لا تستطيع تنفيذ مثل هذا القانون، وبدلا من أن يبحث عارض القانون عن وسيلة تشحذ همة المواطن المصرى وتبصرهم بما يدور حولهم من مستجدات تؤثر فى حياتهم بشكل يومى وتزيد من مداركهم حتى يستطيعوا أن يتعرفوا على المكائد التي تدبر لهذا الوطن، بدلا من الاستنزاف بطرح أفكار عبثية ضد المنطق، بل وضد الزمن نفسه.
إن مثل هذه النقاشات لا تقف آثارها عند حد تشتيت الرأى العام داخليا، وتعطيله عن الاهتمام بأمور أكثر أهمية وقدرة على تحسين الأوضاع، لكنها مؤذية أيضا فهى تصدّر عن الدولة المصرية صورة سلبية تؤثر بشكل مباشر على الاقتصاد المصرى، كما أنها تترك انطباعا عن انخفاض مستوى الوعى العام، وبالتالى مستوى الثقافة التكنولوجية، ومن جهة أخرى فإنها تعطي للمستثمرين والمهتمين بأوضاع الدولة المصرية أن البرلمان للأسف يتجاهل قوانين وأعراف دولية هامة، بشكل قد يضر بما حققته جمهورية مصر العربية من استقرار سياسي تمهيد للوصول للاستقرار الاقتصادي.
إن الرؤية يجب أن تكون أكثر عمقا ودراية عن المردود من تلك الفقاعات والمؤكد أن إدراك التعامل بالقواعد العالمية الجديدة والتمييز فيها هو السبيل الوحيد للمواجهة، والمنع لا يخلق جيلا مبتكرا مستنيرا يستطيع أن يتحمل المسئولية.