السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

"الثقافة" تصدر كتابًا يهاجم "الأديان السماوية"

ترجمت «أعداء الحوار.. أسباب اللا تسامح ومظاهره»

حلمي النمنم وزير
حلمي النمنم وزير الثقافة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
«لا يجب أن تنسينا أسباب التسامح الوجيهة أن اللا تسامح لديه أسبابه الوجيهة هو الآخر».. يتخذ مصطلحا التسامح واللا تسامح كغيرهما من المصطلحات المجردة مثل الديمقراطية والحرية معانى مختلفة عند أناس مختلفة، وظهر مصطلح التسامح في أوروبا لأول مرة في عصر التنوير مع نهاية الحروب الدينية في القرون الوسطى مصاحبًا معه أفكار عديدة اعتبرت ثورية آنذاك مثل حقوق الإنسان، وفى المقابل فإن «اللا تسامح» ظاهرة قديمة قدم الإنسان، اللا متسامح إنسان عاجز عن النقاش يفكر ويتكلم بمفرده دون أي حوار، يمكن أيضًا أن يستخدم ضمير الجمع فقط عندما يتوجه بحديثه إلى رفاق المعركة، حسب تعريف الكاتب الإيطالى مايكل أنجلو ياكوبوتشى. يحاول «ياكوبوتشى» في كتابه «أعداء الحوار.. أسباب اللا تسامح ومظاهره»، المنقول إلى العربية بترجمة الدكتور عبدالفتاح حسن، الصادر عن الهيئة العامة للكتاب عام 2010، الوقوف على أسباب العنف ورفض الآخر، والتي يرى أنها ترجع إلى أربعة أسباب ومظاهر رئيسية وهى: «الدين، والثقافة، والسياسة، والأيديولوجيا».

«اللا متسامحون يضغطون على الزناد بسهولة، لا يتركون أنفسهم يتأثرون بأحاديث قد تضعف من تصميمهم، بينما المتسامحون، على الرغم من كونهم ليسوا مستعدين لقبول الآخر، يفكرون مرتين قبل إطلاق النار».
يرفض أنجلو، السفير السابق لإيطاليا لدى الجزائر والبرازيل واليونان، وعضو المجلس التنفيذى لليونسكو، القول الشائع والسائد بأن مرجع اللا تسامح الأساسى هو الجهل، ويقول: «في أغلب الأحوال يرغب اللا متسامح في الجهل، فهو لا يشعر بأى احتياج لتعلم أي شيء ممن لا يفكرون على نفس شاكلته»، ويأتى الدين على رأس الأسباب التي تدفع الإنسان إلى قتل أخيه الإنسان، وذلك دفاعًا عن اليقين المطلق المستمد من الله، ويبحث مايكل أنجلو في الجزء الأول من كتابه عن إجابة سؤال «كيف يمكن أن نقتل باسم الله؟»، فيقول: «إن رحلة بين أعداء الحوار ينبغى أن تبدأ حتميًا من الدين، أحد أضخم الموضوعات التي تفرض نفسها في كل حديث عن اللا تسامح، ودائما ما تحظى منه بنصيب الأسد.. فأى يقين يمكن أن يكون غير قابل للجدال بشكل أكبر من ذلك اليقين الذي يأتى من عند الله؟».
ويرى مايكل أنه رغم الصحوة الدينية التي شهدها العالم بدءًا من عام ١٩٧٩، والتي شهدت الثورة الإيرانية الإسلامية، وفى ظل وجود المملكة العربية السعودية، ومع اندحار الشيوعية العالمية التي يرى مهاجموها أنها تروج لأفكار إلحادية، إلا أن هذه الصحوة صحبها - حسب رؤيته - مزيد من التناحر والعداء وكراهية الآخر والعنصرية والاضطهاد.
ويرى أيضًا أن الطريقة الأمثل للوقوف على أسباب اللا تسامح في الأديان التي عرفتها الإنسانية، تستوجب مراجعة تاريخ العالم وتطور الأديان غير السماوية، ويؤكد أنجلو أننا لن نستطيع أبدًا إيجاد ردود شافية على شكوكنا حول ميل هذا الدين إلى العنف أو ذاك إلى التعصب، معتمدين فقط على المظاهر الشكلية أو النصوص المقدسة، ويتساءل: «هل الديانة اليهودية وهى ديانة الوصية التي تقول (لا تقتل) أم هي ديانة (العين بالعين والسن بالسن)؟ وهل المسيحية هي ديانة (أحب عدوك) أم ديانة (محاكم التفتيش)؟ وفى المقابل فأمام كل آية في القرآن تحث على الرحمة والشفقة، يمكن أن نذكر آيات أخرى تحث على إبادة أعداء الله».
ويقول أنجلو في كتابه إن اللا تسامح يتجلى كيقين مطلق للحقيقة مع استبعاد أي بديل أو مناقشة في الأديان السماوية، فكيف يمكن أن نشك أو نتردد عندما لا يتعلق الأمر بمظهر غامض لكيان غيبى أو بأوامر أحد الآلهة الغالبة كما هو الحال في الديانات القديمة، بل تطور الأمر في الديانات السماوية بظهور الإلة الواحد الذي يتفضل بأن يظهر طبيعته الحقيقية، فلم يعد الكون بعد هذا شيئا لا يوصف ولا يمكن تعريفه ولا بداية ولا نهاية له وعبارة عن تركيب كل شيء والعدم ودوران لعودة أبدية، بل أصبح للكون بداية ونهاية ونظام.
«تناسلا، واملآ الأرض واجعلوها خاضعة لكما ولتكن لكما السيادة على اسماك البحر وعلى طيور الجو وعلى كل الأشياء الحية التي تتحرك فوق الأرض»، سفر التثنية.
ينتقد أنجلو اليهود في كتابه ويقول: «يحتل اليهود بين أعداء الحوار مستوى عاليًا من اللا تسامح، هذا الشعب المختار الذي يعتبر وجوده حتى الآن معجزة من أكبر المعجزات، شعب نجا من تدمير كامل تقريبا واستطاع أن يعيد تكوين دولة تحظى بكل الاحترام وتعتبر فاعلًا في حياة وسياسة القوة العالمية الكبرى، فيرجع أنجلو الأسباب الرئيسية للاستعلاء ورفض الآخر في اليهودية إلى مركزية الإنسان، فالإنسان في اليهودية فريد في السياق الكونى الكامل الذي يدور حوله ويتصل به، ولقد كان أقل شيء يمكن أن ننتظره من مخلوق يتلقى رسالة من الذات العليا الأولى لهذا الكون، ويطل المصدر الأكبر للخصوصية، والدافع الأكبر للانغلاق نحو الآخر يأتى من فكرة الشعب المختار المشتقة من العهد مع الرب، فزعم شعب بأكمله أنه شعب من نوع خاص، بأنه شعب لا يمكن اعتباره من البشر، يجعل من الحتمى وجود ردود أفعال من التوجس والسخط في البيئة المحيطة».
وكذلك يوجه هجومه للمسيحية ويقول: «بفضل تضحية المسيح على الصليب، انتصرت مملكة الرب للأبد».. تأتى المحطة التالية في دروب اللا تسامح عند المسيحيين، فهى لا تتبع معيارًا زمنيًا محددًا فقط، ولكن أيضًا تتبع منحنى تصاعديا في مستويات اليقينية بعد أن عملت على تنقيتها وإدارتها هيئة منظمة متسلسلة جعلت السيطرة الاستبدادية أكثر انتشارًا وهيمنة. اتضح ذلك من خلال تهم وجهتها إلى أشخاص تحت مسمى مناهضة الكنيسة في نهاية القرن الثامن عشر، أو مخاطرة تبنى أصوات تبريرية دفاعية، ويظهر في الأفق أمر يصعب تفنيده وهو أن الدين الذي يتميز عن سائر الأديان بأنه دين محبة أظهر أقصى درجات التشبث والتمسك بتأكيد مبادئه وكذلك انتصار قضيته، فعلى مدى تاريخها كله كانت المسيحية أكثر الديانات عدوانية، فقد بذلت الكثير من الجهد وأزهقت دماء كثيرين من معتنقى الديانات الأخرى ليس فقط لمحاربة الأعداء الخارجين ولكن أيضا الداخلين من خلال محاكم التفتيش، وديانة التوحيد المسيحية ترتكز كغيرها من الديانات السماوية على مسلمات غير قابلة للجدل أي حقائق تشكل مبادئ عقائدية يحظر على المرء الارتياب فيها حتى يصبح من المسيحيين الحقيقيين».
وينتقل أيضًا إلى الإسلام ويقول: «مثلها مثل أي ديانة أخرى أو أي أيديولوجية، فالعقيدة الإسلامية مسئولة عن إذكاء الاتجاهات الراديكالية والأعمال الإجرامية حتى وإن كانت بصورة غير مباشرة وعن غير قصد. بدأت دعوة محمد كما حدث مع دعوة المسيح في فترة تاريخية ملائمة لقيام ثورة دينية وتمكن محمد بعد عشر سنوات أن يتحول من رئيس لمجموعة من المتمردين إلى قائد سياسي لوسط وغرب الجزيرة العربية بل قد أرسى قواعد دين حقيقى بل قواعد حضارة ونظام حياة كامل. وإن هذا الوحى الإلهى الثالث هو خاتم سلسلة طويلة من النبوات التي ترجع إلى آدم نفسه وتستهدف توضيح «التأويلات المزيفة» للديانات السابقة، وهو أحد سبب مظاهر اللا تسامح في الإسلام، من خلال صياغة الجملة الأخيرة لأجل ذلك يعرف محمد رسول الإسلام بخاتم الأنبياء».
ويتابع «العلاقة بين الله والناس في الإسلام، لا تتخذ شكل الحوار في حالة موسى، أو التجسد في حالة المسيح، بل من خلال وحى يلقيه الملاك جبريل إلى محمد، وهى التعاليم التي شكلت القرآن، هو ليس رواية ولا يشرح شيئا إنه كتاب هداية يصنع تعاليم ومفاهيم بطريقة أحادية وسلطوية ومن اتجاه واحد. وتعاليمه مقدسة لا تقبل المناقشة فهى تتنقل من الميتافيزيقا إلى الأخلاق ومن موضوعات كونية إلى أخرى قضائية ونفسية وتمثل بالنسبة للمؤمن وجودا روحيا حيا محسوسا ونوعا من الشبكة غير المرئية تدعم وتوجه كل أوقات اليوم. ويميز أتباع محمد بين معسكرين كبيرين دار الحق، ودار الإسلام ودار الحرب، وهى دار غير المؤمنين، وإن الخطيئة الكبرى التي لا تغفر عند المسلمين هي عدم الإيمان بالله، أما بالنسبة إلى أولئك الذين لا يتمردون على الوحى الإلهى حتى إن اقترفوا الآثام فإن الكتاب الذي نقله الملك إلى النبى تحت أيديهم لهدايتهم ولتصحيح أخطائهم دون تعقيدات كبيرة ولا شروط».
ويختتم ياكوبوتشى بحثه الذي تناول تطور الأديان في الحضارات القديمة التي كانت لا تسأم وجود آلهة وأخرى إلى جانب بعضها البعض، مستشهدًا بالحضارة اليونانية القديمة، ويرى أنها أكثر تسامحًا، وانتهاء بالديانات السماوية وآخرها الإسلام وما نبع عنها من تيارات أصولية متشددة، فيقول إن أصحاب الأديان غالبا ما يعلنون عن استعدادهم للحوار، ليس لأنهم يعتبرون بحق أن «الآخر» جدير بالتقدير ولكن لأنهم يعتبرون أنفسهم على قدر كبير من الشجاعة والكرم والعدل يسمح لهم بالتعايش مع أي شخص آخر. ولكن لأنهم في الحقيقة لديهم قناعة داخلية بأن الآخر، إن عاجلًا أم آجلًا، سوف ينضم حتما إلى جانبهم بسبب قوة قضيتهم الواضحة. بكلمات أخرى، فإن تسامحهم مشروط بأن يكون الشخص المتسامَح معه مستعدًا للتكامل، أي ينضم إلى مناخ عام من القيم نكون نحن فيه المتسامحون الطرف الذي يضع الحدود.
يجيب أنجلو في الفصل الثانى عن تساؤل «كيف يمكن قتل شخص ما فقط لأنه مختلف عنا؟!» يقصد بهذا الاختلاف منظومة القيم والمعتقدات والعادات تلك التي نسميها «ثقافة»، والتي قد تعنى لنا شيئًا ما له قيمة أكثر جذبًا من الأشياء المادية ولكى نحافظ عليه فنحن مستعدون لدفع مقابل باهظ للغاية، فهى أيضا نوع من اليقين المطلق الذي لا يقاوم والذي يقف على قدم المساواة من اليقين الذي يأتى من الله.
ويؤكد أننا بوسعنا أن نحتقر الآخر أو نرفضه لأسباب لا حصر لها، فالخوف من الأجنبى هو الخوف من فقدان الهوية في المقام الأول، حيث لا يستغنى الفرد عن المجموعة التي يعتبرها دعامة لهويته، فمن ينظر للعالم نظرة مختلفة نراه عنصرًا خطرًا ومن ثم يثير الخوف، ولم يقتصر الأمر على الخارج بل من الداخل أيضا فمن لا يحترم قواعد وتقاليد المجتمع الذي ينتمى إليه يمثل عدوا لهذا المجتمع وخطرا عليه ويجب أن يتوائم مع مجتمعه أو يطرد منه.
وحسب رأى أنجلو، فنحن لا نستطيع استبعاد الآخرين تماما من العالم فإن صراع القوى يفرض الازدراء بهم وإظهار زيفهم وضآلة قدر تراثهم الثقافى، ويجب أن نعظم ونقوى يقيننا في ثقافة آبائنا هذا من جانب ومن جانب آخر لا تقوية أعدائنا الذين ينكرون ثقافتنا لأن لديهم ثقافة مختلفة، ولا يمكنا ونحن نتحدث عن اللا تسامح بأشكاله المتعددة أن ننكر السياسة، وهى السبب الثالث لمظاهر اللا تسامح ولكنها وحسب مايكل أنجلو، كانت حاضرة وموجودة طوال الوقت وتدخل بصورة طاغية على ممارسات المظاهر الأخرى للا تسامح.
بينما اللا تسامح الأيديولوجيا بالمعنى الحديث، والذي يستمد يقينه من أبعد مصدر يمكن أن نتخيله لأشكال اللا تسامح وهو الإيمان بالعقل، يبدو هذا الاحتمال الأبعد، وذلك لأن العقل لا يتماشى مع رفض الحوار فهو منذ الأزل مفهوم دائمًا ليس فقط من ناحية القدرة العقلية ولكن أيضا هو مرادف للحكمة والاعتدال والانفتاح والنزاهة ورفض الأحكام المسبقة، ولكن ظهر اللا تسامح المذهبى مع ظهور العقل الغربى الذي ظهر تحديدًا في القرن السابع عشر، مع وجود كائن بشرى مزود بوعى واستقلال جديد متطلع إلى استكشاف العالم وواثق من أحكامه ومتشكك في الأفكار المتشددة ومتمرد على السلطات وعاشق للماضى الكلاسيكى، ولكنه وفى المستقبل أعظم وفخور بإنسانيته وعلى وعى بأن الطبيعة ميزته وهو على علم تام بقدراته الفنية كمبدع فردى واثق من قدرته الذهنية على الفهم والسيطرة على الطبيعة، وفى مجمل حياته أقل اعتمادًا على إله قدير.
ويرى أمبرتو إيكو، كاتب مقدمة الكتاب في نسخته الإنجليزية، أن العنف ورفض الآخر يتطلب مواجهة حقيقية من مؤسسات دولية عدة مستخدمة وسائل إعلامية، تبدأ من تغير مفاهيم أطفالنا، تلك المفاهيم التي نحاول زرعها فيهم بأنهم مختلفون ولكن لا نقول لهم لماذا هم مختلفون، مستكملًا أن الأسباب التي قدمها ياكوبوتشى للعنف ضد الآخر تبدو على قدر كبير من الإقناع، ولكن ممارسات اللا تسامح ومظاهرها تبدو أقل خطرًا مقارنة من تسامح بلا مذهب، بلا ثقافة أو ما عرفه باللا تسامح الحيوانى.