فى كثير من الأحيان يخيل إلى أن تراجعا ذهنيا حقيقيا موجود داخل بعض المسئولين حتى يكاد المرء لا يتصورهم إلا فى إطار عروض الكوميديا، لم نعد نطمع لا فى معقولية ولا سياسة، يكفينا إما الصمت أو بعض الكياسة، وهذا أضعف الإيمان، ولو تعاملت بجدية مع ما تقرأ أو تسمع لكان الأوفق أن تشكرهم وتدعوهم أن يستريحوا فى بيوتهم، أحد الوزراء-أكرمنا الله برحيله يوما- يقول إن مصر تحقق معدل تنمية أعلى من أمريكا.. آه والله.. رئيس جامعة كبيرة كنت أعول كثيرا على جديته، قال إن عنده اختراعات فى الجامعة تتجاوز الموجود فى جامعات أمريكا.. وطبعا لا بد أن تتساءل اشمعنى أمريكا؟ المهم من الذين أشعر بالعجز إزاء ما يتفتق به ذهنهم السيد المحافظ صاحب التصريح الشهير جدا عن الرياح الشمالية التى سوف ترد أو تعيد الصواريخ إلى إسرئيل.. وربنا يعوض علينا بالذات لما نقرأ له أن الأم المصرية مثقفة.. لماذا؟ لأنها تطبخ المسقعة والبيض بالحمص، وتسألنى اشمعنى المسقعة؟ وليه مش المحشى أو الكوارع؟ ولماذا الانحياز للبيض بالحمص؟ السيد محافظ السويس.. أنا بالتأكيد فى حل من السؤال عن العلاقة التى تربط بين الثقافة والطبيخ أو بين الحمص والبيض والثقافة، لأن الأمر متجاوز لإدراكى وقدرتى على التحمل.. لم نعد نطمح إلى مسئولية سياسية، ولا إلى إدراك ومسئولية لازمين لأى قائم على الأمور، لكن مجرد حد أدنى من المعقولية.. حد مقبول من الاتزان.. التبسط فى مخاطبة الناس لا يمت بصلة إلى ما يمكن وضعه فى خانة الهذيان الذى لا يفصله شيء عن حوارت التكتيك.
اترك كلام المسقعة، تعال لتصريح السيد عبدالمنعم مطر، رئيس مصلحة الضرائب المصرية، عن إخضاع خدمات التعليم الدولية لضريبة القيمة المضافة.. الحكومة غير القادرة على مواجهة أصحاب الاحتكارات والذين استولوا على أقواتنا وأقوات ولادنا.. لم تجد غير فرض ضرائب على التعليم طبعا بحجة أنها تذهب إلى «أولاد الأغنياء» غافلة أو متغافلة عن أن المصريين من الفئات المتوسطة ينتحرون لتعويض بؤس أوضاع العملية التعليمية.. وأنهم يحاولون ضمان ليس جودة التعليم لأنهم مدركون لبعد تجارى فى الموضوع، ولكن يجتهدون لمنح أبنائهم ولو عتبة من التعليم.
العدالة فى توزيع الأعباء مداخلها تعرفها الحكومة المصممة على التباطؤ والتغافل واللف والدوران، والتظاهر بمحاولة فاشلة لفرض ضريبة على التعليم زيه زي رفع جمارك أكل الكلاب، هو أمر لا يختلف عن العلاقة بين المسقعة والثقافة.
