رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

#أنا_شاركت_في_ثورة_يناير

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كانت الأيام تمر فى مصر ببطء شديد وإحباط قاتل.. بملل يقتل كل شعور بالأمل وغد أفضل.. أذكر أننى كنت أتحدث مع أحد الأصدقاء قبل أعوام قليلة من قيام ثورة يناير عن شخص تم نفيه تقريبا خارج البلاد، بسبب غضب نظام مبارك عليه، وسألت الصديق متى يعود برأيك؟ وكان رده «عندما يرحل مبارك»، ضحكت وقلت «يعنى مش راجع»، وكنت مؤمنة بما أقول وأصدقه، وكأن مبارك شخص أبدي كتب عليه الخلود مثل «دراكولا».. وبالطبع، كان يشاركنى هذا الشعور عدد كبير من المصريين، وهو شعور ينم عن اليأس الشديد من رحيل مبارك ونظامه..
وبصدق، كنت أتعجب من إصرار الحركات السياسية وأعضائها مثل «كفاية» على نضالها المستمر ضد مبارك ونظامه.. وكنت أشعر أنهم يبذلون مجهودا على الفاضى، فلا أمل من أى تحرك ضد مبارك، فهو محصن ضد أى شىء.. لأن الخوف والرعب اللذين كانا يصيبان المصريين من بطش هذا النظام كانا أكبر من أى أمل فى الخلاص منه، وكنت أحيانا أشعر أن المعارضة أغلبها تتبع النظام، ومجرد تمثيلية حتى يشعر الناس سواء فى الداخل أو الخارج أن مصر بها حرية رأى وتعبير، وفى نفس الوقت تنفيس لغضب المصريين.. فقد كنت فاقدة للثقة فى أى شىء وكل شىء.. ولا أمل فى التغيير.. 
وعندما هرب «بن على» من تونس أصبحت فى حالة ذهول.. وفى نفس الليلة التى هرب فيها كنت أتحدث مع صديقى وأستاذى الكاتب «عبد الفتاح على» عما يحدث فى تونس.. وسألنا أنفسنا.. ترى هل يحدث فى ليلة أخرى أن يتحدث اثنان من الصحفيين فى أى مكان بالعالم ويقولا «شفت المصريين عملوا إيه»؟ وقلت له «والله ممكن.. ليه لأ؟»..
ورغم ذلك كان لدى شعور بداخلى، يقول إن مبارك ونظامه أقوى من أى شىء، ويستطيع هذا النظام إجهاض أى ثورة، لأنه يسيطر على البلد سيطرة كاملة، ويملك زمام الأمور، كما أننى لم تكن لدى ثقة أصلا أن الشعب سوف يستجيب لتحركات ونداءات المعارضين، ليس حبا فى مبارك ولكن خوفا منه، بالتالى لن ينزل الشوارع مطالبا مبارك بالرحيل، ولو كانت لديهم النية والقوة لفعلوا من قبل، ولم يتركوه ثلاثين عاما، كما أن كل أجهزة الدولة وجيشها وشرطتها فى يده وسيقفون معه ويحمونه لأن مصالحهم مع بقائه.
وجاء يوم ٢٥ يناير، وكانت دهشتى لا يعادلها شىء.. عندما رأيت جموعا كبيرة من الناس تسلك شارع «البطل أحمد عبد العزيز» فى المهندسين فى اتجاه ميدان التحرير، وقد تغلبوا على خوفهم ومزقوه إربا.. وكنت وقتها فى طريقى لعملى فى جريدة «الفجر»، كنت لا أصدق ما أرى، وحتى سائق التاكسى الذى قال وهو ينظر إليهم «هيا الحكاية بجد ولا إيه؟» وكان لسان حالى أيضا يقول نفس الشىء.. وقتها فقط آمنت بأن الثورة ممكنة ورحيل مبارك غير مستحيل.. وقتها فقط اتكسفت من نفسى وشعرت بالنقص وبأنى فعلا قصيرة النظر، ولا أملك الصبر، وليست لدى قوة إرادة.. شعرت أننى كنت أنانية لا أرى أحدا غير نفسى، وبالتالى لم أكن شيئا من قبل.. عرفت أن أعضاء الحركات السياسية ومنها كفاية كان عندها حق.. كانت تعلم أن لكل مجتهد نصيبا، وأنها صاحبة حق، ولها كل الحق، وبالتالى سينتصر الحق ولو بعد حين.. كان أعضاؤها مؤمنين بما يفعلون، ولم يحبطوا أو يصيبهم ما أصاب غيرهم من يأس، رغم ما تعرضوا له من بطش وظلم وقهر على يد أمن دولة مبارك.. كان لديهم إصرار وشجاعة وقوة تنبع من إيمانهم بفكرة العدالة والحرية والكرامة الإنسانية.. من فكرة أن هذا الشعب يستحق الحياة فى وطن حر.. وقامت الثورة العظيمة التى شارك فيها الشعب المصرى، وهو يحلم بغد أفضل، فاجأنا الشعب بثورته وإصراره، وخرج الشباب وهم يحملون أرواحهم على أكتافهم، وعلى استعداد تام للشهادة والتضحية، وكانوا «الورد اللى فتح فى جناين مصر».. ومر ١٨ يوما هى الأجمل والأرقى والأعظم فى حياة كل من شارك وبارك وآمن بهذه الثورة.. وميدان التحرير أصبح المدينة الفاضلة، هكذا شاهدته بعينى وروحى.. وكانت الثورة نقطة تحول فى حياتى أنا شخصيا، وغيرت كثيرا من أفكارى وشخصيتى، ويكفى أنها جعلتنى لا أعرف اليأس أو الإحباط.. وأنه لا يوجد مستحيل على هذه الأرض طالما صدقت النوايا وتوفر الإيمان بالأفكار والمبادئ.. وأن الشعوب بالفعل عندما تريد الحياة والحرية لا بد أن يستجيب القدر.. كما أنها أعادت ثقتى فى الشعب المصرى الذى من الممكن أن يصبر على البلاء كثيرا، ولكنه لا يستسلم له، بل إنه يثور وينتفض ويفرض إرادته على الجميع، وتكون له الكلمة العليا.. ٢٥ يناير ثورة بكل ما تحمله الكلمة من معنى.. ثورة عظيمة رغم أنف الجميع.. هى من تعرضت للمؤامرة من الخائنين والمنتفعين والجهلة.. ولكنها رغم كل ذلك صامدة وعنيدة وحقيقية.. وستظل كذلك وسينصفها التاريخ، وسوف يتحدث عنها أبناؤنا وأحفادنا بفخر.. ولى أنا كل الفخر أننى شاركت فيها وانحزت لها منذ انطلاق شرارتها الأولى يوم الثلاثاء ٢٥ يناير ٢٠١١.. وحتى آخر لحظة فى عمرى، أنا فخورة بثورة يناير.