الأحد 16 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

عبدالناصر ليس نبيَّنا

مصطفى عبيد
مصطفى عبيد
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
حمدت الله كثيرا أن السيد الرئيس كان خارج البلاد عندما حلت ذكرى رحيل عبدالناصر الخامسة والأربعون، فلم يذهب إلى ضريحه ويضطر اضطرارا إلى الترحم على أيامه، وتأكيد أن الدولة المصرية ستستمر على نهج الزعيم الراحل.
حمدت الله، لأننى لا أحب تلك المقولات المُكررة والانسياق الدائم لكافة قيادات الوطن لفكرة بداية التاريخ الحديث فى ٢٣ يوليو سنة ١٩٥٢، وكأن ما قبل ذلك كان تاريخا من الرجعية والتخلف. أستكثر تزعيم عبدالناصر وتصويره كبطل عظيم صنع مجدا وترك مبادئ عظيمة، وأرى أن الأمر لم يتجاوز الشعارات الجوفاء التى لا تُسمن ولا تُغنى من جوع.
أنا يا سادتى، واسمحوا لى جنوحى وتطرفى، واحد من الذين يرون عبدالناصر سببا رئيسيا فى كثير من مشكلاتنا الآنية، سواء فى السياسة أو فى الاقتصاد، خصوصا أنه زرع فى الناس سمات الاتكالية والتكاسل والمساواة بين مَن يعمل ومَن لا يعمل. عبدالناصر وثورته حولّت الشخصية المصرية من شخصية مُستقلة مُتفردة لها تصوراتها واجتهاداتها إلى شخصية خاضعة خانعة تذوب أمام سلطة القيادة التى ابتكرت شعار «الكُل فى واحد» دون نظر إلى صواب أو خطأ ذلك الواحد.
كان من المنطقى أن يحتفل نظام السادات ولو كذبا بعبد الناصر وأفعاله باعتباره رفيقا وزميلا فى العمل السرى والإرهاب السياسى والاستبداد، وربُما كان منطقيا أن يرث نظام مُبارك تلك الاحتفالات، مُؤكدا أنه يستمد شرعيته من تحرك الدبابات الخاصة بتنظيم الضباط الأحرار ليلة ٢٣ يوليو، لأنه لولا ذلك التحرك ما كان لمبارك أن يصل إلى الحكم، لكن ما هو ليس منطقيا أن يعيد نظام السيسى الاحتفال بثورة يوليو أو بناصر. أولا لانقطاع الصلة المباشرة، وثانيا لوجود رغبة جامحة لدى الأجيال الجديدة بتجاوز فكرة القومية العربية والزعيم البطل والقائد الوحدوى. وثالثا وهذا هو الأهم، لأن توجه الدولة المصرية ذاته تغير فصار يجنح إلى التحرر والفكر الليبرالى والسماح للقطاع الخاص بالتوسع والتمدد وقيادة التنمية، وهو ما يستلزم طى صفحة يوليو وعبدالناصر، والنظر إليها باعتبارها مرحلة تاريخية لا نموذجا.
إن البعض قد يرى احتفاء الدولة المصرية بعبدالناصر احتفاء برجل وطنى قدم إلى مصر حياته بغض النظر عن إيجابيات وسلبيات عهده، وهذا يدفعنا إلى السؤال عن سبب إغفال الدولة المصرية الاحتفال بثورة ١٩١٩، والاهتمام بذكرى وفاة سعد زغلول أو مصطفى النحاس أو حتى محمد فريد ومصطفى كامل. هل بدأ التاريخ المصرى سنة ١٩٥٢ فقط؟ وهل جهاد وكفاح الساسة والقادة قبل ذلك التاريخ كان عبثا؟ ولمَ لا يرى قادة الدولة وطنيين سوى جمال عبدالناصر والسادات؟ وأين ذهب نضال مَن سبقوهما؟
ثُم تعالوا نُفكر بشكل معكوس لنتساءل عن مصير قادة الضباط الأحرار لو تم القبض عليهم قبل قيام حركتهم، وعما كان يمكن أن يوصفوا به إلى الآن لو كان مصيرهم الفشل! لا أظن أن أحدا سيحتفل بهم، ولا أتصور أن لفظ «الخيانة» كان سيفارق ذكراهم.
أتذكر كلمات نزار قبانى التى يقول فيها «الأنبياء الكاذبون/ يقرفصون/ ويركبون على الشعوب ولا رسالة/ لو أنهم حملوا إلينا من فلسطين الحبيبة وردة أو برتقالة/ لو أنهم من ربع قرنِ حرروا زيتونة/ أو أرجعوا ليمونةٍ/ ومحوا عن التاريخ عاره»، وأكتب للرئيس، للقيادة، للناس، للذين يقرأون بأن مصر ليست الجمهورية العربية المتحدة، وقدوتها لا يمكن أن تقتصر على جمال عبدالناصر، وتاريخها يسبق الستينيات.. والله أعلم.