رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

حركة تمرد والأحزاب السياسية في مصر

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

شرفت منذ بضعة أيام بحضور المؤتمر الصحفي الذي دعت إليه حملة “,”تمرد“,” لإعلان عدد التوقيعات التي حصلت عليها الحملة حتى الآن، وقبل ذلك ببضعة أسابيع، ومع الأيام الأولى لانطلاق الحملة، كان الحزب الذى أشرف بالانضمام إليه، الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، قد أعلن دعمه ومساندته للحملة، ومن جانبي كنت قد أعلنت مرارًا وتكرارًا، وأكدت ذلك، مع الفضائيات التي سجلت معي يوم انعقاد المؤتمر الصحفي، أنني مبهور بحملة “,”تمرد“,” وما تعكسه من دلالات، لعل أهمها أن الشباب لم يفقدوا بعد القدرة على إطلاق المبادرات، وأنهم على اختلاف انتماءتهم وميولهم السياسية ينتمون بصفة عامة إلى التيار الديمقراطي، ومن ثم فهم حريصون على مدنية الدولة وعلى استكمال مطالب الثورة، والدلالة الأخرى التي كشفتها حملة “,”تمرد“,” أن الأحزاب فى مجملها رغم كل الجهد الذي تبذله لم تصبح بعد جذابة بما يكفي لأعداد كبيرة من الشباب، وهو الأمر الذى يُفسر كيف تأتي المبادرات حتى الآن من خارج الأحزاب، بل ومن خارج أى أُطر مُنظمة.
اللافت بحق فى المؤتمر الذى حضرته، وهو ما أعتبره تطور مُهم يعكس مدى نضج مبادرات الشباب، هو هذا الانفتاح الواضح من الشباب على القوى والأحزاب السياسية، حتى أن المنصة الشبابية شكرت مرارًا وتكرارًا الأحزاب والقوى السياسية على حسن تعاونها مع المبادرة، بل ووجهوا التحية إلى بعض الحضور من الشخصيات العامة، وهذا السلوك من قبل القيادات الشبابية لمبادرة “,”تمرد“,” يكاد يُجهز وإلى الأبد على كل المحاولات التي قد تكون في معظمها مشبوهة، والتي حاولت منذ اندلاع الثورة وحتى الآن أن تُقيم سدًا وهميًا بين الشباب وحركتهم من جهة، وبين الأحزاب والقوى السياسية من جهة أخرى، بل وحاول البعض أن يتمادى أكثر من ذلك ويُقيم تعارض بين الشباب وبين السياسة بعبارات من نوع: “,”أن الشباب رائع وطاهر وكويس، ولا علاقة له بالسياسة“,”!، وبمثل هذه العبارات حاولوا أن يباعدوا بين الشباب وبين السياسة والسياسيين، وفي المقابل حاولنا نحن أن ندفع الشباب دفعًا إلى العمل السياسي، وأكدنا مرارًا وتكرارًا أن الطريق الوحيد الذي يمكن أن يُفضي إلى ما نصبو إليه ونحلم به هو العمل السياسي الجماعي المُنظم، وأداة هذا العمل السياسي الجماعي المُنظم هي الحزب السياسي، وأكدنا على الشباب مرارًا وتكرارًا أنه ليس من المُهم أن تنضموا إلى حزب مُعين، ولكن من المهم أن تنضموا إلى أحد الأحزاب الموجودة، أو تقوموا ببناء حزب أو أحزاب جديدة إذا لم تكن الأحزاب القائمة تلبي أمانيكم وآمالكم وتطلعاتكم، ونحن نرى بكل وضوح أن أحد المعايير الأساسية لتقييم نجاح ثورة يناير هي قدرة الأفراد الذين شاركوا في هذه الثورة على أن يستمروا فى ساحة العمل السياسي من خلال أحزاب سياسية، وبتعبيرات أخرى أن أحد أهم معايير نجاح الثورة هو قدرتها على مأسسة قواها، واللافت أن الكثير من الحناجر والأبواق التي تشن يشنون الحملات ضد الأحزاب وضد السياسيين نراهم يتحدثون طوال الوقت عن الإخوان وغيرهم باعتبارهم قوة ليست كبيرة، لكنها مُنظمة، ومن ثم فهي تبدو أكبر بكثير مما هي عليه في الواقع، بينما القوى الديمقراطية والكلام لا يزال لهذه الحناجر والأبواق، ورغم شعبيتها المتنامية، فإن افتقادها للتنظيم لا يجعل منها قوى مؤثرة، وأنت لا تملك سوى أن تندهش من أن يردد مثل هذا الكلام أشخاص لا يدخرون وسعًا فى تحطيم أي قوى ديمقراطية سياسية مُنظمة في مصر، وإذا لاح من أي حزب ما تراه مثل هذه الحناجر أو الأبواق خروجًا عما تراه هي جادة الصواب، تراهم يندفعون بالفئوس والمعاول لهدم هذا الحزب أو ذاك، ثم يصرخون بكل أسى محتفظين بحالتهم الفردية المستقلة طبعاً متسائلين: أين القوى السياسية المنظمة التي تستطيع مواجهة الإخوان؟
قدرة التيار الديمقراطي على الانتقال من الفردية والعمل الفردي إلى الجماعية والعمل الجماعي، هو التحدي الرئيسي المطروح علينا في المرحلة المقبلة، والعمل الجماعي الحزبى السياسي هو عمل طوعي، وبالتالي يحتاج إلى أشخاص يضحون بالوقت والجهد، ويتنازلون عن جزء من إرادتهم واختياراتهم جراء التزامهم بالجماعة، وهذه كلها أمور صعبة وتحتاج إلى تدريب ووقت بالذات وأن السنوات، أو بالأحرى العقود الطويلة، التي غابت فيها السياسة عن الشارع المصري بالتحريم والتجريم، رسخت عند الناس قيم وأخلاقيات العمل الفردي، وقد أدى لجوء الناس إلى الحل الفردي لحل مشاكلهم الاجتماعية إلى تقوية هذا الاتجاه، فبدلا من العمل الجماعي المنظم من خلال الحزب أو النقابة لتحسين الأحوال المعيشية لأن ذلك كان مُحرمًا ومُجرمًا، لجأ الناس إلى السفر للخارج أو تقاضي إكرامية أو ما شابه من حلول فردية، ومن ثم تكرست الفردية وباتت هي طوق النجاة، وأصبح من الصعوبة بمكان دفع الناس مجددًا للعمل الجماعي، والأمر المُحزن أن بعض الأحزاب تحاول حل هذه المشاكل من خلال توظيف عناصر سياسية شابة تتقاضى رواتب! تحت عنوان أن هذا هو الحل الوحيد الممكن لتوفير عناصر ملتزمة قادرة على العمل فى الشارع! وهو أمر في منتهى الخطورة ويفتح أبواب الفساد داخل الحياة السياسية، ونحن نناشد الشباب ألا يقبل مثل هذا الإفساد ونؤكد أن المال والمصالح المالية لم ينجحا على الإطلاق في بناء أي حركة سياسية أو حزب سياسي متماسك، ولعلنا جميعًا نذكر كيف كان الحزب الوطني شبكة مصالح ضخمة، ورغم ذلك انهار فى لحظات.
لا أود أن أنهي هذا المقال إلا وأن أعرب عن كامل تقديري لحركة “,”تمرد“,” التي نجحت في تحريك المياه الراكدة وأعطت لزخم الثورة الذي كاد يزوي عُمرًا جديدًا نتمنى جميعًا أن يطول بنا حتى نشهد تحقيق كل أهداف الثورة، ولعل ذلك يدفعني دفعًا للتساؤل: هل ستكون جولة 30/6، كما نتمنى جميعًا، هي الجولة النهائية الفاصلة فى معركة إسقاط مرسي وأهله وعشيرته؟ وإذا لم تكن، لا قدر الله، جولة 30/6 هي الجولة النهائية والفاصلة فماذا بعد 30/6؟ هل ستفضي إلى مزيد من الجولات المهمة والقادرة على إزاحة الطغمة الحاكمة، أم أن الأمر قد ينتهي، لا قدر الله، إلى إحباط ويأس؟ وكيف نوفر الضمانات القادرة على تجنب ذلك؟ سنحاول الإجابة عن هذه التساؤلات وغيرها في مقالنا المقبل، بالذات وأنني استمتعت بالحوار حول هذا الأمر من خلال مشاركتي مع عدد من قيادات الحزب ووفد شبابي من التكتل الثوري.