الأحد 16 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ماذا نعني بالتسامح؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

[email protected]
أصبحت الدعوة للتسامح وقبول الآخر كما لو كانت دعوة لنكوص المرء عن عقيدته الدينية، أو على الأقل إدخال تعديلات على جوهر تلك العقيدة.
وغني عن البيان أن أحدًا لا ينبغي أن تغيب عنه تلك التفرقة الضرورية الواجبة بين ثبات العقيدة الدينية، أو التوجه السياسي، وتغير الخطاب المعبر عن تلك العقيدة، وذلك التوجه، وفقًا لمتغيرات العصر.
وتصبح تلك المقدمة ضرورية في ضوء ما نشهده من طرح مشوه للدعوة لحوار مع الآخر؛ إذ يضمر الكثير منا، حين يبدي ترحيبه بالحوار مع “,”الآخر“,”، أن يسعى من خلال ذلك الحوار إلى إقناع ذلك “,”الآخر“,” بفساد أفكاره السياسية أو الدينية؛ ومن ثم محاولة كسبه إلى ما يراه هو صحيحًا. أي أن الحوار يصبح في هذه الحالة نوعًا من مقارعة الحجة بالحجة؛ بهدف تسييد خطاب واحد.
وقد أثبتت الخبرة البشرية التاريخية أن انتشار، أو انكماش، أعداد معتنقي الأفكار السياسية أو العقائد الدينية لا يتأثر بالحجج والأسانيد العقلية المجردة، بل ولا حتى بممارسة القهر؛ بقدر ما يتأثر بعوامل أخرى، على رأسها طبيعة توازن القوى على الأرض، إلى جانب النموذج الأخلاقي الذي يجسده صاحب الفكرة وتعبر عنه فكرته.
وقد يبدو للبعض أن المقصود بالخطاب المتسامح هو أن نتسامح مع “,”الآخرين“,”؛ باعتبارهم قد اعتنقوا العقيدة أو الفكرة “,”الخطأ“,”، وليس ذلك بحال المقصود بالتسامح؛ بل المقصود بالتسامح هو أن يلتزم الجميع السماح لبعضهم البعض بممارسة التعبير عن أفكارهم وعقائدهم؛ باعتبارها حقًّا خالصًا لهم، وليس تفضلاً عليهم من أحد، أما خارج هذا الإطار، فينبغي أن يسود بين الجميع العدل ومجموعة القيم اللصيقة به؛ مثل الاحترام، والصدق، والسلام، والتعاون، والأمانة.
وتصبح الحاجة للعدل أكثر ضرورة فيما يتعلق بالعلاقة بين أتباع الأديان المختلفة؛ فرغم أن الأديان جميعًا تدعو للعدل والسلام، وأنه لا يوجد دين سماوي يدعو أتباعه إلى العنف والظلم وغيرها من الرذائل؛ إلا أن ثمة تأويلات متباينة للعقيدة الدينية الواحدة، وأن تلك التأويلات تختلف من حيث رؤيتها للأسلوب الأفضل للتعامل مع الآخر المختلف عقائديًّا، وأن كل تأويل من تلك التأويلات المتباينة يلتمس لنفسه العديد من الأسانيد الفقهية الدينية “,”الصحيحة“,” التي تبرر موقفه، والتي يصعب على غير المتخصصين، وحتى لو قاموا بذلك فسوف يظل الأمر متوقفًا في النهاية على مصداقية ذلك التفنيد لدى الجمهور، وهي قضية أخرى تحتاج إلى معالجة مستقلة مستفيضة.
إن التأويل الديني، الذي يتفق مع هذه الدعوة للتسامح والقبول بالآخر، هو ذلك التأويل الذي يسلم بأن تعدد الأديان يعبر عن إرادة الله عز وجل؛ وأنه لا مناص من القبول بتلك الحقيقة، وأن أحكام القانون ينبغي أن تسري على الجميع دون تمييز؛ فلا مجال لمراعاة خاطر المواطنين المسيحيين إذا ما أقدم مسيحي على جريمة، ولا مبرر لمراعاة مشاعر المسلمين إذا ما تجاوز مسلم القانون،
ولا بد من نشر الوعي بتلك القاعدة القانونية التي تؤكد أن العقوبة شخصية، وأنه لا مجال -في شريعة دينية أو قانون مدني- لتبرير العقوبة الجماعية، فالمجرم يتحمل وحده وزر جريمته، بصرف النظر عن ديانته، دون أن تشمل تلك العقوبة جموع المسلمين أو المسيحيين.
إن القيادات الدينية المسيحية والإسلامية، على حد سواء، على تعدد منابرها، تعد بمثابة المرجعيات التي يلجأ إليها المواطنون لالتماس الفتوى في شئون دينهم، كذلك فإن الدولة المصرية تلجأ إلى الكنيسة وإلى الأزهر؛ لاستطلاع الرأي في الشأن الديني للمواطنين المصريين، المسلمين والمسيحيين، وفيما عدا ذلك فلا ينبغي لتلك القيادات أن تتحول إلى قيادات سياسية لجماهير المسلمين أو المسيحيين المصريين.