الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

في ذكرى ميلاده.. إبراهيم أصلان يصف لقائه الوحيد بالعقاد في "خلوة الغلبان"

الكاتب ابراهيم اصلان
الكاتب ابراهيم اصلان
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تحل اليوم الأحد ذكرى ميلاد الكاتب والروائي الراحل إبراهيم أصلان، الذي يعد واحدا من الكُتاب البارزين من جيل الستينات الذي كتب عددا من الروايات لا تزال عالقة في أذهان القراء حتى الآن ، ومنها ما تحول إلى أفلام سينمائية وأشهرها "مالك الحزين" التي تحولت إلى الفيلم السينمائي الشهير "الكت الكات" لمحمود عبدالعزيز.

وكان من ضمن كتب إبراهيم أصلان كتابه  "خلوة الغلبان" الذي يتضمن عددا من المقالات له حكي فيه عن لقائه الوحيد الذي جمعه بالأديب عباس محمود العقاد في قال له تحت عنوان" لقاء وحيد مع العقاد" فقال أن العقاد يمثل بالنسبة له حالة من حالات الرعب الذي لا ينتهى ، حتى بعد أن قرأ له بعضا من أعماله دون أن يتحول إلى واحد منقرائه المولعين، ولا الكارهين .
فلقد حدث أننى الآخر لم أحصل إلا على الابتدائية القديمة، ثم كنت أروح وأرجع أمام الأهل والأصدقاء محملا بمزيد من الكتب مما جعلنيمعرضاً بين حين وآخر إلى سماع هذه العبارة المؤذية :حضرته فاكر نفسه العقاد، وهكذا تحول الرجل الذي مثل مع طه حسين جناحي الأسطورة التي هیمنت على حياتنا الفكرية والروحية إلى هولة رهيبة لا فضيلة لها إلا الزراية بي. وكان أبي عندما تأتى سيرة العقاد، يقول وهو قاعد على الكنبة
يعبث بمسبحته :"یا بای. ده جبار" مع أنه - رحمه الله - لم يكن قد قرأ له حرفًا واحداً ، ولكن ذلك زمن كان الكتاب يتحولون فيه إلى جمل من المعاني الكبيرة التي تكتسب حياتها المستقلة عن حياة أصحابها والتي تشيع بين الناس وتؤثر فيهم أكثر مما تؤثر كتاباتهم ذاتها . 

ذكر أصلان أنه لم يكن قد رأى العقاد حتى كان يوم من أيام ١٩٦٣، فكنت في زيارة الصديق والكاتب الراحل ضياء الشرقاوى بشركة الأسمدة التي كان يعمل بها في عمارة الإيموبيليا)، وما أن غادرته وتقدمت في شارع شريف ، حتى فوجئت بالعقاد يأتي على الرصيف عينه، وأمامي تسمرت في مكاني استوعبته كله دفعة واحدة : القامة المديدة، والبدلة الفاتحة المقلمة ، والنظارة، والكوفية الرفيعة الطويلة والطربوش القصير المائل هل كان يرتدى الطربوش حقا أم أن خيالي هو الذي يضيف الآن؟، ومثل كل أسطورة جليلة يمكن لها أن تدب على قدمين، احتل هو الإطار المهيأ له في روحي احتلالا كاملا، دون زيادة ولا نقصان. وعندما اقترب وواجهنی، رفعت وجهي ورأيت العينين الصافيتين، ولما عبرني استدرت ومشيت وراءهن تملكني الإحساس، وأنا أتبعه، أن العقاد لو كان أطول من ذلك، أو أقصر، بإصبع واحدة، لما أمكن له أن يكون العقاد أبدا .

وتابع أصلان قائلا: لم يمر وقت حتى توقف أمام واحدة من المكتبات الصغيرة التي تباعدت مداخلها على رصيف نفس الشارع . 

ولم تكن هناك كتب معروضة، بل أدوات كتابية على أرفف من الزجاج النظيف المعلق، رأيته ينحنى وهو على مبعدة من عتبة المكتبة، بسبب طوله ، ويتأمل قلما في علبة مفتوحة على واحد من هذه الأرفف، فعل ذلك لفترة ثم مد يده إلى جيب سترته الداخلي وأخرج قلمه، وانحنى أكثر وهو يمسكه بين يديه ، تأمله هو الآخر، وعاد يتأمل القلم المعروض، واستغرق طويلا في المقارنة بين القلمين.

يقول أصلان : اقتربت وجلاً وقد ظننته وجد قرينا لقلمه، ووقفت على بعد خطوتين عن يمينه، ورأيت القلم المعروض، ورأيت القلم الذي بين أصابعه، واستغربت لم يكن هناك وجه للشبه أو المقارنة ،لا في الحجم، ولا في اللون.
هكذا وقفت ساكنا أحدق في الأدوات المعروضة شأن أي زبون آخر وشعرت أنه أحس بي دون أن يلتفت حينئذ ألقى نظرة أخيرة بين القلمين، وأعاد قلمه إلى جيبه وهو يعتدل، ويبتعد أمامي متمهلا على
الرصيف العريض، ويستدير هناك مع ناصية المبنى الكبير، ويختفى مضت شهور قليلة، ومات .