الثلاثاء 14 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

كلمة بطريرك الموارنة في تكريس مذبح كنيسة أم المراحم

ارشيف
ارشيف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

قال البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الرَّاعي في تكريس مذبحي كنيسة أمّ المراحم وكابيلا القدّيس شربل:
"عظّمت مريم العذراء الله القدير، لأنّه صنع لها العظائم، ولهذا السبب قالت: "تعظّم نفسي الربّ، وتطوّبني جميع الأجيال" (لو 1: 46-47). فيسعدنا اليوم، في بلدة القعقور العزيزة ومع أهاليها، أن نعظّم الله معها، وأن نعطيها الطوبى، لما صنع الله لها من عظائم.
إنّ المناسبة السعيدة مزدوجة: الأولى، تكريس مذبحي كنيسة أمّ المراحم الرعائيّة الجديدة هذه، وكابيلا القدّيس شربل؛ والثانية الإحتفال بعيد إنتقال أمّنا مريم العذراء بنفسها وجسدها إلى السماء.

 فيطيب لي مع سيادة أخينا المطران أنطوان بو نجم، راعي الأبرشيّة الغيور، ومع سيادة المطران سمير مظلوم إبن البلدة المحبّ، ومع السفير البابوي والسادة المطارنة، أن نحتفل مع كاهن الرعيّة ومعكم بهذا التكريس، وأن نقدّم هذه الذبيحة الإلهيّة على نيّتكم جميعًا، ولا سيما الذين لهم تضحيات من أي نوع في إنجاز هذا المجمّع الراعويّ الكبير والجميل. عنيت بهم عزيزنا المهندس رمزي سليم مظلوم صاحب شركة RAMACO وشقيقيه وشقيقته شركاءه، مع الشكر والتقدير على هبة العقار وجميع أعمال البناء. وأوجّه تحيّة شكر إلى لجنة بناء الكنيسة ومجمّعها، برئاسة سيادة أخينا المطران سمير مظلوم، وعضويّة أربعة من خيرة أبناء البلدة. كافأ الله الجميع بفيض من نعمه وبركاته.

 يليق من هذه الكنيسة الجميلة وهي قيد الانجازأن نعظّم الله مع مريم على ما صنع لها من عظائم. لم تكن مريم تعني فقط ما بشّرها به الملاك جبرائيل "بأنّها تحبل وهي عذراء بيسوع إبن العليّ، بقوّة الروح القدس" (راجع 1: 31، 32، 35)، بل كان نشيدها نبويًّا. فالعظائم ظهرت تباعًا في حياتها وموتها، وأعلنتها الكنيسة حقائق إيمانيّة على التوالي.
 

 فمنذ اللحظة الأولى من تكوين مريم في حشى أمّها القدّيسة حنّة زوجة القدّيس يواكيم، عصمها الله من دنس الخطيئة الأصليّة الموروثة من أبوينا الأوّلين، والتي يولد فيها كل انسان ؟ آدم وحوّاء، والتي يولد فيها كلّ إنسان، وشاء المسيح الربّ أن يزيلها بماء المعموديّة والميرون، ويعيد للإنسان بهاء صورة الله فيه. وشاء الله أن لا تخضع مريم، ولو للحظة، لدنس الخطيئة. ذلك أنّ الله، في سرّ تدبيره الإلهيّ، هيّأ أقدس أمّ لتكون أمّ القدّوس بالجسد البشريّ. إنّ عقيدة الحبل بلا دنس الإيمانيّة أعلنها الطوباويّ البابا بيوس التاسع في 8 كانون الأوّل 1854. وعلّمت الكنيسة أنّ مريم العذراء مكثت بتولًا قبل الميلاد وفيه وبعده؛ وأنّها لم تعرف أيّ خطيئة شخصيّة.

وأضاف الراعي وتعلّم الكنيسة على لسان آباء المجمع المسكونيّ الفاتيكانيّ الثاني أنّ مريم شاركت في آلام ابنها يسوع لفداء العالم. فبإيمانها الصامد وصلت مع إبنها الفادي الإلهيّ حتى الصليب، متألّمة معه بصبر وصمت لكي يتحقّق كلّ تدبير الله الخلاصيّ. فكانت أمة الربّ في بشارة الملاك وفي موت إبنها على الصليب. في البشارة أصبحت أمّ يسوع التاريخيّ، وفي وقوفها عند أقدام الصليب أصبحت أمّ المسيح السرّي أي الكنيسة، وأضحت أمّنا بالتعمة (راجع الدستور العقائدي في الكنيسة، 61).
 

واستطرد وكلّل الله هذه العظائم بانتقالها بالنفس والجسد إلى مجد السماء، وتكليلها ملكة السماوات والأرض. وهي عقيدة أعلنها المكرّم البابا بيوس الثاني عشر في أوّل تشرين الثاني 1950. لقد حفظها الله من فساد القبر، على مثال ابنها المنتصر على الموت. وأشركها بسرّ قيامته. إنّها من سمائها بمحبّة الأمّ تعنى بنا نحن إخوة وأخوات ابنها المسافرين في هذا العالم حتى نبلغ الوطن السماويّ السعيد. (المرجع نفسه 62).

واستكمل  في هذا اليوم المفرح الذي نعيشه معكم، يا أهالي القعقور الأحبّاء، ونسعد بتكريس مذبحي كنيسة أمّ المراحم وكابيلا القدّيس شربل، وتدشين هذا المجمّع الرعويّ، لا نستطيع إخفاء غصّة القلب بالألم الكبير الذّي يعمّ لبنان. نتألّم ونحزن مع أهالي عين إبل الأعزّاء لخطف وتعذيب وقتل عزيز على قلوبهم ناضل معهم في سنوات الصمود والنضال هو المرحوم الياس الحصروني الذي كانت مأساته في 2 آب وظهرت حقيقتها فيما بعد. ونحزن ونتألم مع أهالي الكحالة الأحبّاء لمقتل عزيزهم المناضل الآخر في صمودها طيلة الحرب اللبنانيّة المرحوم فادي بجّاني، الذي سقط ضحيّة شاحنة الأسلحة التي إنقلبت على كوع البلدة التابعة "لحزب الله". ويؤلمنا ايضًا سقوط ضحيّة من صفوفه. فالحياة هي من الله وعطيّة ثمينة للبشر.

وأضاف إنّنا نعرب عن مشاركتنا في ألم عائلات الضحايا، ونؤكّد لأبناء عين إبل والكحّالة الأعزّاء قربنا منهم والصلاة، سائلين الله أن يعزّي قلوبهم بنعمة الصبر والاتكال على عنايته. 

ونسلّم أمر التحقيق لمؤسّسة الجيش والأجهزة الأمنيّة والقضاء، لإيماننا الدائم بالدولة ومؤسّساتها. فإنّنا لن نخرج عن منطق الدولة، ولن ننزلق إلى العيش بدونها، وإلى الإحتكام لغيرها. وفي الوقت عينه نطالب جميع مكوّنات البلاد والأحزاب أن ينتظموا تحت لواء الدولة وعلى الأخصّ بشأن استعمال السلاح. فلا يمكن العيش على أرض واحدة فيها أكثر من دولة، وأكثر من جيش شرعيّ، وأكثر من سلطة، وأكثر من سيادة. بهذا المنطوق يجب تطبيق اتفاق الطائف بكامل نصّه وروحه، وقرارات الشرعيّة الدوليّة بشأن سيادة دولة لبنان على كامل أراضيها.
في هذا الظرف حيث نحن أمام نظام إقليمي جديد يثير المخاوف والقلق، يجب الابتعاد عن المغامرات، بل الذهاب إلى إنتخاب رئيس للجمهوريّة بأسرع ما يمكن إذ ليس من مبرّر لعدم انتخابه منذ أيلول الماضي. فهو الضامن لإحياء المؤسّسات الدستوريّة والإدارات العامّة، والإلتزام بتوطيد الاستقرار، والمحافظة على صيغة العيش معًا بغنى التنوّع الثقافي والديني والتكامل والتعاون والاحترام المتبادل.

واختتم قائلا إنّنا نكل إلى شفاعة أمّنا مريم العذراء، أمّ المراحم، ومار شربل هذه الأمنيات، واود ان اشكر الجميع علو حضورهم وعلى استقبالهم وبخاصة أهالي الجوار وأبناء بلدة زرعون من اخوتنا الموحدين الدروز وأبناء القرى التي مررنا بها على اللافتات والإعلام والصور التي حيّيونا بها. ونحن نرجو في هذا اليوم المبارك أن نعظّم الله بأفعالنا الحسنة، ونشكره على جميع نعمه، الآب والإبن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين.