السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

خيارات محدودة وسيناريوهات مؤلمة!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

مهما تبلغ قوة القبضة الحديدية لا تستطيع بسط سيطرتها على كل الجوانب والأطراف، فالبعض سيعمل على تنمية قدراته والبحث عن نقاط الضعف ترقبًا للحظة الإعلان عن نفسه.

ومع تعاظم الشعور بالقوة ونوع من العنجهية تبدو الخيارات أكثر محدودية، وأقل السيناريوهات إيلامًا البحث على مخرج يحفظ ما تبقى من ماء الوجه وشروط البقاء كقوة عالمية يحترم وزنها دون أن تكون لها ميزة الانفراد بفرض قيمها ومصالحها ونفوذها.

هذا ما يبدو عليه اليوم وضع الولايات المتحدة الأمريكية كقوة عالمية كبرى إنفردت بحكم العالم وفرض مصالحها بعد سقوط الاتحاد السوفيتى قبل نحو عقد من نهاية القرن العشرين تقريبًا.

نشوة الانتصار والشعور المتنامى بالقوة والعظمة والانشغال بشن حروب مدمرة فى الشرق الأوسط لم تجعل الولايات المتحدة تلتفت إلى انخراط قوى عالمية أخرى فى عملية طويلة لتنمية قدراتها الاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية اتسمت بالهدوء وقد استترت بضجيج آلة الحرب الأمريكية فى العراق وأفغانستان وليبيا وسوريا.

روسيا والصين كانتا أبرز تلك القوى فالأولى تريد استعادة أمجاد إمبراطوريتها والثانية استثمرت إمكاناتها ومواردها الطبيعية والبشرية لبناء أقوى اقتصاد عالمى يسعى الجميع لخطب وده والدخول معه فى شراكة استراتيجية تشبه متانتها الزواج الكاثوليكى.

لا تتسع هذه السطور لسرد رحلة الصعود الصينى الروسى عبر العقود الثلاثة الماضية، لكن وعلى أية حال استفاقت الولايات المتحدة على بروز قوة التنين الصينى تكنولوجيًا واقتصاديًا وعسكريًا ودخلت معه فى حرب مفتوحة عبر سلاح العقوبات الاقتصادية على التجارة الصينية وقدراتها الصناعية والتكنولوجية فيما عرف بحرب الرقائق الالكترونية لتتطور هذه الحرب وتمتد إلى منطقة المحيط الهادى والهندى وبحر الصين الجنوبى بنشر القطع الحربية البحرية وعقد اتفاقات عسكرية مع بعض دول منطقة أسيان المطلة على بحر الصين الجنوبى ومنها الفلبين وسنغافورا.

فى المقابل عززت الصين من تواجها العسكرى فى المنطقة وعملت على بناء قواعد عسكرية على جذر صناعية بخلاف مناوراتها العسكرية الخطرة حول جزيرة تايوان التى تصاعدت وتيرتها عقب التصعيد الأمريكى تجاه الجزيرة بزيارة رئيسة مجلس النواب السابقة الديمقراطية نانسى بيلوسى التى اعتبرتها الصين إخلالا بمبدأ الصين واحدة.

الصراع الصينى الأمريكى حول تايوان وفى بحر الصين الجنوبى يتطور كل يوم ويقترب من الصدام العسكرى المباشر فهناك تمر أربعة تريليونات دولار هى ثلث حجم التجارة العالمية وهناك ثروات غازية ونفطية هائلة وكلها أسباب كافية لاندلاع هذا الصدام.

ربما فكرت واشنطن الاستعداد للصدام العسكرى مع الصين بخنق روسيا أولًا من خلال التوسع شرقًا لضم أوكرانيا إلى حلف النيتو، وعندما اندلعت الحرب اعتقدت أنها قد تجر روسيا الاتحادية إلى حرب استنزاف طويلة تفقدها قدراتها العسكرية والاقتصادية.

اليوم بدت قدم واشنطن غارقة فى الوحل الأوكرانى بعد أن أثخنتها الآلة العسكرية الروسية بجراح مؤلمة تكاد تؤدى إلى بترها نهائيًا.

"المعدات الغربية تحترق بكل سرور" هكذا يعبر الرئيس الروسى فلاديمير بوتن عن واقع الحال، فها هى أوكرانيا تتحول إلى مستنقع يستنزف قدرات الناتو ويتسبب فى إهانة بالغة لأحدث آلياته العسكرية.

فى أحدث تقرير نشرته وسائل الإعلام الألمانية خلال هذا الأسبوع تعانى مستودعات الأسلحة والزخائر من نقص شديد بسبب ما أرسلته من إمدادات إلى المستنقع الأوكرانى ووزير الدفاع يستعد لتقديم مذكرة إلى البرلمان الألمانى يطلب تخصيص ميزانية وبشكل عاجل لملء مستودعات الزخائر والأسلحة.

وسائل الإعلام الغربية قبل الروسية تكاد تجمع على فشل الهجوم الأوكرانى المضاد، حتى أن ضابط استخبارات أمريكى حدد الخريف المقبل موعدًا لإعلان هزيمة أوكرانيا وانتصار روسيا.

خسارة الناتو للحرب الدائرة فى شرق أوروبا باتت شبه مؤكدة وبحسب أمين عام حلف الناتو فإن انتصار روسيا سيشجع الصين على خطوات معادية ما يعنى أن واشنطن وحلفاءها لن يستسلموا بسهولة لهذا المصير.

تدرك واشنطن أنها لن تستطيع مواجهة الصين مادامت إحدى قدميها غارقة فى وحل أوكرانيا، لذلك سافر وزير خارجيتها أنتونى بلينكن مطلع الأسبوع إلى بكين فقط بهدف خفض التصعيد واحتمالات الصدام بالاتفاق على تفعيل الاتصالات المباشرة لتفادى ما أسماه بأى سوء فهم؛ وبحسب المنشور فى وسائل الإعلام الدولية جرى الاتفاق على زيادة الرحلات التجارية بين البلدين.

بلينكن لم يحقق الكثير وقد بدأ خطوة من شأنها إبطاء الحركة نحو التصعيد العسكرى خاصة وأنه أكد أثناء لقائه بالرئيس الصينى تمسك الولايات المتحدة بمبدأ الصين واحدة؛ إلا أن هذه الخطوة تتطلب خطوات أخرى قد يكون من بينها خفض النشاط العسكرى للولايات المتحدة وحلفائها فى منطقة المحيط الهادى والهندى.

على الجانب الآخر ستستغل واشنطن هذا الهدوء النسبى على الجبهة الصينية للتصعيد فى الجبهة الأوكرانية وهو ما تجسد فى إعلان الرئيس الأمريكى جو بايدن الموافقة على إرسال قذائف اليورانيوم المنضب مع دبابات إبرامز إلى جانب الطائرات إف16 التى يجرى تدريب الطيارين الأوكرانيين عليها حاليًا.

لكن روسيا هددت هى الأخرى باستعمال ذات القذائف بل وهددت بقطع الكابلات البحرية الخاصة بدول النيتو والمتواجدة فى أعماق البحار، كما ألمحت إلى أنها ستتخذ الإجراء المناسب حيال الدولة الأوروبية التى ستنطلق منها طائرات إف16 حيث لا توجد مطارات أوكرانية معدة لإستقبالها وإقلاعها.

هنا تبدو خيارات واشنطن محدودة للغاية فإلى أى مدى ستصعّد؟! ماذا بعد اليورانيوم المنضب؟ فحتى إذا تسببت القذائف الأمريكية والبريطانية فى إلحاق بعض الضرر بالجيش الروسى فإن التفوق العسكرى لدى موسكو سيمكنها من استيعاب آثار الضربة الأولى لكنها وبعد ذلك سترد بقوة هائلة قد تقضى تمامًا على كيان اسمه أوكرانيا.

إذا كان الناتو يعتبر انتصار روسيا تعزيزًا لخطر الصين فإن الأخيرة أيضًا تعتبر خسارة روسيا هزيمة لها قبل أن تبدأ المواجهة ولا ينبغى أن ننسى العبارة التى ودع بها الرئيس الصينى تشى جين يانغ صديقه فلاديمير بوتين قبل ان يستقل طائراته عائدًا إلى بلاده "ونحن معًا سنستطيع تغيير العالم".

أوروبا الجريحة لن تكون جزءًا من أى صدام عسكرى مع الصين فها هى ألمانيا تؤكد لرئيس الوزراء الصينى حرصها على تطوير علاقات اقتصادية مستقرة مع بكين وعدم فك الارتباط معها تحت أى ظرف، على الرغم أنها اعتبرت الصين فى استراتيجيتها للأمن القومى شريكًا منافسًا يسعى لتغيير النظام العالمى ويعمل ضد قيم ومصالح ألمانيا.

ما يبدو ارتباكًا ألمانيًا ومن ثم أوروبيًا بإضافة الموقف الفرنسى الايجابى تجاه التعاون مع الصين يشير إلى أن أوروبا على الأقل لن تتورط بتلك البساطة فى أى مغامرة أمريكية على سطح مياة المحيطين الهندى والهادى وحول مضيق تايوان، ما يجعل حسابات واشنطن فى الموازنة بين خياراتها فى عملية إدارة الصراع من شرق أوروبا إلى المحيط الهادى أكثر صعوبة وتعقيدًا فإما الجنوح إلى السلم، وإما الذهاب إلى حرب ثالثة نووية.