الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

مصريات

حكايات شهرزاد | حكاية الصعلوك الثاني (4)

حكايات شهرزاد
حكايات شهرزاد
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

في كل ليلة، تنسج شهرزاد من وحي خيالها باقة من أروع القصص والحكايات.. ما يجعل زوجها الملك شهريار.. يتلهَّف إلى سماع النهايات. تتوالى الليالي، وتتنوع الشخصيات في حكايات شهرزاد العجيبة والمميزة ما بين جنٍّ وسلاطين وقرَدة وغيرها من الكائنات الغريبة، فيزداد شوق الملك إلى سماع المزيد.


تدور القصة الكبرى «ألف ليلة وليلة» حول شهريار وشهرزاد، عندما يكتشف شهريار في بداية الحكاية أن زوجته الأولى لم تكن مخلصة، فيرى أن كل النساء خائنات ويقرر الزواج بعروس جديدة كل يوم وقتلها في صباح اليوم التالي. راقب النساء وحشية شهريار وقتله لبناتهم أمام أعينهم. لكن شهرزاد، ابنة الوزير، تقنع والدها أن يقدمها إلى شهريار، وتقوم شهرزاد بحكاية قصة لشهريار، ولكنها توقف قصتها في لحظة حاسمة، لذلك يؤجل شهريار قتلها إلى الليلة التالية، وهكذا تستمر شهرزاد برواية القصص لمدة 1001 ليلة.
وخلال شهر رمضان الكريم، تقدم "البوابة نيوز" للقارئ 30 حكاية من تلك الحكايات
تروي شهرزاد:


ذهب الطواشي، وعاد ومعه سيدته بنت الملك، فلما نظرت لي غطَّتْ وجهها، وقالت: يا أبي، كيف طاب على خاطرك أن ترسل إليَّ فيراني الرجال الأجانب. فقال: يا بنتي، ما عندي سوى المملوك الصغير والطواشي الذي ربَّاك، وهذا القرد، وأنا أبوك، فممَّن تغطِّين وجههك؟ فقالت: إن هذا القرد ابن ملك، واسم أبيه إيمار صاحب جزائر الأبنوس الداخلة، وهو مسحور، سحره العفريت جرجريس الذي هو من ذرية إبليس، وقد قتل زوجته بنت ملك أقناموس، وهذا الذي تزعم أنه قرد إنما هو رجل عالم عاقل. 
تعجَّبَ الملك من ابنته، ونظر إليَّ وقال: أحقٌّ ما تقول عنك؟ فقلت برأسي: نعم. وبكيتُ، فقال الملك لبنته: من أين عرفت أنه مسحور؟ فقالت: يا أبت، كان عندي وأنا صغيرة عجوزٌ ماكرة ساحرة، علَّمتني صناعة السحر، وقد حفظته وأتقنته، وعرفت مائة وسبعين بابًا من أبوابه، أقل باب منها أنقل به حجارة مدينتك خلف جبل قاف، وأجعلها لجة بحر، وأجعل أهلها سمكًا في وسطه. فقال أبوها: بحق اسم الله عليك أن تخلِّصي لنا هذا الشاب حتى أجعله وزيري، وهل فيك هذه الفضيلة ولم أعلم؟ فخلصيه حتى أجعله وزيري؛ لأنه شاب ظريف لبيب. فقالت له: حبًّا وكرامة. ثم أخذت بيدها سكينًا، وعملت دائرة.
بنت الملك أخذت بيدها سكينًا مكتوبًا عليها أسماء عبرانية، وخطَّتْ بها دائرة في وسط القصر، وكتبَتْ فيها أسماء وطلاسم، وعزمَتْ بكلام، وقرأَتْ كلامًا لا يُفهَم، فبعد ساعة أظلمت علينا جهات القصر حتى ظننا أن الدنيا قد انطبقت علينا، وإذا بالعفريت قد تدلَّى علينا في أقبح صفة بأيدٍ كالمداري، ورجلين كالصواري، وعينَيْن كالمشعلين يوقدان نارًا، ففزعنا منه فقالت بنت الملك: لا أهلًا بك ولا سهلًا. فقال العفريت وهو في صورة أسد: يا خائنة، كيف خنتِ اليمين؟ أَمَا تحالفنا على أنه لا يتعرَّض أحدٌ للآخر؟ فقالت له: يا لعين، ومن أين لك يمين؟ فقال العفريت: خذي ما جاءك. ثم انقلب أسدًا، وفتح فاه، وهجم على الصبية، فأسرعَتْ وأخذت شعرة من شعرها بيدها، وهمهمت بشفتيها فصارت الشعرة سيفًا ماضيًا، وضربت ذلك الأسد فصار نصفين، فصارت رأسه عقربًا، وانقلبت الصبية حية عظيمة، وهمَّتْ على هذا اللعين وهو في صفة عقرب فتقاتَلَا قتالًا شديدًا، ثم انقلب العقرب عقابًا، فانقلبت الحية نسرًا وصارت وراء العقاب، واستمرت ساعةً زمانية، ثم انقلب العقاب قطًّا أسود، فانقلبت الصبية ذئبًا، فتشاحنا في القصر ساعةً زمانيةً، وتقاتَلَا قتالًا شديدًا، فرأى القط نفسه مغلوبًا، فانقلب وصار رمانة حمراء كبيرة، ووقعت تلك الرمانة في بركة، فقصدها الذئب، فارتفعت في الهواء ووقعت على بلاط القصر فانكسرت، وانتثر الحبُّ كلُّ حبة وحدها، وامتلأت أرض القصر حبًّا، فانقلب ذلك الذئب ديكًا لأجل أن يلتقط ذلك الحب حتى لا يترك منه حبة، فبالأمر المقدر تدارت حبة في جانب الفسقية، فصار الديك يصيح ويرفرف بأجنحته، ويشير إلينا بمنقاره ونحن لا نفهم ما يقول، ثم صرخ علينا صرخةً تخيل لنا منها أن القصر قد انقلب علينا، ودار في أرض القصر كلها حتى رأى الحبة التي تدارت في جانب الفسقية فانقضَّ عليها ليلتقطها، وإذا بالحبة سقطت في وسط الماء الذي في البركة فصارت سمكة، وقد غاصت في الماء، فانقلب الديك حوتًا كبيرًا، ونزل خلفها، وغاب ساعة وإذا بنا قد سمعنا صراخًا عاليًا فارتجفنا، فبعد ذلك طلع العفريت وهو شعلة نار فألقى من فمه نارًا، ومن عينيه ومنخريه نارًا ودخانًا، وانقلبت الصبية لُجَّة نار، فأردنا أن نغطس في ذلك الماء خوفًا على أنفسنا من الحريق والهلاك، فما نشعر إلا والعفريت قد صرخ من تحت النيران، وصار عندنا في الليوان، ونفخ في وجوهنا بالنار، فلحقته الصبية ونفخت في وجهه بالنار أيضًا، فأصابنا الشررُ منها ومنه؛ فأما شررها فلم يؤذينا، وأما شرره فلحقني منه شرارة في عيني، فأتلفتها في صورة القرد، ولحق الملك شرارة منه في وجهه، فأحرقت نصفه التحتاني بذقنه وحنكه، ووقعت أسنانه التحتانية، ووقعت شرارة في صدر الطواشي فاحترق ومات من وقته وساعته، فأيقنَّا بالهلاك، وقطعنا رجاءنا من الحياة.
فبينما نحن كذلك وإذا بقائل يقول: الله أكبر، الله أكبر، قد فتح ربي ونصر، وخذل مَن كفر، بدين محمد سيد البشر. وإذا بالقائل بنت الملك قد أحرقت العفريت؛ فنظرنا إليه فرأيناه قد صار كوم رماد، ثم جاءت الصبية إلينا، وقالت: الحقوني بطاسة ماء. فجاءوا بها إليها فتكلَّمَتْ عليها بكلامٍ لا نفهمه، ثم رشَّتني بالماء وقالت: اخلص بحق الحق، وبحق اسم الله الأعظم إلى صورتك الأولى. فصرتُ بشرًا كما كنتُ أولًا، ولكنْ تلفَتْ عيني، فقالت الصبية: النار النار يا والدي، أنا ما بقيت أعيش لأني موعودة بالقتل، ولو كان من الإنس لقتلته من أول الأمر، وما تعبت إلا وقت فرط الرمانة حين لقطت حبها ونسيت الحبة التي فيها روح الجني، فلو لقطتُها لَمَات من ساعته، ولكن ما رأيتها بالقضاء والقدر، ولم أشعر إلا وهو قد أتى وجرى لي منه حرب شديدة تحت الأرض وفي الهواء والماء، وكلما فتح عليَّ بابًا فتحتُ عليه بابًا أعظم منه، إلى أن فتح عليَّ بابَ النار، وقلَّ من فُتِح عليه بابُ النار ونجا منه، إنما ساعدني عليه القدرُ حتى أحرقتُه قبلي، وكنتُ أعهد منه التديُّن بدين الإسلام، وها أنا ميتة والله خليفتي عليكم.
ثم إنها لم تزل تستغيث من النار، وإذا بشرر أسود قد طلع إلى صدرها وطلع إلى وجهها، فلما وصل إلى وجهها بكت وقالت: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله. ثم نظرنا إليها ورأيناها كوم رماد بجانب كوم العفريت، فحَزِنَّا عليها، وتمنيتُ لو كنتُ مكانها، ولا أرى ذلك الوجه المليح الذي عمل فيَّ هذا المعروف يصير رمادًا، لكن حكم الله لا يُرَدُّ، فلما رأى الملك ابنته صارت كوم رماد نتف بقية لحيته، ولطم على وجهه، وشقَّ ثيابه، وفعلتُ كما فعل، وبكينا عليها، ثم جاء الحُجَّاب وأرباب الدولة، فوجدوا السلطان في حالة العدم، وعنده كومان رمادًا، فتعجَّبوا وداروا حول الملك ساعةً، فلما أفاق أخبرهم بما جرى لابنته مع العفريت، فعظمت مصيبتهم، وصرخ النساء والجواري، وعملوا العزاء سبعة أيام.
ثم إن الملك أمَرَ أن يُبنَى على رماد ابنته قبة عظيمة، وأوقدوا فيها الشموع والقناديل، وأما رماد العفريت فإنهم ذروه في الهواء إلى لعنة الله. 


وهنا.. أدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.