الثلاثاء 21 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

د. محمد كمال يكتب: مراجعة الأزمات

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

التطورات المتلاحقة فرضت حوارات فكرية وسياسية بين نخب العديد من بلدان العالم تمس أسس النظم السياسية والنماذج التى تم الترويج لها لسنوات طويلة

 

الأزمة التى يمر بها العالم منذ عدة سنوات لا تقتصر مؤشراتها على أرقام التضخم وعجز الميزانيات، بل أفرزت حوارات ومراجعات فكرية وسياسية بين نخب العديد من بلدان العالم، وخاصة فى الغرب. العديد من هذه الحوارات تمس الأسس التى تقوم عليها النظم السياسية، والنماذج التى تم تبنيها والترويج لها لسنوات طويلة.
أحد هذه الحوارات يتعلق بالنموذج الاقتصادى الذى ظل قائما على دور الفرد والقطاع الخاص وليس تدخل ودعم الدولة، ولكن أزمتى كورونا وأوكرانيا، بالإضافة إلى صعود الصين السريع كمنافس للغرب ومهدد للمزايا التى يتمتع بها فى مجال التكنولوجيا المتقدمة، أدى إلى مراجعة بعض الافتراضات التى يقوم عليها النموذج الرأسمالى الغربى.
القانون الذى أقره الكونجرس الأمريكى حديثا لدعم صناعة الرقائق الالكترونية داخل الولايات المتحدة بدلا من استيرادها من الخارج أثار جدلا كبيرا حول دور الدولة فى الاقتصاد وفقا للنموذج الرأسمالى، حيث تضمن القانون حزمة بقيمة ٢٨٠ مليار دولار فى صورة إعانات وتمويل لتعزيز القدرة التنافسية للولايات المتحدة فى الإنتاج المحلى للرقائق الإلكترونية، وأشباه الموصلات. 
البيت الأبيض الذى قدم مشروع القانون، وصفه بأنه أمر بالغ الأهمية للأمن القومى، حيث يتم استيراد معظم الرقائق من الخارج، خاصة من آسيا حيث توجد مخاطر «جيوسياسية». ولكن البعض الآخر انتقد القانون، واعتبره خرقا لقواعد النظام الاقتصادى الرأسمالى العالمى الذى يقوم على آليات السوق الحرة وعدم دعم الدولة للصناعة المحلية.
جدل آخر ثار فى عدد من الدول الغربية حول جدوى استقلالية البنوك المركزية عن الحكومات، وخاصة أن الأخيرة وممثليها المنتخبين هم الذين يتحملون نتائج السياسات التى تضعها هذه البنوك. البعض طالب بالحد من استقلالية هذه البنوك وهو بمثابة تراجع أيضا عن كلاسيكيات الفكر الرأسمالى. كما شكك الكثير من المحللين الاقتصاديين فى مدى نجاح الروشتة التى تبنتها هذه البنوك وخاصة استخدام رفع سعر الفائدة لامتصاص التضخم، وهو أيضا أحد أسس الاقتصاديات الرأسمالية فى التعامل مع زيادة الأسعار.


حوار آخر لا يقل أهمية يدور حول أحد الأسس التى تقوم عليها النظم السياسية، وهى «المؤسسات» وفكرة أن المؤسسات الدستورية هى أكثر أهمية من الأشخاص. جريدة الوول ستريت جورنال الأمريكية نشرت حوارا مهما مع جيمس هانكينز المؤرخ والأستاذ فى جامعة هارفارد، عرض فيه لمجموعة من الأفكار تنتقد فكرة «المؤسسات»، حيث يرى أن النخبة السياسية فى الغرب فى القرن الحادى والعشرين، هى نخب سيئة وغير مؤهلة، وينتقل القادة السياسيون والفكريون من فشل إلى آخر، ويعطى أمثلة لهذا الفشل للساسة الأمريكيين مثل الانسحاب من أفغانستان، موجات التضخم المرتفعة، الفوضى على الحدود الجنوبية، وسوء إدارة أزمة جائحة كورونا، وأزمة الطاقة، وارتفاع معدلات الجريمة، وسوء التعليم بالمدارس والجامعات. ويرى أن المؤسسات لم تمنع وصول هذه النخب للحكم، وتبنى هذه السياسات الفاشلة،حيث يفترض دستور الولايات المتحدة أن الحكام السيئين كانوا جزءًا طبيعيًا وحتميا من الحياة السياسية، وأن طريقة التعامل مع هذا تتمثل في إقامة ضوابط قانونية على السلطة السياسة، وليس تنمية طبقة حاكمة أكثر قوة.
و يشير هانكيز على أن الفكر الغربى يؤكد دائما على أهمية شرعية المؤسسات مثل الكونجرس أو الرئاسة، ولكن هذه المؤسسات تفقد شرعيتها لأن الأشخاص الذين يديرونها سيئون وأغبياء.
يرتبط بضعف الثقة فى المؤسسات عودة المظاهرات الجماهيرية الضخمة إلى شوارع العديد من الدول الديمقراطية، تعبير عن فقدان الثقة فى البرلمانات والمفترض قيامها بالتعبير عن إرادة المواطن دون الحاجة للتظاهر فى الشارع. 
و هناك أيضا التحدى المتعلق بتراجع دور الأحزاب السياسية، وانخفاض حجم عضويتها، وتشير إحدى الدراسات إلى أن الحزبين الكبيرين فى بريطانيا (المحافظون والعمال) كانا يمثلان أكبر المنظمات المدنية بالبلاد، والآن أصبحت عضويتهما مجتمعة أقل من عضوية الكثير من الجمعيات الأهلية. وفى كل مكان، تجد الأحزاب صعوبة فى تجنيد الأعضاء والاحتفاظ بهم وتعبئة الناخبين. 
هذه التحديات والمراجعات المرتبطة بها لا تعنى بالضرورة نهاية نموذج سياسى أو اقتصادى معين، أو ظهور نماذج جديدة تتفوق على نماذج قديمة، أو أن النظم الشمولية والسلطوية تمثل بديلا أفضل للحكم، ولكنها تشير إلى أن النموذج الديمقراطى/ الرأسمالى كما عرفه العالم فى العقود الماضية يحتاج تطويرا فى آلياته كى يكون أكثر تعبيرا عن الإرادة الشعبية، وأكثر قدرة على الحكم والإنجاز.
كما أن هذه الحوارات والمراجعات تؤكد أيضا دخول العالم مرحلة جديدة لا تقتصر فقط على تحول النظام الدولى من لحظة الأحادية القطبية إلى شكل أكثر تعددية فى هيكل موازين القوى، ولكن يعنى أيضا نهاية أحادية النماذج السياسية، أو ما أطلق عليه فرانسيس فوكوياما بنهاية التاريخ، فالعالم يشهد مخاضا فكريا سوف يترتب عليه تعددية النماذج، بل والتداخل فيما بينها.