الأربعاء 01 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

"التحطيب".. لعبة الفراعنة والصعايدة.. مهرجان التحطيب بالأقصر يجذب الأحفاد لتراث الأجداد .. الشافعي: إدراج اللعبة بقائمة التراث العالمي باليونيسكو.. وإمام: لعبة التحطيب جذورها متأصلة في التاريخ

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

بـ"الجلباب والعصا".. وسط حلقة دائرية تحولت ساحة أبو الحجاج بالأقصر، إلى ساحة للمنافسة في لعبة التحطيب أو "لعبة الرجال" كما يطلقون عليها، لتكون لوحة تراثية تمتزج بخلفية أثرية متمثلة في معبد الأقصر، ليختلط الماضي بالحاضر، ويشاهدها أهالي الأقصر وزوار المدينة خلال فترة انعقاد مهرجان التحطيب في الفترة من 17 حتى 21 من شهر ديسمبر الجاري، الذي يتبارى فيه ملوك "لعبة التحطيب" الشهيرة بمحافظة الأقصر، ومختلف محافظات جنوب الصعيد.

وعرفت مدينة الأقصر وبقية مدن وقرى صعيد مصر على مدار تاريخها الممتد لآلاف السنين، لعبة أو رقصة العصا أو التحطيب، وهى لعبة تنتمي إلى الفنون القتالية، وتحولت إلى فن استعراضي في الأعوام الماضية، وأصبحت تقام لها مهرجانات خاصة تجمع عشرات اللاعبين المحترفين من جميع المحافظات، بوجود محكمين أو شيوخ اللعبة المستمدة من الأصول الفرعونية القديمة.

حلقات دائرية تخطف الأنظار

وفي توقيت مهرجان التحطيب من كل عام، يتجمع المحبون لمشاهدة العصي وهي تلوح في الأفق، وتحدث أصواتاً مميزة وتهبط على إيقاع الضربات، المصاحب لمزامير العازفين، غير أن مواطني الأقصر يقيمون حلقات التحطيب يوميا وعلى مدار العام، حيث يتجمع محبو تلك الرياضة من المسنين والشباب الراغبين في تعلمها واكتساب مهاراتها منذ سن صغيرة، وذلك بهدف إحياء تلك اللعبة والحفاظ عليها من الاندثار، يتجمعون أمام ديوان كل عائلة سواء في الأفراح أو الموالد، ويتنافس المتبارون في استعراض مهاراتهم في السيطرة علي العصا، والتلويح بها يمينًا ويسارًا وتحقيق نقاط للتغلب على المنافس الآخر.
وتعد ممارسة رياضة التحطيب من أقدم الرياضيات المتوارثة من المصريين القدماء حيث سجلت جدران المعابد الأثرية تاريخ المصريين القدماء مع تلك اللعبة التي أسسوا قواعدها منذ نحو 7000 عام، فرياضة التحطيب تعد رياضة استعراضية في المقام الأول، وتكشف عن مدي صلابة عضلات اللاعب، ومدي قدرته علي تطويع العصا، حيث يقف المتنافسان في شكل دائري ويمسك كل منهم بالعصا وهو يلفها فوق رأسه ورأس خصمه بمسافات معينة، بحيث يكون قادرا على تغطية كامل الجسم عند التعرض للضرب من قبل الخصم وهجوميا مرة أخرى، والضرب هنا ليس ضربا حقيقيا، وإنما هو ملامسة العصا للخصم، وقبل أن يتحول التنافس إلى عداء ومشاحنات يقوم اثنان آخران باستلام العصا من كلا الاثنين وتعاد الكرة مرة أخرى، وعقب تحقيق الفوز يتباهي الفائز بتغلبه على الخصم من خلال التلويح بعصاه في الهواء ليعلن انتصاره.

تسجيل اللعبة باليونيسكو

 قال الفنان أحمد الشافعي، رئيس الإدارة المركزية للشئون الفنية الهيئة العامة لقصور الثقافة ومسئول المهرجان، أن لعبة التحطيب تعد فنا شعبيا تراثيا يعبر عن البيئة المصرية وتعرف بصعيد مصر باسم "لعبة الرجال"، وهو من الألعاب التي تشجع على الفروسية والمهارة في القتال وتعلم لاعبيها الكثير من الخصال الحميدة، وهو فن له قواعده وأصوله الصارمة التي لا بد من تعلمها جيدا قبل حمل العصا.

وأضاف الشافعي، أن لعبة التحطيب المتوارثة منذ العصر الفرعوني، تم إدراجها بمنظمة التربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي في ديسمبر 2016، وذلك لتناقلها من جيل إلى جيل بدءا من عصر الفراعنة وحتى الآن، وحرصت الهيئة العامة لقصور الثقافة على تأسيس المهرجان القومي للتحطيب بمحافظة الأقصر، حفاظا على مكتسبات فنونا الشعبية وتأكيدا على دورها الثقافي والجماهيري، مشيراً إلى الدولة المصرية أول منذ عدة سنوات اهتمام خاصا بلعبة التحطيب فأصبح هناك مهرجان سنوي يقام في الأقصر منذ عقد كامل.

الأصل فرعوني

 من جهته، قال الدكتور محمد إمام الباحث الأثري، إن مصر عرفت التحطيب كلعبة شعبية منذ العهد المصري القديم، في عصر الدولة الوسطى ففي مقابر بني حسن بالمنيا صور المصري القديم لعبة التحطيب في كل أوضاعها، ومنذ ذلك الوقت أثرت اللعبة عقول الرجال، فهي لعبة رجال في المقام الأول وذلك لخشونتها، وحافظ المصريون على تراثها التقليدي من ناحية الزي والقواعد كما منعوا دخول العنصر النسائي للعبة، وانتشرت اللعبة كالنار في الهشيم لتقتحم كل المناسبات الشعبية في صعيد مصر من بني سويف وحتى أسوان.

وأضاف إمام، أن التحطيب له جذور قديمة ومتأصلة في التاريخ، وبدأ في العصر الفرعوني كطقس من طقوس الأعياد الدينية، مشيرا إلى أن الفراعنة كانوا يستخدمون لفافات البردي الكبيرة حتى لا يصاب المتبارون بالأذى وكان اللاعب يستخدم لفافتين بدلا من واحدة، ثم جاء تطور التحطيب باختزال اللفافتين إلى واحدة ثم تحويلها إلى عصى لاستخدامها في الدفاع عن النفس، وفي شمال مصر توجد لعبة مشابهة تسمى "برجاس" لكنها تلعب من فوق الخيول، وحاول بعض المعاصرين إدخال العنصر النسائي بما يعرف بالتحطيب المعاصر، لكنه غير منتشر، وذلك لأن من سمات الرقصات الشعبية عدم الاختلاط، منذ العصر الفرعوني وحتى الآن.

وتابع، أن التحطيب لدى المصري القديم يعد أحد الطقوس التي تستخدم في الاحتفالات، وقد سجلها قدماء المصريين على جدران المعابد، وتعد أشهر اللوحات التاريخية التي تم تسجيل اللعبة عليها هي اللوحة الموجودة على أحد جدران معبد الكرنك والتي تمثل الإله حورس، وهو يقوم بتعليم  الملك أمنحتب الثالث، كيف يقوم بالتحطيب، كما كانت تستخدم لعبة العصا في أعمال التدريب العسكري وتعليم الجنود وكان يتم استبدال البردي بالعصا، ولتصبح بعد ذلك وسيلة من وسائل تدريب الجنود على استخدام العصي في الحرب.

وأشار إمام، إلى أن الهيئة العامة لقصور الثقافة، أقامت تسع دورات للتحطيب جميعها بالأقصر، وكانت أول دورة في عام 1994، والثانية في عام 1995، ثم توقف المهرجان حتى عام 2007 لتقام به الدورة الثالثة، ثم تقام دورات أخرى في أعوام 2010، 2011، 2013، 2014، ثم توقف وعاد مرة أخرى عام 2017، 2018، 2019، ثم توقف المهرجان في عام 2020 بسبب ظروف جائحة كورونا، ثم عاد مرة أخرى في عام 2021 وأخيراً عام 2022، وفى عام 2014 قدمت وزارة الثقافة المصرية طلبا إلى اليونسكو لتسجيل التحطيب كلعبة تراثية ضمن التراث الثقافي غير المادي؛ لكن رُفض الطلب، فسحبته الوزارة للتعديل، ثم تقدمت به مرة أخرى في عام 2016 لتنجح الوزارة في تسجيله كلعبة تراثية من التراث الثقافي اللامادي.

بدوره، قال مسلم أحمد علي مرشد سياحي، إن اللعب بالعصا له أصول قديمة تمتد حتى مصر القديمة الفرعونية، فلقد ظهرت هذه الرياضة كمبارزة بالعصا وكرياضة خشنة للشجعان، كما أن العصا المستخدمة في التحطيب ليست عصي عدوان، فهي رياضه لها أخلاقيات، ورغم اعتمادها على الهجوم والدفاع وفكرتها القتالية، إلا أنها تدعو إلى التسامح والإخاء كما أنها تعبر عن كرامة ابن الصعيد وشهامته. 

وأضاف، جدران المعابد الفرعونية تظهر أفراد يتبارزون بالعصي في رياضة سلمية لكن العصا التي استخدمها قدماء المصريين كانت مصنوعة من نبات البردي المعجون، حتى لا تكون مؤذية، لكن مثيلتها التي تستخدم في الوقت الحالي شديدة الصلابة لدرجة أنها قد تتسبب في وفاة المبارز إذا جاءت الضربة قوية فوق رأسه، ووقتها لن يحق لأهل المتوفى المطالبة بثأره أو حتى ديته.
وتابع، أن لعبة التحطيب تحولت من طقس ديني عند الفراعنة إلى عادة اجتماعية تقام في الأفراح والمناسبات، مشيرا إلى أن اللعبة كان لها انعكاسات على كثير من الحضارات مثل الكيندو الياباني والمبارزة القديمة التي انتشرت في معظم الحضارات الغربية والتي تتشابه طقوسها وأخلاقياتها مع الجذور القديمة للتحطيب الفرعوني، وغالبا ما يصاحب الرقص بالعصا في الصعيد العزف علي المزمار البلدي الذي يعد واحدا من الفنون الفلكلورية التي تمتاز بها محافظات الصعيد.

شيوخ المهنة: نحلم بإنشاء مدرسة متخصصة في لعبة التحطيب  

التقت “البوابةنيوز”، عددا من شيوخ اللعبة ولاعبيها، الذين عبروا عن حلمهم في إنشاء مدرسة متخصصة في لعبة التحطيب في مصر تكون بمثابة مركز عالمي لتعليم اللعبة على مستوى العالم، حيث قال عبد الغني عبد الباسط الملقب بـ'' عميد لعبة التحطيب''، أن التحطيب هي لعبة من التراث للدفاع عن الفرد والجماعة والمصري معروف بحبه للحياة وتصديه للخطر ولديه زهو روحي وكيفية تعليم فنونه للدفاع عن النفس وهو أصل لعبة التحطيب.

وأضاف عبدالباسط، أن الأعراف الصعيدية تتحكم في لعبة التحطيب فهي أشهر لعبة صعيدية، وهناك قاعدة يعرفها جميع اللاعبين وهى "الأدب " فلا يجوز بين اللاعبين التعالي، ولابد من احترام الجميع لبعضهم البعض، ولابد أن يبدأ اللعب من هو أكبر سناً، فتلك هي الأصول في اللعب كما يعرفها الجميع.

فيما قال رضوان منصور شيخ لاعبي التحطيب بالأقصر، إن تعلم اللعبة يبدأ من نعومة الأظافر حتى يتحد اللاعب مع العصا ويشعر أنه ملتحم بها، مضيفاً أنه ورث اللعبة عن عائلته التي تحترفها منذ عشرات السنين، فجده الشيخ "رضي سليمان" هو من قام بتعليم الفنان رشدي أباظة طريقة اللعب في فيلم "صراع في النيل"، وقد طلب منه "أباظة" أن يشاركه في اللعب بالفيلم على شرط أن يقوم بإسقاط العصا الخاصة بالشيخ "رضي " ولكن الأخير رفض تماما أن يشاهده الناس والعصي الخاصة به يتم إسقاطها، فتم الاتفاق أن يقوم الشيخ رضي باللعب مع شخص آخر ويسقط له العصي الخاصة به ليقول له، "رشدي أباظة" سوه أي اللعبة انتهت ويأخذ منه العصا ليقوم باللعب بها وهذا ما حدث بالفعل في الفيلم.

وحول كلمة التحطيب أوضح الشيخ رضوان، أنه جاء من استخدام العصا، فالعصي الغليظة لدى أبناء الصعيد تعرف باسم "الحطى"، وعن أنواع العصي المستخدمة في اللعبة، هناك نوعان من العصي المستخدمة في اللعبة فهناك العصا الغليظة وهى المشهورة بين أبناء اللعبة من قنا – الأقصر – أسوان، وهى العصي التي تستخدم في المبارزة بشكل أكبر وهناك العصا الأخف وهى أيضا تستخدم في التحطيب، ولكن في اللعبة التي يغلب عليها الطابع الفني "الرقص بالعصا " وتشتهر بها محافظات شمال الصعيد، ومحافظة سوهاج، والتي تعد أكبر المحافظات في صعيد مصر شهرة بلعبة التحطيب وخاصة المنطقة المعروفة بـ"عرابة أبو الذهب ".

وأضاف منصور، أن لعبة التحطيب في الأساس هي عبارة عن مبارزة ورقص بالعصا بين شخصين على أنغام المزمار يلاعبان بعضهما البعض وسط دائرة من المتفرجين والمشجعين، في البداية يتبادل اللاعبون التحية مما يعنى استعداداهما لبدء اللعبة، ليقول أحدهم ساه أي أنه قد حان الوقت لبدء اللعب، أما كلمه سوه فتعنى أنه قد تم انتهاء اللعب، أما عن أنواع اللعبة فهناك لعب فردى يتم فيه استخدام يد واحدة فقط في اللعب، ولعب زوجي يتم فيها استخدام كلتا اليدين في اللعب وهناك الرشة الأمامية والرشة الخلفية والأولى تكون فيها العصا أمامك، أما الثانية فتكون فيها العصا وراء ظهرك.

وعن كيفية حساب النقاط يقول الشيخ رضوان، أن الدور غالبا ما يكون من ثلاث نقاط فكل لمسه في الكتف أو الأرجل، هي بمثابة نقطة ولكن إذا ما لمس اللاعب رأس اللاعب الآخر فيتم حسابها بثلاث نقاط مما يعنى انتهاء الدور أما أكبر انتصار يمكن أن يحققه لاعب إذا ما استطاع أن يوقع بعصا اللاعب الآخر وهذه هزيمة كبيرة للاعب الذي تسقط منه عصايته نتيجة ضربة من لاعب آخر، ولكن الموقف مختلف إذا ما اسقط اللاعب عصايته بنفسه أثناء لعبه، فذلك ليس عيبا فهو من أسقطها ولم يسقطها أحد.

مصطفى ألهم:  مهرجان التحطيب يضيف قيمة ثقافية وفكرية للمحافظة

 قال المستشار مصطفى ألهم محافظ الأقصر إن الاحتفالات بمهرجان التحطيب تضيف قيمة ثقافية وفكرية وبعداً تاريخياً لإحياء الموروثات الشعبية القديمة التي تؤصل التاريخ الشعبي القديم، مشيرا إلى حرصه على إقامة مهرجان التحطيب القومي كل عام على أرض مدينة طيبة وهو أحد فنون التراث الشعبي ويشارك في المهرجان هذا العام عدة فرق مختلفة من فرق الفنون الشعبية من محافظات أسيوط وسوهاج وقنا والأقصر والمنيا وقد شهد حفل افتتاح المهرجان عروضاً فنية لفرقة الأقصر للفنون الشعبية.

وانطلقت فعاليات الدورة الثانية عشرة لـ"مهرجان التحطيب"، الذي تنظمه الإدارة المركزية للشئون الفنية، التابعة للهيئة العامة لقصور الثقافة، بساحة أبوالحجاج بالأقصر، وقصر ثقافة سن فتحي وقصر ثقافة حوض الرمال حيث يقام سامر التحطيب، على مدار أيام المهرجان الذي يشارك به فرق التحطيب وشيوخ اللعبة وفرق الفنون الشعبية الممثلة لمحافظات الصعيد "بني سويف، المنيا، أسيوط، سوهاج، قنا، الأقصر"، بالإضافة لمجموعة المزمار بفرقة النيل للآلات الشعبية عرضا استعراضيا مزجت من خلاله الرقص بالعصا، وسط حضور جماهيري من أهالي محافظة الأقصر وزائريها من الأجانب.