الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة لايت

حكايات من قلبي.. شتاء مجهول السنوات

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
في شتاء مجهول السنوات، كانت أمه تخيط الثياب، منهمكة في تطريز جلبابه، بينما يخطو كل ليلة نحو ديار لم تعد له محبوبة فيها، يقضى لياليه يتجول ويبحث عنها، يطرق الأبواب لا مجيب، يردد كلمات مجهولة المعالم، فقد عقله فاختلط لديه الليل بالنهار.
الخامسة والنصف، الشمس ترفض أن تشرق، والليل في حالة خضوع كاملة للضباب، المدينة تخلو من كل شيء سوى الجليد الذى تكتظ به الحوارى، والخمرات والحانات ومريديها الذين يتناولون كاسات «الفودكا"؛ ليحاربوا الصقيع، خرج من حانته على غير العادة، قس أعلى الكنيسة يراقب المارة، يضرب أجراس الكنيسة بعنفوان، يصيح بصوته العالى حتى كاد أن يذوب كالجليد، قضى الصقيع على كل من حوله فلم يعد هناك من يروى سيرته السيئة، محبوبته.. أصدقائه.. كل هؤلاء أذابهم الجليد؛ فأصبحوا لا يكترثوا بما يصنع، تخرج من خلفه أحداهن تلملم زيل فستانها؛ أو ما تبقى من رداء يستر عورتها بالكاد؛ بعدما انتزعه أصحاب الكأس، وقعت في غرامه أو خدعتها قطرات الفودكا، تهرول نحوه لتضمه قبل أن يصيح القس من أعلى الكنيسة: «خدعتك حكمته في البعيد وسيما هادئا، فلا تقربى منه أبدا وحافظى على المسافة التى تبقيه جميلا في عينك المجردة، هو لا يكترث بالنتوءات من حبيبته القديمة والتى تنخر في روحه فتتساقط دموعه حجارة سمراء كالوشاية، هو لا يكترث بالسكارى، هو يبحث عن صديقته التى قتلها صقيع الحب؛ فانتهت حياته».
في الجانب الآخر تهرول خلفه أمه وتنادي: «عد أيها المسكين، فالدار أصبحت خالية، لم يعد لقلبك متسع لسواها».
حينما اقتادوه من البناية العالية، وهددوه بالسقوط مرة أخرى؛ لقتله، صاح فيهم السكير: «لقد فاتكم أن الحجارة لا تسقط مرتين! أنا هنا بلا روح بلا شغف للحياة، أنا سقط، بعد رحيلها».
يبتسم القس وهو يتمتم بكلماته: متى سيثور على نفسه مرة أخيرة! هذا مالا أعلمه؛ لذا هو يحبها بعيدة لا جزء من سيرته المعبأة بالرماد!