الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

إلى وزير الإعلام.. أرجوك "غيّر العتبة"!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أكتب هذا المقال بينما كرسى وزير الإعلام ما زال باردًا، لم يجلس عليه بعد، وبينما الدور التاسع فى مبنى ماسبيرو العريق ما زال خاليا من حشود المهنئين «السعداء» بعودة الوزير الأسبق إلى «قواعده سالما»!
وقبل أن يفتح الوزير «الملف الشائك» بكل ما فيه من تعقيدات وحساسيات، أقول له من قلبى بكل الود وبما بيننا من محبة قديمة: أرجوك متفتحوش خلية كما هو بكل ما فيه من بلاوى وإرث عقيم، ارميه أو انساه، وأبدأ من جديد على نضافة!.
وعندى أسبابى:
أول عقبة أمام أى تطوير أو تغيير يريده الوزير هم غالبا أول من سيدخلون مكتبه ليهنئوه، وفيهم من صرح بمجرد إعلان عودة منصب وزير الإعلام «وزير ليه؟.. وجاى يعمل إيه؟»!.
وكل من يشتغل فى الإعلام - والوزير نفسه يعرف - أن هذه الحيتان الكبيرة هى سبب الفشل بل الضياع الذى عاشه الإعلام المصرى فى السنوات الأخيرة، هى التى أحبطت أى تطور، لأنها لم تملك أدواته، وهى التى أحاطت نفسها بشلة المنتفعين المفلسين فكريا ومهنيا وسلمتهم أخطر ملف فى مصر فأفسدوه وشوهوه وكانوا السبب فى أكبر انهيار يحدث للإعلام المصرى منذ نصف قرن حيث وصلت نسبة مشاهدة المصريين لقنوات التليفزيون المحلية لمستويات محزنة!، وكانوا هم، وليس غيرهم، السبب الأول فى إخلاء الساحة لقنوات عميلة ولمذيعين مرتزقة سدوا الفراغ الذى تركه الإعلام المصرى ليرتعوا فيه!.
ولابد قبل أن يبدأ الوزير - وهو ليس جديدًا على الوزارة ولا على الإعلام - أن يعلن لكل من يشككون فى مهمته ويتحدثون عن التضارب مع الهيئة الوطنية، أنه يملك كل الصلاحيات وأن وظيفته السيادية فوق كل المناصب الشرفية التى تمتع بها من أداروا الملف وفشلوا فيه بجدارة.
وأرجو أن يخرج الوزير لوسائل الإعلام فى مؤتمر صحفى يبادر فيه بإعلان مهمته ويشرح للجميع «هو جاى ليه ؟» حتى يقطع الطريق على طوفان النميمة الذى يدور حاليا فى الكواليس.
وأعرف أنه من الصعب أن تطلب من أى مسئول فى مصر الآن أن يعتمد «فقط» على أهل الخبرة والكفاءة وأن يحيط نفسه بمن يفهمون لا من يهللون، ولكنى متأكد أنه لن يحدث أى تغيير يذكر فى الخطاب الإعلامى بالاعتماد فقط على «أهل الثقة» وكلنا شاهدنا كيف سقطت رؤوس كبيرة كانت من أهل الثقة، ولكنها استغلت الثقة فى الإفساد وإهدار الأموال ومن ثم أفقدت الناس الثقة فى الإعلام وفى القائمين عليه!.
‏وأتمنى أن يبدأ وزير الإعلام من النقطة التى لا يبدأ من عندها أحد من «نقطة الفكر» لا من «نقطة الحركة» فحسب، ‏وقبل أن يفكر فى ماذا سيفعل عليه أن يقرر ماذا يريد أن يفعل، ولابد أن يسأل نفسه بصراحة: الناس عايزة إيه؟.. وعايزة مين؟.. ومش عايزة تشوف وتسمع مين؟.. وزهقت من مين؟.. وبتصدق مين؟!
وأؤكد أن الوزير بخبرته الصحفية والبرلمانية كرئيس للجنة الإعلام والثقافة لفترة طويلة ‏يعرف تماما من أين يجب أن يبدأ، ومن أين يبدأ؟.. 
البداية بالفكر قبل الفعل، بالفلسفة التى نريد أن ‏نرسى بها إعلامًا جديدًا ومهنيا صادقًا كاشفًا، يقوم بمهمته المقدسة وبدوره النبيل كجسر بين المواطن والمسئول.. ونحن إذا كنا نريد إعلامًا بهذا المفهوم فهو له أدواته وناسه، أما إذا كنا نريد الاستمرار فى المنظومة الحالية (الدولة ترسل والمواطن يستقبل فقط) فهنا لن يحدث أى تغيير جاد مهما حاول الوزير ومهما اجتهد فى جعل «الصورة حلوة»!.
‏الناس تريد أن يفتح الإعلام أمامها طاقات الأمل ولكن بوسائل حديثة ومختلفة، وبوجوه جديدة تصدقها، والناس تريد ‏أن تتابع الأخبار الرسمية وأن تشاهد تحركات ونشاط المسئولين ولكن بجرعات تستطيع أن تهضمها وتقتنع بها.
وهنا أسأل: لماذا لا تكون الأولوية لدعم وتطوير قطاع الأخبار ؟.. ولماذا لا تحدث توأمة وتنسيق بينه وبين إكسترا نيوز، ولماذا لا تكون لمصر قناة أخبار عالمية باللغة الإنجليزية؟.
‏إن الأحلام الكبيرة - القديمة - يمكن كلها أن تتحقق إذا ما عرفنا أين وكيف تنفق الأموال بدلا من إهدار الملايين على برامج المطربين والممثلين!، ولابد أن يبادر الوزير فورا بعلاج الخطأ القاتل الذى استمر لسنوات «إهمال ما سبيرو» واعتباره من مخلفات عصر بائد، ماسبيرو يمكن أن يعود فى أبهى صورة إذا ما أريد له حقا أن يتطور وأن يعود قطاره إلى الخدمة‏ كنافذة مهنية محترمة لإعلام الشعب يقدم له الخدمة بمنأى عن الاعتبارات التجارية والإعلانية التى تتحكم فى القنوات الخاصة، أو التى كانت «خاصة». 
والوزير، يجب أن يكون وزيرًا لكل الإعلام وليس لجزء منه. وعودة ملف الإعلام من يد «من لا يفهم إلى من‏ يفهم» لا بد أن تكون عودة صريحة بلا شروط أو قيود، والإعلام إذا تنفس فإن الناس بدورها ستستنشق هواء صحيا نقيا، ولن تلجأ لنوافذ الهواء المسموم!.
إن الإعلام الذى نعرفه فى بلادنا، هو فى معظمه إعلام آخر غير ما يعرفه العالم الآن.. بكل التكنولوجيا فى الصورة وفى الأفكار والإبداعات والخيال عابر الحدود والقيود.. نحن ما زلنا ‏نغرد فى العالم القديم، ونؤذن فى مالطا، بينما مالطا نفسها اتغيرت..!
إن هناك حكاية قديمة أتمنى أن يصل مغزاها إلى وزير الإعلام الصديق أسامة هيكل وهو يباشر أخطر مهام الحكومة الجديدة، تقول الحكاية إنه عندما ذهب النبى إبراهيم عليه السلام لزيارة ابنه إسماعيل عليه السلام فى بيته، فقابلته ‏زوجته بوجه كئيب وبخطاب مليء بالشكوى والتذمر والغضب، فطلب منها سيدنا إبراهيم إبلاغه برسالة تقول «غيّر العتبة يا إسماعيل».. وعندما فهم إسماعيل الرسالة.. طلّق زوجته!.
يا معالى الوزير.. لا تجمل الصورة.. أرجوك «غيّر العتبة»!!.