رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

مُعدون بلا إعداد!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أشعر بمتعة بالغة حين أشاهد البرامج التليفزيونية القديمة، فمن حسن الحظ أن التكنولوجيا الحديثة أتاحت المواقع الإلكترونية مثل "اليوتيوب"، والذى ينقلنا عبر الأزمنة، لنرى كبار الفنانين والكتاب والعلماء الذين عاشوا قبل أن نولد.. فنرى أم كلثوم وحديثها العذب الذى يعبر عن رقة وأنوثة ربما لم نلمسها فى غنائها، ونشاهد ذكاء وخفة ظل عبد الحليم حافظ فى مشاكسته مع فريد الأطرش الذى يؤثرنا بطيبته، ونستمع للباقة طه حسين وفصاحة العقاد، ورومانسية يوسف السباعى وغيرهم الكثيرون..كذلك نستمتع بمقدمي ومقدمات البرامج آنذاك أمثال سلوى حجازى وليلى رستم وطارق حبيب.. ونرى كيف كانت البرامج ممتعة وشيقة وهادفة فى نفس الوقت، وكيف كانت محكمة الإعداد وتحترم عقل المشاهد ووقته، حتى البرامج الترفيهية كانت ترتقى بالذوق العام، وتنقل معلومات جذابة ومفيدة، ولا تُضيع الوقت هباءا!!.. ولكن على الرغم من إنتشار التكنولوجيا والإنترنت، إلا أنّ التليفزيون يظل محتفظا بمكانته، ومؤثرا بشكل كبير على الجمهور، لكونه متاحا فى كل البيوت تقريبا، ويعتمد على المشاهدة الجماعية، وكذلك لإعتماده على تقنيات أعلى فى الصوت والصورة، لذلك فالبرنامج التفلزيوني يعدّ من أهمّ وسائل الإعلام وأكثرها تأثيرًا.. فهو يمكن ان ينقل المشاهد لقلب الحدث، ويناقش إهتمامات الناس ومشاكلها، ويخاطب العقل والوجدان.. ولا يكون الاعلام إعلاما إلا اذا أنار العقول، وكشف الحقائق وكان دليلا للصواب.. ولكن للأسف رغم إنتشار الفضائيات وتنوع القنوات وكثرتها، إلا أننا حين نقارن برامج الماضى بالحاضر، سنجد أننا لا نملك سوى عدد ضئيل جدا من البرامج التى تقدم محتوى جيد وتحترم عقول المشاهدين، ونجد أننا محاطين ببرامج شديدة التفاهة تعمل على الإلهاء والتغييب، وبرامج سوقية تنقل لغة العشوائيات للشاشات، إلى جانب برامج "التوك شو" التى نراها كثيرا ما تتحول لمنصات للهجوم المبتذل على البعض دون أى معايير أخلاقية أو مهنية!!..والبرامج التى تعتمد على إرتجال مقدميها بعشوائية ولغة ركيكة لا تتناسب مع أبجديات الإعلام!!.. وبين كل برنامج وآخر نجد برنامج للطبخ!! وكأن وظيفة الإعلام أصبحت مخاطبة البطون وليس العقول!!..ورغم انتشار الفضائيات بشكل كبير، إلا أن البرامج التليفزيونية بشكل عام تراجعت وأصبحت أقل تأثيرا، وأحد الأسباب الرئيسية لذلك هو تراجع دور الإعداد التليفزيوني، فالإعداد هو عقل البرنامج وروحه، وهو بمثابة عامود الخيمة الذى يقوم عليه أي برنامج، فهو المسئول عن تحديد الفكرة والهدف وإختيار الموضوع، وهو الذي يتحكم فى المادة المقدمة والمعلومات والأسئلة وإيقاع الحلقة.. ويجب أن يتمتع المعد بثقافة واسعة ويكون متابعا لوسائل الإعلام المختلفة وأحدث الكتب والدراسات، كما يجب أن يكون محتكا بحياة الناس ومتفهما لاهتماماتهم وهمومهم ومشاكلهم، ويتمتع بعلاقات واسعة مع مصادره، سواء شخصيات عامة ومسئولين أو شخصيات ترتبط بموضوع الحلقة التى يناقشها، وبالتالى يجب أن يكون ملما بمعلومات كافية عن كل ضيف.. وبالطبع يجب أن يمتلك مهارات الكتابة الصحفية بالإضافة لفكرة عامة عن كيفية إستخدام الكاميرا وطبيعة اللقطات وطرق الإخراج والتصوير، حتى يتمكن من توظيف الأمور الفنية لخدمة موضوع الحلقة، من خلال الإسكريبت الذى يقوم بإعداده.. ولكن رغم صعوبة الإعداد، وما يتطلبه من مهارات، إلا أن هناك فرق مادي شاسع بين أجر المعد والمقدم!! لذلك إتجه الكثير من الصحفيين والمعدين الأقوياء مهنيا إلى تقديم البرامج -رغم عدم تمتع أغلبيتهم بأى كاريزما- كذلك لرغبتهم فى تحقيق الشهرة التى لا تتحقق لمن هم وراء الكاميرا، بنفس الشكل لمن هم امامها، لذلك يسعون لنيل أى فرصة لتقديم أى برنامج، ويتركون الإعداد لصغار الصحفيين فى الغالب..وهو عكس ما كان يحدث فى البرامج القديمة التى كانت تقوم على أكتاف كبار الصحفيين، فكنا نرى برامج قوية ومتماسكة، وأفكار متجددة وأهداف واضحة يتم صياغتها بإحكام.. بالطبع هناك بعض الصحفيين الذين تألقوا فى تقديم البرامج التليفزيونية، وإستطاعوا توظيف مهاراتهم وأدواتهم الصحفية فى تقديم برامجهم، مثل: الصحفى الكبير/مفيد فوزى، والذى لقب نفسه بالمحاور، لأنه إختار الحوار كأحد الأشكال الصحفية التى مارسها بحرفية شديدة أمام الكاميرا.. كذلك الأستاذ وائل الإبراشى الذى نقل التحقيق الصحفى إلى الشاشة بتميز ومهارة.. ولكن بالتأكيد هناك الكثير من الصحفيين الذين لم يكونوا ناقلا جيدا لأفكارهم!!..وبالتالى إختلطت الأمور وضاع المضمون، وأصبحنا نواجه سطوة رأس المال وإعلامييه!! وتنصل بعض الصحفيون من أقلامهم ليمسكون بالمايكروفون!! وأصبحت القنوات غير خاضعة لأية معايير فى إختيار من يقدمون البرامج، وأصبح لقب الإعلامى يطلق على الطباخين والفنانين ولاعبى الكرة والشيوخ والأطباء!!.. لذلك نتمنى أن تعود الأمور إلى نصابها إذا أردنا وعيا لا تغييبا.. ويعى القائمون على القنوات أهمية التخصص، وأن يعهدوا بالشئ لأهله..ويعيدوا لمهنة الإعداد هيبتها، بحيث يتولاها كبار الصحفيين بمقابل مادى مغرى.. حتى يتألقون فى مهمتهم الأساسية، ولا ينطفئوا على الشاشات!!