الجمعة 10 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

يقظة مصر الحديثة "4"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يتابع الدكتور محمد رفعت باشا فى كتاب «يقظة مصر الحديثة» بقوله: كانت المسألة الأولى التى واجهت الإنجليز بعد احتلال البلاد، هى كيف ومتى يجلون عن مصر؟. فلا أقل من وعد بالجلاء الذى يمكن أن يهدئ الدول الأوروبية خاصة فرنسا وتركيا، كان اللورد جرانفيل «Granville» يدرك هذه الغاية وهو يرسل فى يناير ١٨٣٣ منشوره الشهير إلى هذه الدول، أوضح فيه أنه «رغم أن القوة البريطانية باقية فى مصر للمحافظة على السكينة العامة، فإن صاحبة الجلالة راغبة فى سحبها حالما تصل الحالة فى مصر، وترتيب الوسائل المناسبة للحفاظ على سلطة الخديوى».
وقد راود الفرنسيون الأمل فى استمرار الرقابة الثنائية التى كانت قائمة قبل الاحتلال، ولكن الإنجليز رفضوا بحزم الموافقة، ويرون أن فرنسا قد أخلت بوضعها فى مصر عندما انسحبت من مجال العمل المشترك عام ١٨٨٢، ثم تبنى الفرنسيون سياسة تهدف إلى عرقلة الخطط البريطانية فى مصر، حتى تم الاتفاق الودى عام ١٩٠٤.
وهكذا تُركت بريطانيا وحدها لتحمل مسئولية العمل فى مصر، وأرسلت اللورد دوفرين سفيرها فى إسطنبول إلى مصر فى مهمة خاصة لتنظيم البلاد، ولم يكن لدى اللورد دوفرين، أو اللورد جرانفيل فى ذلك الوقت أى فكرة عن الاحتلال طويل الأجل للبلاد، وحتى فى أوائل أغسطس ١٨٨٣ طلب شريف باشا رئيس الوزراء تخفيض عدد الجيش المحتل لاعتبارات اقتصادية، حيث بلغ سبعة آلاف جندى والمقترح تخفيضه إلى ألفين، كما اقترح شريف، وهذا يؤدى إلى خفض الإنفاق، كما أن ذلك من شأنه أن يعيد بعض الثقة فى الوعود البريطانية.
وعلى أية حال، كتب اللورد جرانفيل: «توافق حكومة جلالة الملكة تماما على الرغبة فى تخفيض القوة بالقدر الذى يحقق الحفاظ على النظام العام». وأضاف أن السير «Evelyn Wood» رئيس السلطة العسكرية قد عبر له شخصيا عن اقتناعه بأن الحامية البريطانية يجب أن تنسحب تماما من القاهرة دون أى ضرر، أما السير Evelyn Baring (اللورد كرومر فيما بعد) الذى عُين ممثلًا لبريطانيا وقنصلًا عامًا فى مصر فى سبتمبر ١٨٣٣ والذى أحال إليه اللورد جرانفيل المسألة وافق على هذا الرأى فى ٩ أكتوبر قائلًا: «إنه وصل إلى نتيجة بعد التشاور مع السلطات العسكرية بأن الحامية البريطانية يمكن بأمان سحبها من القاهرة إلى الإسكندرية ويمكن أن تخفض إلى ثلاثة آلاف رجل».
وفى الأول من نوفمبر أجاب اللورد جرانفيل، بأن حكومة جلالة الملكة وافقت على التوصية بأن يتم تركيز جيش الاحتلال فى الإسكندرية وأن يخفض عدده ثلاثة آلاف رجل.
وفى مناسبة أخرى كانت مسألة الانسحاب جزءًا من المفاوضات الدولية عام ١٨٨٤ عندما وجه اللورد جرانفيل منشورا إلى الدول الأوروبية فى ٢٩ أبريل ١٨٨٤، يدعوها فيه إلى مؤتمر لبحث الموقف المالى فى مصر وإمدادها بأموال بسبب حاجتها العاجلة إليها، وكانت الحاجة إلى المال واضحة لدفع التعويضات عن الأضرار التى نجمت عن القصف والفوضى فى الإسكندرية، والشغب الذى انفجر فى بنها والمحلة ودمنهور.
وقد وافقت الحكومة الفرنسية بذكاء على الدعوة وطلبت بحث المسألة السياسية فى المؤتمر، ومن ثم بدأت المفاوضات بين الحكومتين، ولما ضمن الفرنسيون هذا الوعد تطرقوا إلى الجزء المالى فى المسألة الذى يحتل الأهمية القصوى عندهم.
عُقد المؤتمر فى لندن فى ٢٨ يوليو وتم البدء على الفور بالمسألة المالية، واقترحت الحكومة البريطانية فى المؤتمر تخفيض الفائدة على الدين العام بمقدار نصف فى المائة من ٤٪ إلى ٣.٥٪ فاعترض الفرنسيون بشدة كما كان متوقعا على هذا الاقتراح ولم يتزحزحوا عن موقفهم، ولذلك انفض المؤتمر دون أى نتيجة، وفى العام التالى اقترحت بريطانيا تقديم قرض إلى مصر بمبلغ تسعة ملايين جنيه إسترلينى بفائدة ٢.٥٪ تضمنه الدول الكبرى الست، ووافقت فرنسا والقوى الأخرى على هذا الاقتراح، ومرة أخرى لم يرد ذكر للانسحاب.
وكانت المناسبة الأخيرة التى قدم فيها وعد رسمى بالانسحاب خلال الحكومة اللورد Salisbury عام ١٨٨٧ الذى خلف الحكومة الليبرالية برئاسة جلادستون فى يونيو ١٨٨٥، فقد أراد أن يخدع تركيا والدول الأوروبية حول المسألة المصرية، وذلك من خلال الاتفاق مع تركيا والدول الأوروبية حول المسألة المصرية، وذلك من خلال الاتفاق مع تركيا على أن الاحتلال العسكرى للبلاد سوف ينتهى فى تاريخ معين.
ولم تثر رسميًا مسألة الانسحاب مرة أخرى بعد حادث ١٨٨٧ حتى ظهور الحركة الوطنية ١٩١٩، وإعلان شبه استقلال لمصر، حيث أبرم القادة الوطنيون بعد الكثير من الإخفاقات مع الحكومة البريطانية معاهدة فى ٢٦ أغسطس ١٩٣٦ ذكرت مادتها الأولى: إن الاحتلال العسكرى لمصر من جانب قوات صاحب الجلالة الملك والإمبراطور قد انتهى، ولكن بموجب المادة الثامنة «رخص لحكومة صاحب الجلالة من جانب صاحب الجلالة ملك مصر ببقاء قوات على الأراضى المصرية بجوار قناة السويس بهدف ضمان التعاون مع القوات المصرية فى الدفاع عن القناة».