الخميس 02 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

لمصر.. ولمصر فقط

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
على مدى العقود الماضية، تراكمت بين الشارع المصرى درجة من السلبية السياسية.. افتقد الإحساس بالحافز الذى يدفعه للمشاركة نتيجة حالة عامة من الترهل على مختلف الأصعدة.
لم يعبأ الرأى العام بخطورة عواقب عدم إجراء إصلاحات اقتصادية على مستقبل الأجيال القادمة، ليبقى الاقتصاد المصرى غريقا فى دوامة الأخطاء المتتالية عشرات السنين.. غاب عن الشارع منذ أواخر الستينيات معنى المشاركة الحقيقية بالجهد والمال فى بناء وطنه.. حتى جسور الثقة فى حكوماته المتتالية أصابها الوهن والتوجس.
مناخ السلبية لا يحمل وزره طرف واحد.. حكومات العقود الماضية لم تقدم الكثير من أجل استقطاب الشارع المصرى وبناء جسور الثقة المتبادلة بينهما، بالتالى بادلها هو عدم الاهتمام.. اختار قصر اهتمامه على أعباء حياته اليومية بدلا من نشر ثقافة ممارسة حقوقه السياسية.
الأحداث والتغييرات التى عاشتها مصر منذ عام ٢٠١١، حتى استعاد شعبها بلده فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣، أفرزت حالة مختلفة ألقت بظلالها حتى على نطاق الاستحقاقات الانتخابية وتأثرها بطبيعة الظروف والتحديات التى تحيط مصر، دون المساس بنصوص الدستور الحاكم لقواعد هذه العملية.
على صعيد الثقة بين المواطن ونظامه السياسي، الاستجابة الفورية والحاشدة للشارع أرسلت عدة إشارات واضحة على رغبة المواطن ممارسة دور الشراكة فى مختلف مشاريع تنمية وطنه، بعدما استشعر بوعيه وفطرته أن مساهماته بالمال والجهد ستعود له وليس لصالح شريحة محددة. أمنيا، تيقن الوعى العام أنه فى مواجهة «عصابة» سرعان ما قام بإقصائها، لتنتاب أفرادها «هيستيريا» إراقة الدماء بعدما أصابها اليأس من تحويل مصر إلى ساحة خراب وفوضى.. «عصابة» تعتنق عقيدة أنها فقط «أمة المسلمين» وليست «أمة من المسلمين».. وحدها تملك حق التكفير وإراقة الدماء.
هذه الانتخابات تحولت بحكم الواقع السياسى من منافسة تقليدية بين مرشحين إلى حالة تعبئة ومواجهة بين شعب و«عصابة» لا يجب تكرار الوقوع فى خطيئة التقليل من قدراتها الإجرامية. صوت الناخب اليوم لا يقتصر على مجرد التوجه إلى صناديق الاقتراع، كما لا يحتمل سلبية من ينتهجون رؤية مخالفة أو معارِضة.. فالرهان اليوم على وطن وترسيخ نظام سياسى صلب يسمح بالبحث فى إشكالية العوائق أمام وجود معارضة جادة قادرة على التأثير فى القرار السياسي.
فى المقابل، المطلوب من الحكومة بذل جهود موازية لإثراء حالة الجدل والنقاش فى مواجهات مباشرة بين المواطن والمسئول.. مثل هذه المبادرات ترسِخ أواصر الثقة بين الطرفين، كما تسهم فى خلق مناخ يسمح بظهور كوادر سياسية أو تحالفات قادرة على سد الفراغ الذى تعانى منه المعارضة، وتوسع نشر ثقافة المشاركة السياسية بين الأجيال. اللافت للنظر أن تكرار دعوة المصريين إلى الاتحاد تحمل إشارة إلى طبيعة التحدى الذى فرض نفسه على انتخابات اليوم.. هى مصير وطن وليست قضية أشخاص، مواجهة بين ميليشيا تنظيم مستعد للمضى إلى أقصى درجات التطرف من أجل حكم مصر ولو على أشلاء ودماء أبنائها وتحويلها إلى خراب وفوضى.. وشعب عليه إكمال الرسالة القوية التى وجهها للعالم عام ٢٠١٣ واستعاد على أثرها هوية وحضارة بلده من كارثة السقوط فى يد هذا التنظيم.
أبرز ما يثير الدهشة ذلك التناقض الصارخ عند بعض الداعين إلى المقاطعة.. يتحسرون على العمليات الديمقراطية فى كل بلدان العالم، لكنهم على طريقة «لا تقربوا الصلاة» يتجاوزون عن ارتباط الموقف الإيجابى بالحقوق، إدلاء الناخب برأيه فى الانتخابات هو الضامن لحقه فى المشاركة السياسية مستقبلا، لذا غالبا ما تكون نسب المقاطعة ضئيلة جدا بين ديمقراطيات العالم.. فالمنطق فى الإقناع يقتضى الاقتداء بالتجارب الديمقراطية بدلا من الدعوة إلى اتخاذ مسار مناقض لها!. أما إذا كانت مزاعمهم حول عدم وجود كيانات معارضة، فإن التاريخ لم يشهد مسبقا تشكيل كتلة معارضة عن طريق إسقاط حقوقها فى المشاركة السياسية!. المؤكد أن دافع المروجين لفكرة المقاطعة ينطلق من رغبة بث سمومهم الانتقامية تجاه أشخاص.. ولتذهب مصلحة الوطن فى بناء عملية سياسية إلى الحجيم!.
الإيجابية التى طرأت على الشارع المصرى نتيجة التغييرات التى عاشها بين عامى ٢٠١١ و٢٠١٣.. هى ازدياد مساحة الوعى السياسى والإحساس بأهمية التفاعل مع ما يحدث حوله.. احتشاد الناخبين أمام اللجان يتجاوز الرسائل العادية إلى حالة دفاع آخر لا تقل أهميته عما قام به الشعب منذ أربعة أعوام، قضية الناخب اليوم الحفاظ على مشروع الدولة الوطنية الموحدة فى مواجهة محاولات شرسة لضم مصر إلى قائمة الدول الفاشلة أو المنقوصة السيادة.