الإثنين 27 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ملفات خاصة

زينات صدقي.. مشاهد من حياة بنت بحري

ماهر زهدى يقدم قصة حياتها فى كتاب جديد

 صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
«الموسوسة بالنظافة» تزوجت 3 مرات.. وكفلت ابنة شقيقتها.. وتلقت علقة دموية من فتحية أحمد

«أيوة إعلان جواز يا حبيبتي، عذراء هيفاء حسناء، ولهاء دعجاء سمراء فيحاء، فى العشرين من ربيعها الوردى الزاهر المزدهر، تملك سيارة وفيلا ودار أزياء، ملفوفة القوام كغصن اللبان، تطلب زوجا مش ضرورى جامعيا، ثقافيا إعداديا إلزاميا أهو راجل والسلام، الإمضاء مراهقة».. من ينسى تلك الجملة الشهيرة لفاكهة السينما المصرية الفنانة القديرة «زينب محمد سعد» الشهيرة بزينات صدقى، عبر أكثر من جيل سواء كان قد عاصر زينات وشاهدها على خشبة المسرح، من أول كازينو بديعة مصابنى مرورا بفرقة نجيب الريحانى المسرحية، وصولا إلى فرقة يوسف بك وهبي، أو فى دور العرض السينمائى. 
وحتى الأجيال الحالية، ما زالت لا تفوت فرصة لمشاهدة أفلامها، سواء على شاشات الفضائيات أو عبر وسائل الاتصال الحديثة، فكل هؤلاء ما زالت محفورة فى وعيهم إفيهات وعبارات زينات، ومن ينسى السباب المهذب الذى وجهته لإسماعيل ياسين فى فيلم «ابن حميدو»: «الوحش الكاسر الأسد الغادر إنسان الغاب طويل الناب»، أو الأخرى التى كانت من نصيب عبدالسلام النابلسى: «يا مُهدَى إلى الحديقة يا وارد إفريقيا يا مجنون بالأقدمية يا واخد السراية بوضع اليد»، فى فيلم «شارع الحب»، وغيرها من عباراتها الأثيرة ومنها: «يعنى أنا اللى هفضل كده من غير جواز؟! ده حتى مش كويس على عقلى الباطن، يا روح الرووووح.. يختى جماله حلو يختى دلاله حلو، حسب الله حسبولو حسبولى.. املالى الوسادة الخالية-بتبصلى كده ليه والمكر جوا عينيك؟ ياختى جماله حلو شبابه حلو، كتاكيتو بنى، يا سارق قلوب العذارى، عوّض عليا عوض الصابرين يا رب، أنا قلبى ليك ميال ولا فيه غيرك ع البال إنت وبس اللى حبيبى».
فى كتابه «زينات صدقى.. سيرة درامية» الصادر مؤخرا عن مركز المحروسة للنشر، يقدم المؤلف «ماهر زهدى»، عبر ما يقرب من ٣٠٠ صفحة، سيرة فنية أقرب للسيناريو يتتبع فيها حياة زينات صدقى منذ النشأة الفنية وقبلها بقليل، ويمهد للمناخ الذى ولدت فيه زينات فى حى بحرى بالإسكندرية، الذى يكاد يكون الحى الوحيد المحاط بالبحر من ٣ جهات، ورغم أن تلك الطبيعة المكانية أجبرت ساكنيه على العمل فى مهن الصيد وصنع الشباك والسفن، كان من طراز فريد، حيث يتفرد بوجود أماكن تجمعات صفوة المجتمع، مثل نادى اليخت، النادى البحرى اليوناني، بل ويقع فيه قصر رأس التين أفخم قصور مصر الملكية. 
تكشف خلفية «زينات» الخاصة بعشق والدتها «حفيظة حسن» للعزف على آلة العود، سر تعلقها بالفن منذ أن كانت طفلة، ورغم أن الأم حفيظة كانت تعزف على العود فى الخفاء بعيدا عن أعين عائلة زوجها خاصة «سِلْفتها» إلا أنها كانت تحظى بأوقات خاصة تمارس فيها حبها للموسيقى، فكانت تنظم سهرات لبعض جاراتها ممن تثق فيهن وتظل تعزف طوال الأمسية، ولاقت استحسانا كبيرا من الجميع خاصة طفلتها زينات. 
«آنى عاوزة نقولك على حاجة مخوفانى يا سى محمد، حاجة إيه يا حفيظة.. إيه اللى مخوفك ما تتكلمى قلقتيني، البنت دى حيرتنى معاها (تقصد زينات) قصدك مين.. زينب؟ أيوا نكونوا مغيرين لها وواكلة وشبعانة وبعدين نلقاها تفضل تعيط وتشيل وتنكت فى نفسها، ندوها صدرى ما تسكتش، ندوها السكاتة ماتسكتش، نقفوا بيها فى التراسينا وهى على صرخة واحدة، أحطها جنبى وندق على العود، هى تسمع العود من هنا وكأن نزل عليها سهم الله، لا حس ولا نفس، عينيها مفنجلة آد كده وودانها مطرطأة تسمع وساكتة، تسمع صوت العود تسكت.. يسكت العود تعيط، يا سلام ودا اللى مخوفك؟ أيوة خايفة تكون البنت فيها حاجة بسم الله الحفيظ، ههههه متخافيش دا مش الأم بس هى اللى مزاجها عالى دا البنت كمان طالعة مزاجها عالى زى أمها».
دار هذا الحديث بين والدى زينات، وأكثر ما يلفت النظر فيه هو شخصية الأب المحب للفن بعكس إخوته الذكور، حتى إنه كان شديد التعلق والولع ببناته وزوجته، فرغم أن زوجته ولدت له خمس بنات هن: سنية، رسمية، دولت، فاطمة، وزينب، إلا أنه لم يفكر بالزواج من أخرى لتنجب له ولدا يحمل ذكره بين الناس، وهى المخاوف التى كانت تنهش زوجته حفيظة لكنه خيب ظنها السيئ فيه، ولم يقترن بسواها حتى مماته. 
تعلق محمد سعد بطفلته زينب وولعه الشديد بها من بين شقيقاتها، جعله يستجيب لرغبتها ويصطحبها معه إلى المقهى، حيث شاعر الربابة «تمام السوهاجى» وأعضاء فرقته، لتدخل زينات ذاك العالم السحرى وتلتقط السيرة الهلالية لتحفظ أشعارها عن ظهر قلب، وتفاجئ رواد المقهى بإلقاء ما حفظته فتسحر الأذان وتأسر القلوب، لكنها تتلقى صفعة من عمها الذى اعتبر أن بنت شقيقه محمد مستهترة وتجلب الفضيحة على العائلة، لمجرد سماحه لطفلة لم تتجاوز الخامسة من عمرها إلقاء الشعر فى مقهى عام.
«من إمتى بنات عيلة الفولى بتخرج ولا تشوف الشارع؟ البنت دى من بكرة تروح كتاب الشيخ جلهوم اللى جنب البيت زى إخواتها ما اتعلموا فيه، تحفظ القرآن وغير كده مافيش خروج ليها»، هذا العم قاسى القلب سيكون له دور كبير فى حياة زينات، خاصة بعد وفاة والدها واستيلائه على ميراثهن وتركهن وزوجة أخيه بدون غطاء مالى أو حتى مجرد سؤال عنهن وعن حياتهن، ومن أين يأكلن ويشربن. 
وعندما تقرر زينات العمل كمطربة فى الأفراح تخفى هويتها واسمها الحقيقي، وتستعير اسم والد صديقتها «خيرية» ليصير «زينب صدقى» إلا أن عمها يكتشف عملها بالغناء فيطاردها حاملا سكينا لينتقم منها لأنها أساءت لسمعة العائلة. 
تضطر زينات لهجر بيتها بصحبة أمها، فاستأجرتا منزلا بعيدا عن أسرتها التى تطاردها، تزامن مع هذه الخطوة التحاقها بتياترو «محمد على» فى زيزينيا لصاحبه الخواجة «إيليانو» مقابل جنيهين فى الأسبوع، ولمع نجم زينات وأصبحت واحدة من أشهر مطربات ملاهى وكازينوهات الإسكندرية خاصة بعد تعاقدها مع ملهى (اللونا بارك) ليصبح راتبها ٤ جنيهات فى الأسبوع.

عدة محطات فى حياة زينات صدقي تركت علامة فارقة فيها، وأولى هذه المحطات جاءت مع لقائها بالعملاق زكى طليمات مصادفة، بعد انتهاء تعاقدها مع تياترو مونت كارلو، وترى إعلانا عن افتتاح معهد أنصار التمثيل والخيالة بمنطقة رشدي، وستبدأ الدراسة فى الخامس من نوفمبر ١٩٣٠. 
تنتظم زينات فى المعهد إلا أن الرياح تأتى بما لا تشتهى السفن، حيث تقرر الدولة إغلاق المعهد صيف ١٩٣١ بحجة مخالفته للآداب، فتزعمت زينب الطلاب الذين راحوا يهتفون ضد الحكومة ويطالبون بإسقاطها، وخطب طليمات فى الطلاب منددا بموقف الحكومة ومدللا على قيمة الفن والفنانين والعلاقة السرية بين أهل الفن وأهل السياسة، ليس هذا فقط، إنما أسس جمعية لدعم الحركة المسرحية وأطلق عليها اسم «جمعية الحمير» تحديا للقصر الملكي، مشيرا إلى أن الحمار أكثرا قدرة على التحمل وأن الجمعية وأعضاءها مستعدون للتحمل مثله، وربما أكثر منه فى سبيل أن تصل رسالتهم من أجل الفن والمسرح، وضمت الجمعية فى عضويتها كتابا وفنانين منهم: طه حسين، العقاد، توفيق الحكيم، وغيرهم ممن تعاملوا مع الجمعية بجدية كبيرة. 
كان لقاء زينات بطليمات نقطة التحول فى مشوارها الفني، حيث اكتشفت شغفها بالتمثيل ووجدت نفسها فيه وليس الغناء كما كانت تظن، على أن المحطة الأكثر أهمية جاءت مع الضاحك الباكى «نجيب الريحانى»، حيث تم اللقاء عبر بديعة مصابنى، وكانت زينات قد عملت لبعض الوقت فى تياترو بديعة، إلا أنها لم تكن ترتاح لكونها راقصة وأخبرتها عن رغبتها فى التمثيل. 
قدمت بديعة زينات للريحانى، رغم أنهما كانا قد انفصلا، الذى غير اسمها من زينب صدقى إلى زينات صدقى، نظرا لوجود الفنانة زينب صدقى ضمن فرقته المسرحية. 
لم يكن الريحانى مجرد مدير أو صاحب فرقة مسرحية فقط، إنما كان بمثابة الوالد أو الأخ الأكبر لكل فريق عمله، فعندما واجهت زينات مشكلة السكن تنازل لها الريحانى عن شقة كان قد حجزها لنفسه فى عمارة بجوار مسرحه، بل وحدد لها راتبا قدره ١٢ جنيها شهريا، تتدرج زينات من كومبارس صامت إلى متكلم إلى أن يوصى الريحانى رفيق عمره ومؤلف أعماله «بديع خيرى» بكتابة أدوار خصيصا لها، خاصة بعد ما أظهرته من ذكاء باقتراحها على الريحانى بتعديل مسرحيته «الجنيه المصرى» لتلائم ذوق الجمهور الذى لم يكن مهيأ للأعمال التى تتناول الأوضاع الاقتصادية والسياسية فى تلك الفترة.

ثلاث زيجات فى حياتها لم تثمر أطفالا، كانت الأولى من ابن عمها الطبيب، الذى كانت تحسدها عليه بنات العائلة، إلا أنها انتهت فى أقل من عام بالتحديد ١١ شهرا، نظرا للتباين الشديد بين الشخصيتين فى كل شيء، أما ثانى أزواجها فهو الملحن إبراهيم فوزى، الذى زاملها فى فرقة الريحانى المسرحية، ولم يدم أكثر من ٣ أشهر وانتهى بإجبارها على الاختيار بينه وبين عملها، أما ثالث زيجاتها فكانت من أحد ضباط ثورة يوليو وانتهى سريعا أيضا، خاصة أن أعمال زينات الفنية زادت حتى إنها وصلت لتصوير أكثر من ٣ أفلام فى الشهر الواحد، تخرج من هذا البلاتوه لتدخل آخر ولا تحظى بعدد ساعات نوم أكثر من أربع ساعات. 
كانت زينات تخاف من المرض والوحدة، فأخذت على عاتقها تربية ورعاية ابنة شقيقتها «نادرة»، والتى أسمتها بذاك الاسم تيمنا باسم بطلة فيلم «أولاد الذوات»، نشأت نادرة فى كنف خالتها زينات وحتى بعدما تزوجت أقامت معها فى شقتها حتى لا تتركها وحيدة، خاصة بعد وفاة الأم حفيظة. 
كما عرف عن زينات وسواس النظافة، فكانت ترفض أن تسلم على أحد أو تشرب أو تأكل خارج المنزل، وهو ما كان مادة للتندر بينها وبين موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب، الذى يشاركها نفس المرض، ويشير ماهر زهدى إلى واقعة حدثت بين زينات والعندليب عبدالحليم حافظ، ففى إحدى المرات وأثناء تناولها الغداء الذى كانت تحمله إليها نادرة من البيت، مر بها عبدالحليم فعزمت عليه لكنه أخرج من جيبه عدة أدوية هى كل ما يجب أن يتناوله، فحزنت زينات وأعادت الطعام كما هو. 
من المواقف التى تنم عن نبل وأصالة معدن تلك الفنانة العظيمة، ما حدث بعد رحيل المخرج «كمال سليم» عن ٣٢ عاما، ولم يستكمل فيلمه الأخير «قصة غرام»، وكانت تشارك فيه زينات صدقي، فوفاة سليم لفتت انتباه زينات إلى ضرورة شراء مدفن للعائلة: «يعنى يا أمى لما أموت هتستنوا لما تسافروا بيا كل الطريق ده لحد إسكندرية؟» وبالفعل تشترى المدفن، لم تضع عليه لافتة تحمل اسم أسرتها، إنما كتبت عليه عبارة «مدفن لكل عابر سبيل»، وأوصت حارس المدفن أن يسمح بدفن أى إنسان ليس لديه مدفن خاص به أو بعائلته، وكان أول من دفن فيه هو زوجها السابق إبراهيم فوزى خاصة أن أحدا لم يستدل له على أقاربه أو أهله.

فى بداية رحلتها الفنية سافرت زينات إلى بر الشام «سوريا ولبنان» ووقعت لتياترو «الباريزيانا» واشتهرت باسم الست زينب المصرية، فى تلك الفترة لم يكن لها أغنيات خاصة بها فلا مؤلف هناك أو ملحن، فكانت تغنى أغنيات الآنسة أم كلثوم والأستاذ محمد عبدالوهاب والملكة فاطمة رشدي، ومطربة القطرين فتحية أحمد، وحدث أنها كانت تغنى أغنيات الأخيرة والتى صفقت لها بحرارة، إلا أنها بعدما غنت الأغنية الثانية فالثالثة، حتى وصلت للأغنية السابعة من أغانى فتحية أحمد، حتى فوجئت بها خلفها تصفعها حتى طرحتها أرضا، ولفت شعرها حول يدها ثم سحبتها على أرضية المسرح ولم يستطع أحد أن يخلصها من يد فتحية التى ألقت بها إلى الصالة وأخذت تنهال عليها باللكمات والضربات إلى أن خلصها عمال التياترو من يد فتحية لتخرج على المستشفى فى حالة متدهورة جدا نتج عنها وضع جبيرة لذراعها اليمنى لمدة أسبوعين.