رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

لغز ياسر عرفات

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أترجم للقراء عن الإنجليزية كثيرًا عن ياسر عرفات، لغز فى الموت كما فى الحياة. الرجل الذى مثل القضية الوطنية الفلسطينية، ولِد فى القدس أو غزة أو القاهرة، وتوفى فى مستشفى عسكرى فرنسى فى (نوفمبر) ٢٠٠٤.
ما سبق الفقرتان الأوليان من تحقيق عن متحف عرفات فى «المقاطعة» فى رام الله، كتبته مراسلة «نيويورك تايمز» إيزابيل كيرشنر، وهى يهودية وموضوعية عادة.
عرفات ولِد فى القدس، واسم عائلته القدوة. كانت بين الجيران فى القدس أسرة أبوالسعود، وقد حدثنى الأخ خالد أبوالسعود، المستشار المالى لأمير الكويت الراحل جابر الأحمد الصباح، رحمهما الله، عن معرفته ياسر عرفات وهما طفلان، ووصف لى بيت أسرته، وقال إن والد ياسر عمِل فى القاهرة.
قبل أيام حدثت الأخت سهى عرفات، أرملة الرئيس الفلسطينى الراحل، فى مالطا، كما أفعل بين حين وآخر. هى وأنا وكثيرون على قناعة تامة بأن الإرهابى آرييل شارون قتله بسمّ بولونيوم - ٢١٠ المشعّ، فقد كان الإسرائيليون يفحصون كل ما يدخل «المقاطعة»، ولا شيء أسهل من تسميم ما يأكل ياسر عرفات أو يشرب. الأخ ناصر القدوة، ابن شقيقة ياسر عرفات، يرأس الآن مؤسسة عرفات، ويقول إن المتحف يضم غرفة نوم الرئيس الفلسطينى الراحل فى «المقاطعة» كما كانت تمامًا.
المقال المنشور ومقال آخر فى «واشنطن بوست» يصفان غرفة نومه، وأترجم عن الجريدة الثانية: فى غرفته هناك سرير حديدى مفرد فى زاوية، وقربه سجادة صلاة إسلامية تقليدية فوق كرسى خشبى، وفى المقابل خزانة تضم أربعة ألبسة عسكرية ومجموعة من الكوفيات، أى غطاء الرأس العربى التقليدى الذى أصبح رمز الرئيس الفلسطينى.
هذا الكلام يتفق مع ما أعرف عن غرفة نومه فى مقر عمله فى الفاكهانى أيام كان فى بيروت. دخلت غرفة النوم تلك مرات عدة، وما أزيد هو أن سرير عرفات المعدنى المفرد الذى عرفته كان من نوع عسكرى وعلى دواليب صغيرة. وكان يجرّ السرير إلى ممر فى الخارج وينام بعيدًا من غرفة نومه خوفًا من أن يُطلق عليها صاروخ. الغرفة التى عرفتها كانت مفروشة بسجاد وفيها خزانة صغيرة تضم ثيابه، وإلى جانب السرير طاولة ومقعد وبعض أوراق عمله.
قرأت أن مجلة «تايم» اختارت عرفات لغلاف أحد أعدادها سنة ١٩٦٨، وأنه خطب فى الأمم المتحدة سنة ١٩٧٤ وقال إنه يحمل غصن زيتون وبندقية مقاتل فى سبيل الحرية، وطلب ألا يسقط غصن الزيتون من يده.
أول مرة رأيت عرفات كانت فى مخيم الوحدات فى عمّان بعد نكبة ١٩٦٧، وهو حدثنى عن طموحاته، وكنت أحمل كاميرا كوداك عليها ضوء مربع يدور مع كل صورة، ما يعنى أنه يضيء أربع مرات. وقد طلب آخرون أن أصورهم معه، وفعلت مع إدراكى أن الصور لن تكون واضحة لأن الضوء انتهى مع الصورة الرابعة.
سرنى أن المتحف ضم إشارات إلى «اضطهاد اليهود فى أوروبا» فالمحرقة النازية حصلت وقتِل فيها ملايين اليهود. الرقم الرسمى ستة ملايين، وليس عندى دليل آخر فأقبله. كان عرفات يرى أن اليهود الأشكناز غزاة لا حق لهم فى ذرة تراب من أرض فلسطين. وعشت لأقرأ الكتاب «عندما قابل ف. د. ر. (روزفلت) ابن سعود» الذى كتبه وليام إدى وكان المترجم بين الرجلَيْن على ظهر المدمّرة الأمريكية كوينسى فى البحيرات المرّة فى قناة السويس. روزفلت طلب من الملك عبدالعزيز أن يسمح بدخول اليهود فلسطين، ورفض ملك السعودية قائلًا إن العرب لم يفعلوا شيئًا ضد اليهود، وأن الألمان قتلوهم، والعدالة تقضى أن يعطوا بيوت الألمان.
ياسر عرفات قبِل مشروع السلام الذى عرضه عليه بيل كلينتون فى الأسابيع الأخيرة له فى البيت الأبيض، إلا أن رجال منظمة التحرير فى غزة قالوا له: «بَعِد بدّها غَلوِة»، فى إشارة إلى القهوة، والنتيجة قدوم شارون إلى الحكم واغتيال ياسر عرفات. القضية لم تمت معه فهى حيّة ما حيينا.
نقلًا عن الحياة اللندنية