رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ولي الدين يكن.. ابن الأخت المشاكس "3"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يمضى بنا ولى الدين يكن ليتحول من مدافع عن الحرية إلى صراع طبقى يلتزم بالدفاع عن العمال والفقراء، فيكتب فى مقال أعاد نشره فى كتابه «الصحائف السود» مقالًا بعنوان «العمال فى البلاد العثمانية»، وقال إنه كتبه ردًا على رسالة بعثها إليه عامل عثمانى يدعوه إلى نصرة العمال ونقرأ «أيها الأخ العامل.. لبيك أهلًا، هذا يمين الإخاء أمده إليك، فإن كنت خاطبًا ودًا الود لك، وإن كنت شاكى ظلم فيراعى لسانك وبيانى ترجمانك وأنا وحياتى نحميك من المخاوف». 
ويمضى قائلًا: «ادخل حجرة الوزير تلق بها الأوانى الذهبية فى نقوشها وتصاويرها على الخوان البديع المصنوع من خشب الجوز مطعما بالفضة، وهو مضجع على سرير أقل مسمار فيه أغلى من مالكه ثمنًا وأنفس قدرًا، وهو يحسب أن العامل يدور كاللولب لا يجهده تعب، ولا يضنيه كدر، ولو رآه فى معمله متفصدًا جبيه عرقًا مشمرًا ساعدين مفتولين عزما.. لأخذه الفزع ولخارت قواه إزاء هذا المشهد الرهيب»، ويمضى ولى الدين متحدثًا عن أحوال العمال «أن بين الحيطان السود وتحت سحب الدخان، وأمام النار التى يلهبها الكير، وتحت أعماق من الأرض، رجال شعت النواصى، غُبر الوجوه، تباعد عن أجسادهم النعيم وابتعدت عنهم السعادة، يخدمون بنى الإنسان وكأنهم هم ليسوا من بنى الإنسان. 
أما الأمير الجليل فيمر فى عربته التى تقودها الخيول المطهمة تسابق الريح فيشيح بوجهه عن هذا المسكين البائس.. المجد المجتهد، وإذ يرى ملابسه الرثة، ووجهه الشاحب يكاد أن يعاتب الله كيف خلق خلقًا مثل هؤلاء الناس، ولو أنصف لذهب إليه مغادرًا علياء مركبته وبادر إليه لثما وتقبيلًا وأركبه إلى جواره، فهو إذ يتلطف به ليس بمتلطف بآثم أو بمتسول، وإنما يتلطف بسيده وولى نعمته، الذى بكده وتعبه يطعم هذا الأمير ويكسوه ويسقيه».. ثم تكاد كلماته أن تصرخ وهو يقول: «من أراد أن يظلم العمال فليجرب ويستغن عن العمال أو ليعلن هؤلاء الكبراء والأوسمة تشرق على صدورهم والملابس المخملية تكاد تتوهج على أجسادهم، وهم نجوم أفق الدولة ودرر عقدها المنظوم ليعلنوا أننا نستغنى عن العمال وإذا خلعنا هذه الملابس الباهرة توجهنا إلى المعامل وشمرنا عن سواعدنا، فأنتجنا لأنفسنا، ولينتج العمال لأنفسهم، وهنا سوف يعلم كل طرف مقدار نفسه». ثم يتوجه يكن إلى قادة الرأى صارخًا: «يا نواب الأمة، يسألكم خلاَّق الأمة؟ ماذا تريدون بالأمة انظروا إلى حاجة البلاد فأنيلوها حاجتها. ولا تنطقوا اليوم بما يستدعى خجلكم غدًا. إن العمال ينتظرون، ورجال القلم من نصرائهم ينتظرون فإن ابتعدتم عن سبيل الرشاد قلنا وفعلوا وصحنا ففزعوا». ثم يختتم ولى الدين رسالته: «إن كان هذا يكفيك أيها الأخ العامل العثمانى فإنى أحمد الله على خدمتك وخدمة إخوانى». والحقيقة أن كتابات ولى الدين يكن كانت شديدة الوطأة، إذ تأتى من واحد من أبناء الطبقة الأرستقراطية العثمانية، وإذ حاول البعض أن يقنعه بأن لا جدوى مما يقول به يرد عليه بعبارة خالدة هى «أن ما ينقش على الورق، ينقش على لوح الأبد». ولعل من حقنا أن نبحث عن ذلك الحلم الذى كان يراود ولى الدين يكن وهو يخوض معاركه القلمية، ونفتش فى كتاباته لنكتشف هذا الحلم «أريد مجتمعًا لو أنفقت أمواله فى تعليم الأولاد لصاروا كالأنبياء، ولو بذرت فى الأرض لنبتت السنابل ذهبًا، ولو أنفقت على الفقراء لأصبح الشحاذون يشترون ملابسهم من محال ريبو ويفطرون على الشكولاتة». ويبقى بعد ذلك أن تأتى بعبارات وأبيات شهر من كتابات ولى الدين يكن التى صاغها من أنفاس تعشق العدل والحرية والمساواة.. ونقرأ معًا:
■ الحرية عدوة الملوك وحبيبة الشعوب. 
* مساكين هم أنصار الأحرار يريدون أن يخلصوا العباد من الظلم فيقعوا هم تحت الظلم. 
■ ثم هو يصيح شعرًا فيقول: 
اغمدوا البيض يا ملوك البلاد 
ما تريدون من رقاب العباد 
إن هذه الأرواح ليست رعايا 
حسبكم أسر هذه الأجساد 
كيف يحيا الملوك فى مهرجان 
والرعايا لديهم فى حداد 
.. وأخيرًا ثمة عبارة وجدتها فى كتابه لولى الدين يكن تؤكد لنا أنه لم يقل كل شىء، وإنما كان يلمح إلى ما لا يستطيع التصريح به فيقول: «وإذا وهب الله أقوامنا من الترقى أكثر مما نالوه، وبقيت أنا حيًا بينهم لكلمتهم بما يخالج صدرى تصريحًا لا تلميحا».
فماذا كان سيقول لو قال تصريحًا لا تلميحًا.