رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

غالي شكري.. مرة أخرى "4"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ونمضى مع غالى شكرى فى كتابه المشاكس «العلمانية الملعونة» ويتحدث شكرى فى ١٩٨٩ وكأنه معنا الآن.
فالدول العربية بأنواعها المختلفة (جمهوريات- ملكيات- إمارات) تقوم بالضغط على المثقف العلمانى أو المتحرر أو المجدد، ما أدى إلى تراجع البعض أفرادا وأحزابا وتنظيمات، خوفا أو مجاراة أو إمساكا للعصى من المنتصف. وتصاعدت حدة الإرهاب للعلمانيين، وكانت «أقنعة الإرهاب الفكرى متقنة إلى درجة يستحيل عندها تقييد الجريمة ضد شخص أو فكر أو جهة محددة. ذلك أن الأقنعة الأيديولوجية للإرهاب قد تكون وطنية أو قومية أو دينية. ولذلك أيضا لم تكن مواجهة هذا الإرهاب الفكرى مجرد دفاع عن العلمانية أو الديمقراطية أو الاشتراكية، بل أصبحت فى المقام الأول محاولة تفكيك خيوط الأقنعة وإعادتها إلى خاماتها الأصلية وموادها التى صنعوا منها نسيج الإرهاب»، ثم يقرر «نحن فى واقع الأمر فى عصر الأسئلة الكبرى، وليس من أحد أو فكرة أو هيئة أو نظام أو تجربة أو رؤية تملك الحقيقة وحدها». (ص٣٥)، ثم يمضى غالى شكرى ليفتح صفحة مفارقة بالغة الأهمية، فيقول: «يفترض القطاع الأكبر من الفكر الدينى السلفى الراهن، أن دول العالم الإسلامى الراهنة عامة، والوطن العربى خاصة تحكمها العلمانية باستثناءات محددة، كإيران والوضع فى باكستان ضياء الحق، والوضع فى سودان النميرى. بينما يبنى بعض العلمانيين دفاعهم أو هجومهم على أساس أن هذا العالم الإسلامى فى مجمله والجزء العربى منه تحديدا تحكمه الثيوقراطية، ولا يعدم كلا الفريقين البراهين التى تثبت دعواه، فلا ريب أن هناك قوانين وضعية فى أغلب الأقطار الإسلامية والعربية، ولا ريب أن هناك تشريعات أو شرائع دينية فى هذه الأفكار ذاتها. ومن ثم فالفريقان كلاهما يستطيع دعم ما يذهب إليه من المنظور القانونى والبحث».
وإذ ترتفع علامات الاستفهام يكون رد غالى شكرى جاهزا «القانون على أهميته لا يصلح وحده أن يكون مقياسا لحضور العلمانية أو غيابها، لأن العلمانية والثيوقراطية كلتاهما جزء من كل. فكل منهما أحد عناصر النظام السياسى والاجتماعى والثقافى للدولة والمجتمع. كذلك فإن تجليات أى منهما لا تظهر فى الجانب التشريعى وحده وإنما فى مجمل النظام القيمى وفى مختلف الأنساق المعرفية والسلوكية للأفراد والمؤسسات (ص٣٧). ثم يستكمل غالى إجابته و«الافتراض الذى تتأسست عليه مجموعة الاحتمالات وحركة البدائل واتجاه الترجيحات، هو أن ثمة تداخلا بالغ التعقيد بين بعض قشور العلمانية وبعض عناصر الثيوقراطية فى البنية الأساسية لهذه البلدان» (ص٤٧).. ويمضى بنا غالى شكرى ليتوقف أمام مرحلة ما سماها الثورة المضادة فى مصر، ويقول: «وقد تسللت الثورة المضادة من منافذ عدة فى طليعتها غياب الإبداع الديمقراطى، وتغييب القوى الاجتماعية صاحبة المصلحة والمستقبل. والفجوة بين الواقع والشعار، والاعتماد على المعالجات الأمنية لمسائل الفكر. ولأسباب عديدة كانت مصر مركز الثورة المضادة، كما كانت لذات الأسباب مركزا للثورة، ولكنها فى الحالين كانت تؤثر سلبا وإيجابا على بقية أنحاء العالم العربى. وكان أول إنجازات الثورة المضادة الانفتاح على السلفية القديمة (الإخوان) والجديدة (الجماعات)، ودعمها فى مواجهة القوميين والديمقراطيين والماركسيين، ولم يكن من قبيل المصادفة أن يتعاظم المد السلفى، وأن يعض اليد التى فتحت له أبواب السجون، ورفعت شعار العلم (الغرب) والإيمان (الإسلام)، وقد تداعت الأحداث من مصر إلى بقية أقطار الوطن العربى بالانتشار السياسى والإرهابى للسلفية الراديكالية، وتصاعد العنف المسلح فى شوارع القاهرة ودمشق والجزائر وتونس، وبعد كامب ديفيد كان التفسير الدينى للصراع العربى الصهيونى أبعد ما يكون عن التفسير الوطنى أو القومى، فقد كان الصراع ولا يزال عندهم صراعا بين المسلمين واليهود، ومن ثم فإن وجود المسيحيين على خريطة الصراع لن يكون لمصلحة الإسلام، بالرغم من الموقف الرسمى للكنيسة المصرية بمنع الأقباط من الحج إلى بيت المقدس، ولا بأس من أن يدفع المسيحيون الثمن باعتبارهم ذميين» (ص٥١).
ويعاود غالى شكرى الإلحاح على ثنائيات فيقول «قد يكون بيننا أحد اثنين علمانى على الطريقة البورقيبية المأخوذة عن كمال أتاتورك، وهى جزء لا يتجزأ من نسيج التبعية الصادمة للغرب. أو علمانى على طريقة النهضة التوفيقية التى هزمت، وحين أراد السادات بعثها تحت شعار دولة العلم والإيمان. تأكدت الهزيمة»، ولعل الملل قد أتى إلى وجدان غالى شكرى وهو يكتب ويكرر ويعاود التكرار فيصرخ فى وجه الجميع وكأنه يهتف «نحن نحتاج إلى علمانية تسهم فى الاستقلال والتحرير والبناء».