رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

من الأزهر الشريف "3"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
نواصل رحلة ممتعة نستفيد منها، ونتعلم حول موضوع التجديد، لنطالع آراء قد تختلف في تقارب، وقد تتقارب في اختلاف، لكنها جميعا تتفق في وحدة الهدف. ونبدأ ببحث للشيخ محمد رأفت عثمان، عضو هيئة كبار العلماء، وعنوانه: «التجديد في الفقه الإسلامى».
ويبدأ الشيخ مباشرة ليقول: «إحدى الصفات الملازمة للفقه الإسلامى أنه قابل للتجديد دائما في كل العصور، وذلك إنما يرجع إلى أن حقيقة علم الفقه هي الأحكام الشرعية العملية التي يستنبطها المجتهدون من الأدلة الشرعية التفصيلية، أي أن مجالها أعمال الإنسان وليس مجال العقيدة، ولما كانت أعمال الناس تأخذ في كثير من الأحيان صورا جديدة لم يكن لمن سبقهم من أجيال عهد بها، فإن هذه الصور الجديدة لا بد أن يقوم ببيانها علماء الإسلام»، ثم يمضى قائلا: «ومن المعروف أنه قد حصل التجديد من إمام كبير وهو الشافعى، فقد كانت له آراء في قضايا كثيرة وهو في بغداد، وعندما استقر في القاهرة تغير اجتهاده في كثير منها، وصار الشافعية يطلقون على فقهه البغدادى الفقه القديم، وعلى فقهه بعد دخول مصر الفقه الجديد»، ثم يستدعى الشيخ أسبابا للتجديد في أيامنا الجديدة، فيقول «العالم الآن يموج بقضايا في ميادين كثيرة جدا في الاقتصاد، واستثمار الأموال والطب والبيولوجيا والسياسة والفلسفة وغيرها، وكلها تحتاج إلى إظهار الأحكام فيها، فأصبحنا في حل من التمسك برأى فقهى سابق في مسألة بين فيها العلم رأيا آخر. فبعض الآراء الفقهية قالها أصحابها بناء على معارف عصرهم.. مثل: أقصى مدة الحمل تصل إلى أربع سنوات»، ويقول أحد الحنابلة وهو الشيخ البهوتى: «فإن ماتت حامل بجنين يرجى حياته، فحرام شق بطنها لإنقاذ الجنين، لما فيه من هتك حرمة لإبقاء حياة موهومة، فهو يرى أن حياة الجنين حياة موهومة، وأصبحنا في حل من هذه الفتوى، بعد أن أصبح من المتيقن التعرف على حياة الجنين ورؤيته وهو يتحرك» (ص: ١٠١)، ثم يمضى الشيخ مؤكدا أن «التجديد في الفقه الإسلامى يحتاج إلى الاجتهاد والاجتهاد لا يستعصى على علماء الأمة الآن». ثم يحدد مجالات مهمة للاجتهاد في أيامنا الحالية، ومنها «بيان أحكام الشرع فيما يطرحه الإرهابيون والمتطرفون من آراء يدعون أنها من الشريعة، وهى في الحقيقة شذوذ عن أحكام الشرع، ومنافاة صارخة لتسامحها، وانتهاك لإنسانية الإنسان ودينه ونفسه ونسله وعقله». ثم يقترح اقتراحا مهما هو أن تشكل لجنة من أعضاء هيئة كبار العلماء ومجمع البحوث الإسلامية تقوم باستقراء ما يطرحه الإرهابيون والمتطرفون من قضايا وتتبع ممارساتهم الإجرامية، ثم توزع هذه الموضوعات على أعضاء هيئة كبار العلماء ومجمع البحوث للكتابة العلمية في ذلك، كل حسب تخصصه، ثم يطالب الإعلام بكل صوره بأن يفتح أبوابه أمام علماء الأزهر الشريف، لبيان الباطل فيما يطرحه الإرهابيون هم والدخلاء على الإفتاء. ويطالب الشيخ بتنقية الكتب الفقهية من الآراء التي يظهر فيها الغلو، ويكون ذلك تحت عنوان «ملخص كتاب كذا» أو «تيسير كتاب كذا»، ويطلب الشيخ أيضا أن تعرض الأحكام الشرعية وآراؤهم التجديدية بأسلوب خال من الصعوبة، ويتفق مع فهم القارئ المعاصر، ليكون سهل الفهم على خواص الناس وعامتهم. ويعود الشيخ إلى ضرورة نقد الفقه القديم والتخلص مما به من تشدد، ويقول «فكيف نقبل ما يراه أحد فقهاء الشافعية من أن تارك الصلاة ينخس بحديدة أو يضرب بخشبة ويقال له صل وإلا قتلناك»، ولا يزال يكرر على ذلك حتى يصلى أو يموت. مع أن الله عز وجل يقول «وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها» (سورة طه: ١٣٢).
ثم نأتى إلى بحث آخر صاحبه الأستاذ الدكتور أحمد فؤاد باشا وعضو مجمع اللغة العربية وعنوانه: «تآزر الخطابين الدينى والعلمى للتعريف بالإسلام والدفاع عنه»، ويبدأ الدكتور باشا متصادما: «لماذا يسلط الضوء في عصرنا على تجديد الخطاب الدينى وحده دون الخطابات الأخرى؟ ألسنا بحاجة ماسة أيضا وبنفس الدرجة إلى تطوير الخطاب التربوى التعليمى، وإلى ترشيد الخطاب الثقافى والفكرى وإلى مراجعة الخطاب الفنى والإعلامي.. بعد أن انتاب هذه الخطابات جميعا الخلل والضعف والتلوث؟»، ويمضى متسائلا: «ألسنا بحاجة ماسة إلى أن يشهد واقع الأمة تجديدا واعيا ومدروسا للخطاب الحضارى وربطه بمواجهة تحديات العصر واستشراف المستقبل؟ وهو يؤكد أهمية تجديد الخطاب الدينى بسبب قدسية الدين، لكنه يؤكد أيضا أن اجتهادات تجديد الخطاب الدينى لن تؤتى ثمارها إلا بالتآزر والتعاون والتكامل مع كل جهود التنوير والأعمار في مختلف مجالات الحياة». ومن هنا ينطلق الدكتور باشا إلى تأكيد ضرورة أن يسعى الخطاب الفقهى للتجديد متآزرا مع الخطاب العلمى التنويرى مجتمعين، كى يوضحا معا الوظيفة الاجتماعية للعلم النافع في بحثه عن الحقيقة في إطار رؤية كونية حضارية إيمانية، ثم في تسخير ما يكتشفه من حقائق للتطبيق في أعمال نافعة للبشر، إذ إن «رسالة العالم لا تكتمل إلا بإعمار الحياة على الأرض وضمان إشاعة الخير والأمن والسلام بين الناس». ويختتم الدكتور باشا بحثه الجميل قائلا: «لا شك أن كل هذه المجالات تحتاج إلى توفير الكفاءات العلمية والمهارات الفنية وإلى التقنيات الحديثة على طريق التنمية الحقيقية للتربية والتعليم والبحث العلمى». ونواصل عبر أوراق الأزهر.