الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

هل يرضي الأزهر إهدار دم "البحيرى"؟!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
رغم كل محاولات رجال الأزهر لاغتيال الباحث المحترم إسلام البحيرى معنويا والتى لم ينقصها سبق الإصرار والتعمد بالتقول عليه وتحريف كلماته؛ إلا أننى كنت واثقا من أن الدكتور أحمد الطيب سيبادر إلى إصدار بيان شديد اللهجة يرفض فيه الخرف الذى دعا إليه شيخ الطريقة الشبراوية محمد عبدالخالق الشبراوى بوجوب إهدار دم إسلام البحيرى.
لكن "الطيب" خيب ظنى وبدلا من أن يستنكر جريمة الدعوة لقتل الناس بادر لتقديم بلاغ الى النائب العام ضد البحيرى وصمت عن ما يصفه القانون بالتحريض على القتل وهذا مايجعلنا نطرح سؤالا مشروعا... هل رضى الأزهر الشريف بما يدعيه من حمله لواء الوسطية بفتوى إهدار دم الرجل؟!!.
يبدو أننى أخطأت التقدير، فالبيان الذى أصدره الأزهر ضد البحيرى وما تبعه من محاولات لنشر أكاذيب بشأن أحاديث البحيرى والإصرار على إهانته للقرآن والإسلام زورا وبهتانا كلها أشياء كان من الطبيعى أن يلتقطها من مرضت قلوبهم ليترجموها لفتاوى بالقتل وليس من المستبعد أن يتلقفها سقيم العقل ليحولها لسلوك إرهابى وجريمة سفك دم برىء.
كل من خرجوا يناظرون "البحيرى" ممثلون لمؤسسة الأزهر لم تكن لهم سوى مهمة واحدة وهي إلباسه ما لم يقله بشأن إهانة الدين بشكل مباشر، لا محاورته أو مناقشته فى آرائه حول بعض العفن الذى ورثناه عن تراثنا الإسلامى، بل إنهم راحوا يدافعون عن ذاك العفن وكأنه أصل من أصول الدين لاجتهاد بشرى وفقه لأناس ليسوا معصومين عصمة الأنبياء.
غير أن الأمر يتجاوز بكثير الباحث الجاد إسلام البحيرى، فالحرب الدائرة ضده والحملة الشعواء التى تحاول النيل منه تكشف عن رسالة مهمة يريد الأزهر توجيهها لكل من يحاول تحليل وتفكيك الخطاب الذى دأب يدافع عنه ويروجه.
هى في واقع الأمر إنذار لكل مجدد بأنه سيلقى مصير البحيرى ومن سبقوه أمثال نصر حامد أبوزيد وفرج فودة.
إلا أن هذه الرسالة تكشف أيضا أن رجال الأزهر الشريف الذين رضوا بسكوتهم عن إهدار دم الباحث الشاب لم يرضوا عن دعوة الرئيس عبدالفتاح السيسى لتجديد الخطاب الدينى وتغيير المفاهيم التى تحمل عداء لكل ما هو غير مسلم، وأنهم وافقوه فقط من باب الرياء لكنهم فى واقع الأمر سيشكلون حائط صد ضد كل ريح تريد التغيير من أجل التنوير.
وتكشف تلك الرسالة حقيقة أخرى وهى أنه لا خلاف جوهرى بين منهج التفكير السائد فى الأزهر ومنهج جماعة الإخوان الإرهابية، فهم يدافعون عن ذات الأفكار والتوجهات ويتبنون نفس الخطاب، حتى إن ممثلهم الذى ناظر البحيرى فى برنامج "القاهرة 360" على قناة القاهرة والناس ويدعى الدكتور عبدالله رشدى ذكرنى بأسلوب دكتور جمال نصار أحد المتحدثين الإعلاميين باسم الجماعة الإرهابية والذى يعتمد المراوغة والإصرار على التدليس رغم وضوح زيف ما كان يدعيه فى المقاطع التى كان يستشهد بها من برنامج "مع إسلام".
كل ما يجرى الآن ضد إسلام البحيرى ليس إلا جانبا من حربنا ضد التشدد فكرا والإرهاب سلوكا، فالرجل لم ينكر الا ماشوه الدين ولم ينقد الا ماشكك فى العقيدة الصحيحة.
ولو كان كل التراث الذى يدافع عنه الأزهر طيبا وصالحا، فلماذا أمتنا فى ذيل الأمم وهى المحكومة به.
ما يجرى يؤكد أن الأزهر ليس العنوان الصحيح الذى طرق بابه الرئيس عبدالفتاح السيسى ليبدأ عملية تجديد الخطاب الدينى، فالحقيقة أنه حجر العثرة الذى سيعرقل هذا المشروع وليس فيه إلا رجال قلائل يصلحون لمباشرة هذه المهمة بمشاركة المثقفين والمفكرين والأدباء، فلا ينبغى أن تنفرد المؤسسة التى دأبت على اعتناق القديم خبيثه وطيبه والدفاع عنه بأمر جلل كهذا لاسيما أنه لا كهنوت فى الإسلام.
وأبسط دليل على عدم صلاحية الأزهر للانفراد بأمر تجديد الخطاب الدينى تلك الكراهية المكتومة لرجل مثل الدكتور سعد الدين الهلالى لمجرد أنه يكشف للناس حجم التعددية والاختلاف بين المذاهب الفقهية فى المسائل التى لم يتفقوا عليها، وذلك ما لا يحبه الأزهر ولا يرضاه، فبينما هو يستميت فى الدفاع عن فقه الأئمة الأربعة، إلا أن خطابه لا يفضل الإشارة إلى اختلافهم، ويذهب دائما إلى الإجماع ولو اختلف أحدهم تجاهل اختلافه ثم ذهب إلى آخرين يتفقون مع أكثر الأربعة تشددا ثم يسمعنا هذه العبارة "بإجماع علماء الأمة" والواقع أن هذا هو منهج الإسلام السياسى فى عمومه الذى يريد إخضاعنا دائما لرأي واحد ويحجب عنا رحمة اختلاف العلماء التى طالما تغنوا بها.
ظنى أن الأزهر سيخسر معركته هذه المرة رغم رياء البعض ونفاقهم فثمة تغيرات جوهرية حدثت فى المجتمع قد لا تظهر آثارها فى اللحظة الراهنة، لكن علينا أن ننتبه إلى أن بعض الشباب الذين كانوا قد أعلنوا إلحادهم صراحة خاصة أثناء حكم جماعة الإخوان إنما كانوا يوجهون رسالة اعتراض شديدة اللهجة للخطاب الذى صدره ذلك الحكم الدينى وعلى الأزهر أن يدرك جيدا أنه مسئول وبشكل مباشر عن الطريقة التى اختارها أولئك الشباب لصياغة رسالة احتجاجهم، فهو لم يقدم خطابا مختلفا حتى الآن وتعنته ضد إسلام البحيرى وغيره سيؤدى لاتساع رقعة الاحتجاج تلك وبصور عنيفة توازى عنف خطابه.
على الرئيس أن يأخذ بزمام المبادرة ويصدق دعوته للثورة من أجل الدين بالعمل بأن يدعو مفكرى الأمة وعلماءها فى السياسة والاجتماع والاقتصاد ومثقفيها وأدبائها إلى جانب المستنيرين من رجال الأزهر للبحث عن طرف الخيط الذى ينبغى أن نمسك به حتى نبدأ ثورتنا على العفن الذى يرسخ للإرهاب ويحلل سفك الدماء.