الخميس 23 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

بعد 30/6: كيف نتعامل مع الإخوان؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كان من المفترض أن أكتب هذا المقال حول المصالحة، لكني اكتشفت، ومن خلال النقاش الدائر في مصر طوال الأيام الماضية، أن سؤال المصالحة، وهو سؤال يختلف الناس حوله كثيرًا، قد أصبح جزءًا من تساؤلات أكبر تتعلق بكيفية الخروج من “,”الأزمة الراهنة“,”، والمقصود بهذه “,”الأزمة“,” في الأغلب هو اعتصاما رابعة والنهضة، اللذان يراهما البعض العائق الذي يحول دون الشروع في البناء والتنمية، وهكذا فإن الإجابة عن سؤال كيفية فض اعتصام رابعة أصبحت عند هذا البعض هي نفسها الإجابة عن سؤال كيفية الخروج من الأزمة، وإشكاليات فض اعتصام رابعة عند بعض المتحاورين لا تتعلق بإمكانية ذلك من عدمه، وإنما تتعلق بأعداد الضحايا المتوقعين، فهذا البعض يرى أن المعتصمين لا يزيدون على بضعة آلاف، معظمهم مأجورون وأرزوقية والباقي جبناء، ولكنهم مسلحون، ومن ثَم فقد تندلع اشتباكات ويسقط عدد كبير من الضحايا، الأمر الذى قد يشوه صورتنا أمام العالم ويفقدنا التأييد الدولي الذي نحرص عليه.
أنا ببساطة ووضوح ضد كل المقدمات والنتائج التي حاولت أن ألخّصها في السطور السابقة، وفي مقابل هذا المنطق السلطوي–الأمني، أنا أرى أننا لم نعد في أزمة أصلًا، وإنما نحن بسبيلنا للخروج من أزمة كانت وصلت إلى ذروتها قبل 30/6، حيث وصلت الأمور إلى أزمة في العلاقة بين سلطات الدولة عندما اصطدمت مؤسسة الرئاسة بالجيش والشرطة والإعلام والخارجية والقضاء، وكان هناك أزمة سياسية أيضًا عندما اصطدم الإخوان بكل القوى السياسية، وقطعوا كل الجسور معها، بما فيها أقرب الحلفاء والمساعدون والمستشارون، وكانت هناك أزمة اقتصادية واضحة لم تقتصر على مؤشرات الأداء الاقتصادي فحسب، ولكنها تجسدت عيانًا بيانًا فى انقطاعات الكهرباء وطوابير البنزين، وكان هناك أخيرًا أزمة تتعلق بـ“,”مصداقية الحكم“,” بعد أن تآكلت شعبية الإخوان أو بالأحرى انهارت تمامًا في أيامهم الأخيرة، وقد أدّت كل هذه الأوضاع إلى انهيار في أداء أجهزة الدولة وبالذات الأجهزة الأمنية، الأمر الذي أدّى إلى غياب الأمن وتدهور الحالة الأمنية على نحو غير مسبوق.
كان هذا هو الوضع قبل 30/6، ومن ثَم يمكننا الحديث عن أنه كانت هناك “,”أزمة“,” ما قبل 30/6، فماذا عن الوضع الآن؟ الآن هناك انفراج واضح، حتى لو كان مؤقتًا، للأزمة الاقتصادية جراء تدفق مساعدات عربية تُقدر بنحو 12 مليار دولار، وهناك انفراج واضح للأزمة السياسية لأن أغلب القوى السياسية، ربما باستثناء الإخوان وبعض قوى الإسلام السياسي، تشارك بقدر أو آخر في العملية السياسية، وهناك علاقات طبيعية وتناغم في الأداء بين مؤسسات الدولة المختلفة، وهناك ما يشبه مصالحة تاريخية تمت بين الشرطة والشعب يفترض بمقتضاها أن يتم توفير الأمن للمواطنين على أسس سليمة، ومن ثَم يمكننا القول إجمالًا إن مصر خرجت من الأزمة، وأن ما يمثله الإرهاب في سيناء أو اعتصامي رابعة والنهضة وما ينطلق منهما من عمليات تخريب أو ترويع أو إعاقة للطرق هي “,”توابع“,” لهذه الأزمة، وهي فى النهاية لا تشكّل خطورة كبيرة، صحيح أنها توجع جسد الأمة لكنها أبدًا لا تشكّل خطرًا على استمرار حياة الأمة، ويمكننا القول إنها أقرب ما تكون لـ“,”دمّل أو خُراج“,” أصاب شخصًا ما، فهو يسبب له الكثير من الألم والإزعاج ولكنه لا يحول دون أن يقوم هذا الشخص بأداء كل وظائفه الحيوية مع استمرار تعاطي العلاج المناسب.
جسد الأمة ليس مصابًا بداء السرطان مثلاً لا قدر الله ولا يوجد تهديد لحياة الشخص الذي أصابه “,”دمّل أو خُراج“,” ما لم يُهمل كلية تلقي أي علاج وهو أمر مُستبعد بالطبع.
دعونا نتساءل مرة أخرى لتأكيد ما ذهبنا إليه: هل نحن إزاء انقسام في المجتمع يشي باحتمال اندلاع حرب أهلية مثلاً لا قدر الله؟
الإجابة بالقطع “,”لا“,”، لأننا لسنا إزاء انقسام بين قطبين كبيرين، بل نحن إزاء طرفين، أولهما طائفة أو جماعة محدودة العدد في النهاية، حتى لو كانت تُقدر ببضعة مئات من الألوف، وهذه الجماعة فقدت كل شعبيتها، وثانيهما بقية الشعب المصري الذين يشكلون أغلبيته الساحقة، ويساند هذه الأغلبية مؤسسات الدولة كافة من جيش وشرطة وقضاء وإعلام وخارجية، فكيف نتحدث عن أزمة كبيرة إذن وكيف نرى أن هذا الـ“,”خُراج“,” أو الـ“,”دمل“,” يستطيع أن ينهي حياة الأمة أو يُعيق مسيرتها؟
أنا لا أحاول التهوين من شأنهم. فقط أنا أحدّد حجمهم، وهذا التحديد لا يعني على الإطلاق أن نُهمل الـ “,”خُراج“,” أو “,”الـ“,”دمل“,”، بل علينا أن نتعامل معه بما يستحق من عناية دون أن نعتبره عائقًا لأي خطوات يفترض أن نقوم بها لبناء بلدنا على أسس من الديمقراطية والعدالة مثلما أراد شعبنا في 25 يناير و30/6 و26 يوليو، نحن إذن لا نوافق على الإطلاق على أن اعتصامي رابعة والنهضة قادران على إعاقة أو تعطيل أى إجراءات اقتصادية أو سياسية تستهدف تحقيق مصالح الشعب.
إذا اتفقنا على أنه مجرد “,”خُراج“,” فكيف نتخلص منه إذن؟ أعتقد أننا لا بد أن نواجه الإخوان ما بعد 30/6 بشكل سياسي وأن نعتبر أن أي حلول أمنية صحيحة هي حلول ينبغي أن تخضع لقرار وتقدير السياسيين وأن هذه الحلول الأمنية تعتبر جزءًا من الحل السياسي، ووفقا لهذه الطريقة في التفكير فإنني أتصور أن وضع الإخوان في حجمهم الطبيعي ودرء مخاطرهم القائمة والمحتملة والضغط من أجل تحويلهم إلى جماعات أكثر اعتدالًا، كل هذا يحتاج إلى تضافر جهود الأزهر ووزارة الثقافة في مخاطبة الشعب المصري وقواعد الإخوان وشرح كيف أن اعتصامي رابعة والنهضة لا يخدم الإسلام وأن العنف مُدان دينيًّا وإنسانيًّا.
وبشكل موازٍ، على الخارجية والإعلام القيام بدورهما في مخاطبة الرأي العام العالمي، لأنه لا يجوز القول بأن حفنة من هواة الإخوان تنجح في تعبئة الرأي العام العالمي لصالح أكاذيبها، بينما تفشل مؤسستا الخارجية والإعلام في استعادة الرأي العام العالمي للمواقف المصرية، إلا أن يكون هذا تعبيرًا عن تقصير هذه المؤسسات.
وبشكل موازٍ لأداء مؤسسات الدولة التي أشرنا إليها، من أزهر وثقافة وخارجية وإعلام، ينبغي على نفس هذه المؤسسات وعلى غيرها أن تسعى بكل جدية وإخلاص إلى فتح جسور من الاتصال والتواصل مع كل قيادات الإسلام السياسي التي لا تستخدم العنف وتُدين استخدامه وتقبل المصالحة المبنية على المصارحة والمحاسبة، وعلينا جميعًا أن نتذكر أن شعبية الإخوان تآكلت وتصدعت وانهارت لا بسبب الإقصاء والضربات الأمنية التي لم تزدهم إلا قوة في عصر مبارك، وإنما بسبب ظهورهم للنور، بل ووصولهم للسلطة أيضًا.
الديمقراطية هي التى حجّمت الإخوان، وأوقفت تغوّلهم وتوغّلهم، والقمع زادهم جاذبية وقوة، وعلينا أن نلاحظ جميعًا أن عددًا من الأصوات التي ترتفع الآن وتنادي باتخاذ إجراءات قمعية ضد الإسلام السياسي هي نفسها الأصوات التي أجازت الاستبداد طوال عصر مبارك تحت دعوى محاربة الإرهاب، وكنا في ذلك الوقت نرفض هذا المنهج كلية ونراه تبريرًا للاستبداد، وكنا نؤكد في المقابل أن السماح للإخوان بالعمل في النور هو الذى سيضعهم في حجمهم الطبيعي ويقضي على المخاطر الإرهابية المحتملة المرتبطة بوجودهم، وهو ما حدث بالفعل بعد 25 يناير، وينبغي أن نناضل بشدة دون عودة الاستبداد، لأن ذلك ليس معناه طبعة جديدة من نظام مبارك فحسب، ولكن معناه أيضًا إمكانية عملية كبيرة لعودة الإخوان إلى سابق جاذبيتهم وقوتهم، وينبغي علينا جميعًا أن نلاحظ أن قادة الإخوان يرفضون أي مصالحة، بل وأي تهدئة الآن، ذلك أن أجواء الحرب تساعدهم على التماسك والوحدة، بينما ستفضي التهدئة حتمًا إلى اندلاع نقاش بينهم بغرض تحديد المسئولين داخل الجماعة عن انهيار شعبية الإخوان، ومن المقرر أن يفضي ذلك حتمًا إلى الإطاحة بالقيادة الحالية، بل وإلى حدوث انشقاقات داخلهم، وإذا كانت قيادات الإخوان تحاول الإبقاء على أجواء الحرب، فعلينا أن نخفف من هذه الأجواء، وأن لا تحتل أخبار العنف الذى يقومون به مكان الصدارة في الإعلام، وإنما ينبغي أن تحتل إنجازات الحكومة موقع الصدارة، لكي يتراجع الاهتمام بهم، وينصرف الناس إلى الحوار حول الإجراءات الاقتصادية الواجب اتباعها، وكذا تفاصيل العملية السياسية القادرة على إنجاز المرحلة الانتقالية على أفضل نحو ممكن، وبشكل موازٍ لهذا الإصرار الواجب على البناء، وإذا قامت مؤسسات الدولة بدورها كما ذكرنا، وإذا اجتهدنا جميعًا في إقامة جسور للتصالح مع مَن لم يتورّط في عنف، إذا قمنا بكل ذلك سنفسح المجال لتهدئة محتملة ستفتح حتمًا نقاش داخلهم، وسنكتشف في ذلك الوقت أنهم ليسوا على قلب رجل واحد، وأن أول خطوة ستتمخض عن هذا النقاش ستكون الإطاحة بالقيادة الحالية للإخوان.
بشكل موازٍ أيضًا لكل ما تقدّم، على الأمن أن يقوم بدوره، ونعني بذلك الأمن بشقيه العسكري والشرطي، فعلى الجيش أن يواجه الإرهاب في سيناء بكل حزم، وعلينا أن نحقّق في هذا الصدد إنجازات ملموسة، ففي التحليل الأخير لا يوجد أي مقارنة بين إمكانات الجيش المصري وإمكانات الإرهابيين، وقطع الإمدادات التي تأتي إليهم من حماس أمر ممكن ومن المقدر أن يصيبهم بالشلل.
أما بالنسبة إلى قيام مسلحي الإخوان بقطع الطرق أو ترويع المواطنين الآمنين، فإن ذلك عمل عنيف وإرهابي ولا بد أن يواجه بعنف مُضاد وباحترافية ودون استخدام مفرط للقوة، ولا يوجد أي عذر للأمن يحول دون تحقيقه هذه الأهداف المحددة.
أخيرًا بالنسبة للاعتصاميين فإنني أعتبرهم غير سلميين بسبب توفر العديد من القرائن التي تشي بوجود أسلحة في حوزة المعتصمين، لكنهم ليسوا جميعًا “,”أرزوقية“,” أو “,”مأجورين“,” وليسوا جميعًا جبناء، والعديد منهم مسلح، ومن ثَم فإن ضحايا أي اقتحام ستكون كبيرة جدًّا، وهذا أمر يهمني لأنني إنسان ومصري بصرف النظر عن مدى اهتمام الرأى العام العالمي بالأمر، ومن ثَم فأنا أفضل أن يُحاصر الاعتصاميون ويوضعوا تحت سيطرة أمنية كاملة واحترافية بحيث يُمنع دخول أي سلاح أو تشكيلات مسلحة، وأن يشتد هذا الحصار وترتفع معاييره أو يخفف مع تغير الظروف وتغير أدائهم وتوجهاتهم، وفي تقديري أن هذا الحصار، مع استمرار المواجهات الحازمة في سيناء، واستمرار المواجهات أيضًا مع قاطعي الطرق، ومع استمرار دور أجهزة الدولة وجهود المصالحة، كل ذلك سيخفف من حجم وعدد المعتصمين وسيسمح بفضه دون ضحايا تُذكر بعد أن تأتي هذه العملية المتكاملة ثمارها، وينبغي أن نؤكد في الختام أن أكبر سلاح يمكننا أن نواجه به الإخوان هو نجاح أجهزة ومؤسسات الدولة في تحقيق مصالح المواطنين، وعلى رأسها تحسين الأحوال المعيشية، ونجاح أجهزة ومؤسسات الدولة أيضًا في مواجهة الإخوان بالشكل السياسي والأمني الذي طرحناه هنا، والذي يفترض قيام أجهزة الدولة بدورها بكفاءة ودون مبالغة في قوة الخصم.