الإثنين 27 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

تقارير وتحقيقات

معهد الأمن القومي الإسرائيلي يحذر من تغيير حقيقي في ميزان التسلح لصالح مصر بعد صفقتها الأخيرة مع روسيا

 ميزان التسلح
ميزان التسلح
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news


يبدو أن تقارير المعلومات الأخيرة التي أفادت أن صفقة الاسلحة الأخيرة التي عقدتها مصر مع روسيا تتضمن الحصول على سربين (24 طائرة) طراز ميج – 35 الأحدث في الترسانة الجوية الروسية، وليس الميج – 29 كما أشيع سابقاً، يبدو أن هذه التقارير أحدثت فزعاً في الدوائر المعنية بالأمن القومي الإسرائيلي، نظرا لما يشكله ذلك من تغيير حاد في ميزان التسلح بالشرق الأوسط لصالح مصر، خاصة وأن إسرائيل تعتبر التفوق المطلق لسلاحها الجوي – على المستويين الكمي والنوعي – هو أحد ركائز نظرية أمنها القومي، الامر الذي تحرص معه دائما على امتلاك أحدث المقاتلات الأمريكية، حتى تلك التي تحت الانتاج مثل ف-35، ف-22. هذا إلى جانب أنظمة تسليح أخرى حديثة تضمنتها صفقة الأسلحة الروسية لمصر شملت أنظمة دفاع جوي وقطع وصواريخ بحرية مضادة للدبابات من الجيل الثاني.

ولم يقتصر الفزع فقط على إسرائيل وأمريكا بسبب هذه الصفقة، بل أصاب أيضا دول أخرى ومنظمات في الدائرة الإقليمية مثل قطر وتركيا وإيران والسودان وحماس – لا يسعدها أن ترى الجيش المصري متماسكاً وقوياً وقادراً على الدفاع عن حياض مصر ,امنها، ويأتي ترتيبه الـ 13 بين أقوى جيوش العالم (106 جيش) طبقاً لتصنيف مؤسسة GFP الدولية، وكانت هذه القوى الإقليمية الكارهة لمصر قد راهنت طويلا على أن تنعكس حالة الفوضى التي أصابت مصر بفعل ثورة 25 يناير وأضعفتها على جيشها، وبما يؤدي إلى إنهاكه وتفسيخه على النحو الذي جرى في جيوش العراق وسوريا وليبيا واليمن بفعل ثوراتها، إلا أنه بفضل الله تعالى خاب فألهم وخسروا رهانهم، فقد إستمر تماسك الجيش المصري، بل واستمر في تطوير قدراته القتالية، وكانت صفقة الاسلحة الروسية الاخيرة إحدى مظاهر هذا التطوير، وقد زاد من ذعر وفزع هذه القوى الاقليمية الحاقدة على مصر وجيشها ما أعلنه المشير عبدالفتاح السيسي المرشح للرئاسة والاقرب اليها عن استعداد الجيش المصري للدفاع عن أمن أي دولة عربية تطلب مساندته، ولن يفصله عن ذلك سوى "مسافة السكة". على حد قوله.


تقرير معهد الأمن القومي الإسرائيلي

لذلك لم يكن غريباً أن تطالب اسرائيل الولايات المتحدة أن تتدخل لممارسة أقصى أنواع الضغط على روسيا لمنع تنفيذ صفقة الاسلحة الروسية، حتى تضمن اسرائيل بقاء تفوقها العسكري الذي تمتعت به طويلا على الجيوش العربية بفضل الدعم والمساندة الامريكية – عسكريا وسياسيا واقتصاديا – وغير المحدودة، لا سيما وأن أمريا تدرك جيدا كم أصبح الجيش المصري يشكل عقبة كئوداً في طريق تنفيذ مخططها لتقسيم وتجزئة دول المنطقة في إطار ما يطلق عليه (مخطط الشرق الاوسط الكبير) وسبيل ذلك إثارة الفوضى الخلاقة على النحور الجاري في باقي الدول العربية، وهو المخطط الذي فشل فشلا ذريعا في مصر. وفي التقدير الاسرائيلي والامريكي أن كل ذلك التغيير يحدث ولم يصل المشير السيسي بعد إلى مقعد الرئاسة في مصر، فكيف سيكون حال مصر وجيشها من قدرة وتفوق بعد أن يصبح رئيساً لمصر؟

تقرير معهد الأمن القومي الإسرائيلي

أصدر معهد الأمن القومي الاسرائيلي "INSS" في أول مايو الماضي تقريرا بقلم كل من "يفتاح شابير" و"زفى ماجن حال" و"جال بيريل"، ذكر فيه "أن مصر على وشك أن توقع قريبا صفقة أسلحة كبيرة مع روسيا لشراء 24 طائرة مقاتلة من طراز (ميج – 35)، وأنه إذا ما تم الانتهاء من هذه الصفقة، فإن ذلك سيمثل حدثا هاما في الصورة الاستراتيجية في الشرق الأوسط، وعلامة أخرى على إنخفاض نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة. وفي المقابل بالنسبة لروسيا فإن هذا سيكون إنجازا إستراتيجيا ذات مغزى في الكفاح العالمي ضد الغرب. أما بالنسبة لاسرائيل، فإن تزويد مصر بسرب أو اثنين من مقاتلات (ميج – 29) لن يكون له مغزى كبير على المستوى التكتيكي. ولكن من الممكن أن يكون ذلك ذو مغزى استراتيجي وحاسم في حال تصاعد الصراع بين روسيا والغرب، وتمكنت روسيا من الحصول على موطئ قدم في مصر. وعلى أي حال فإن الصفقة لم توقع بعد، ويوجد كثير من العقبات أمام إتمامها.. تكتيكية، وعملياتية، واقتصادية، والأهم من كل ذلك، صعوبات سياسية وإستراتيجية، تلك كانت مقدمة تقرير معهد الأمن القومي الإسرائيلي.


صفقة أسلحة ضخمة

ثم أشار التقرير الاسرائيلي بعد ذلك إلى أهمية الاتصالات التي جرت بين مصر ورسيا في الاشهر الأخيرة، لا سيما في نوفمبر 2013، عندما قاما وزير الخارجية الروسي سيرهي لافروف ووزير الدفاع سيرجي شوجو بزيارة القاهرة، اعقبتها زيارة المشير عبدالفتاح السيسي لموسكو في فبراير 2014 عندما كان وزيرا للدفاع، حيث أشارت تقارير المعلومات الى صفقة أسلحة ضخمة جرت مفاوضات بشأنها تضم أنظمة دفاع جوي Tor-M1 ، وبانتسير – S1، وأنظمة صاروخية للدفاع الساحلي ياخونوت SS-N-26، وهليوكبتر هجومية Mi-35، وصواريخ مضادة للدبابات من الجيل الثاني (كورنيت).. وغيرها من أنظمة تسليح حديثة في إطار صفقة تبلغ قيمتها نحو 4 مليار دولار، وأن السعودية والإمارات سيتوليان تمويل هذه الصفقة، فضلا عن توقع إبرام صفقة أخرى بعدها تشمل صواريخ بالستية يتعدى مداها 1000كم، ودبابات (ت-80)، وغواصات (كيلو)، وأنظمة أخرى متطورة. واستبعد تقرير معهد الأمن الاسرائيلي حصول مصر على مالمقاتلة ميج -35، وأن البديل لها هو (الميج -29)، موضحا أن أول عرض جوي شاركت فيه المقاتلة (ميج -35) كان في المعرض الجوي في الهند عام 2007، وأنها نتاج تطوير المقاتلة الاقدم (ميج – 29) وتعتبر الجيل الرابع من هذه الطائرة الاعتراضية، أما المزايا التي تتمتع بها هذه الطائرة عن سابقاتها (ميج 29، M، M2) فتتضمن نظام معلومات حديث، ومنظومات تسليح روسية وغربية، بالاضافة إلى مجموعة متنوعة من وسائل دفاع ذاتي مدمجة.

وتعتبر الميج 35 طائرة متعددة المهام ذات امكانيات جيدة في كلا مهام القتال جو/جو، والقتال جو/ارض بدقة عالية (ذخيرة ذكية دقيقة التوجيه)، وذلك في جميع أنواع الطقس، حيث تتزود برادار طراز Zhuk – AE والذي يعمل بمنظومة مسح الكتروني نشطة (AESA)، وهو متقدم جدا عن الرادار المزود به المقاتلة ميج – 29 (M, M2) كما أن محرك المقاتلة (ميج-35) يعتبر الاحدث والاكثر قوة. ولم تدخل هذه الطائرة (ميج -35) بعد حيز الانتاج وتأجيل توقيع أول عقد لتوريدها لسلاح الجو الروسي إلى عام 2016، وهذا هو السبب في ترجيح حصول مصر على مقاتلات (ميج 29 طراز M2) والتي تبلغ سرعتها على الارتفاعات العالية 2.35 ماخ (2600كم/ساعة) وعلى الارتفاعات المنخفضة 1.4ماخ (1500 كم/ساعة) ويصل مدى عملها إلى 2000 كم، ويشمل تسليحها 8 صواريخ جو/جو R-73E ، 8 صواريخ جو/جو R-77، و4 صواريخ R-27، بالإضافة إلى 4 صواريخ جو/أرض Kh-29T، 4 صواريخ جو/أرض Kh31A، و4 صواريخ kh-31B، و4 قنابل موجهة KAB زنة 500كجم، و4 قنابل غير موجهة FAB 500 كجم، و4 قنابل عنقودية RBK زنة 250 كجم، و4 قنايل أخرى RBK زنة 500كجم، و4 قنابل أخرى RBK زنة 750كجم، إلى جانب 4 صواريخ غير موجهة S-B و 6 صواريخ أخرى S-25.


نظام الدفاع الجوي (تور-م1)

أما نظام الدفاع الجوي (تور-م1) ويطلق عليه في الناتو (سام – 15)، فهو عبارة عن مركبة مجنزرة مسلحة بـ 9 صواريخ M330 و9 صواريخ M331  أرض/جو، ويصل مداه غلى 500كم، وقادر على اعتراض الطائرات المقاتلة والهليوكبترات والصواريخ الكروز، والذخيرة دقيقة التوجيه، والطائرات بدون طيار، والصواريخ الباليستية قصيرة المدى، وذلك على الارتفاعات المتوسطة والمنخفضة وتطورت منه نماذج أخرى Tor-MTB، Tor-M2، Tor- M1.

ويطلق على النظام الصاروخي الساحلي (ياخونوت) في الناتو (SS-N-26) ضد السفن، ويجري توجييه في منتصف المسافة آليا. Auto pilot، وفي المرحلة النهائية بواسطة رادارات باحث نشطه، ويصل مداه إلى 300 كم وسرعته 2.3 ماخ (750 متر/ثانية)،ويمكن استخدامه من قاذف أرضي، ومن السف وللغواصات والطائرات، ومن قاذف على مركبة. وتسعى مصر للحصول على طراز P-800 oniks المنتج في عام 2002، وهو من نوع الصواريخ كروز بنفس المدى والسرعة، ولكن يمكنه التحليق على ارتفاع 10 متر وأعلى، ويسلح بـ 4 قواذف ذاتية الحركة في كل معه 2 صاروخ كروز، ويتميز بأنه من الجيل الثالث (إضرب وإنسى Fire and Forget) وقد حصلت عليه سوريا وإيران.


المساعدات العسكرية الامريكية لمصر

ثم انتقل تقرير معهد الأمن الاسرائيلي إلى المساعدات العسكرية الامريكية لمصر، والتي تبلغ 1.3 مليار دولار لشراء أنظمة تسليح ومعدات عسكرية أمريكية في العام الأول، ولكن في الحقيقة استخدمت مصر هذه المساعدات لشراء أنظمة تسليح ومعدات عسكرية أمريكية في المقام الأول، ولكن في الحقيقة أستخدمت مصر هذه المساعدات لشراء أنظمة تسليح من دول أخرى بما فيها روسيا (لتحسين أنظمة دفاعها الجوي القديمة). إلا أن العلاقات العسكرية بين مصر وأمريكا فترت بعد أحداث الربيع العربي في مصر، حيث ألغت أمريكا في اغسطس 2011 مشاركتها في مناورات (النجم الساطع) السنوية بسبب الوضع السياسي في مصر عقب الاطاحة بنظام الرئيس مبارك وبينما استأنفت في عام 2012 إمدادات السلاح بكامل قيمة المساعدات، إلا أن الوضع تغير بعد خلع الرئيس مرسي الذي كان على راس نظام الحكم الاخواني وتم الاطاحة به في يوليو 2013، على الرغم من تزويد أمريكا لمصر بـ 4 مقاتلات (ف-16) من أصل اتفاق وقع في عام 2010 شمل 40 مقاتلة، وفي اكتوبر 2013 أعلنت الادارة الأمريكية تأجيل شحن 4 مقاتلات أخرى، واعادة تقويم المساعدات الدفاعية لمصر، بموجب قانون يحظر تصدير الاسلحة إلى أنظمة حكم جاءت عن طريق إنقلابات عسكرية، ولذلك أوقفت أمريكا إرسال ما سبق التعاقد عليه من مقاتلات ف-16 ومروحيات أباتشي وأنظمة دفاع جوي ودبابات إبرامز، إلا أنها في ابريل 2014 سمحت بارسال 10 مروحيات أباتشي، وذلك عقب تسليم أربعة صواريخ بحرية (أمباسادور) في نوفمبر 2013.

ولا شك في أن صعوبة حصول مصر على الاسلحة من أمريكا يفسر لجوء مصر إلى روسيا للحصول على احتياجاتها الدفاعية، ويبين بوضوح عدم رضاء القيادة المصرية عن السياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، حيث أشارت صفقة الأسلحة الأخيرة مع روسيا عدداً من الأسئلة على النحو التالي:


الجانب التقني

أولاً: على الجانب التقني، حيث لا يتعلق الأمر فقط بأن الميج-35 لم تدخل بعد حيّز الانتاج، إلا أن دخول مقاتلات روسية في خدمة التشكيلات الجوية المصرية التي تعتمد حالياً على طائرات أمريكية، سيفرض تغييراً في العقيدة العسكرية والقاعدة اللوجيستية التي تخدم الاسراب الروسية الجديدة لاسيما في مجالات الاصلاح والصيانة والتسليح والتدريب، حيث تختلف القاعدة اللوجستية الروسية عن الأمريكية تماما. ويتطلب التحول مرة أخرى نحو العقيدة الروسية  فترة إنتقالية طويلة ومعقدة ومكلفة قد تستمر 2-3 سنوات، وهو ما جربته مصر في السابق عندما تحولت في الثمانينات من التقنية والعقيدة العسكرية الوسفيتية إلى التقنية والعقيدة العسكرية الأمريكية. وفي حين تواصل مصر استخدام عدد من أنظمة التسليح الروسية (خاصة في الدفاع الجوي) إلا أن الحصول على طائرات روسية حديثة يتطلب نظاما لوجيستياً جديدا منفصلا تماما عن النظام اللوجيستى المستخدم للتعامل مع الطائرات الأمريكية. وهو ما لا يقتصر فقط على الحصول على الطائرات، ولكن يشمل أيضاً أنظمة تسليح جديدة غير معروفة من الصواريخ الحديثة جو/جو وجو/أرض.. وما شابه ذلك، فضلا عن عمرات الطائرات، ويحتاج كل نظام تسليحي إلى نظام الصيانة والتدريب الخاص به، وهي إجراءات طويلة ومكلفة، ومنطق الشروع في ذلك أمر مشكوك فيه (طبقا للتقرير الاسرائيلي).


ثانياً: منذ بداية أحداث ثورة يناير 2011، والاقتصاد المصري في انخفاض، ولذلك من المشكوك فيه أن يكون لدى مصر القدرة على الدخول في صفقات اسلحة باهظة الثمن. وفي حين تفيد التقارير أن السعودية والإمارات سيقومان بتمويل هذه الصفقات إلا أن هناك مجالا للشك في هذا. فرغم أن هاتان الدولتان لديهما شكاوى خطيرة من الولايات المتحدة وسياستها في المنطقة، إلا أن قيام السعودية بتمويل صفقة أسلحة روسية لمصر في الوقت الذي تهدد فيه أمريكا بايقاف مساعداتها العسكرية لمصر، يمكن أن تنظر أمريكا لهذا الموقف من جانب السعودية بأنه تحولا، واضعين في الاعتبار الخلاف بين السعودية وروسيا بسبب دعم الأخيرة لنظام بشار الأسد في سوريا، وهو أمر مصدر خلاف في الرياض.

ثالثاً: وعلى الرغم من وجود غضب في مصر من الولايات المتحدة، ورئيسها أوباما على وجه الخصوص، والرغبة في تحدى ذلك، فإنه من المشكوك فيه أن تكون مصر على استعداد لقطع العلاقات والتخلي عن المساعدات العسكرية الأمريكية، والامتناع عن عقد صفقات أسلحة من أمريكا. وأخيرا – وحتى اليوم – فإن معلومات يقينية عن صفقات أسلحة بين مصر وروسيا غير متوافرة حاليا، لا من مصادر مصرية ولا روسية، ولا حتى مصادر الإعلام البارزة في أمريكا وأوروبا، وبما يغطي كل أبعاد هذه القصة.


البعد الروسي

رغم أن صفقة الأسلحة الروسية لمصر، والتي لا تزال قيد المناقضة – تعتبر ذات قيمة اقتصادية كبيرة في حد ذاتها لروسيا، وتصب سياسيا واستراتيجيا في المصلحة الروسية. ذلك لأن هذه الصفقة نتاج جهد شامل وكبير لاعادة تأهيل روسيا واستعادة مكانتها في الشرق الاوسط، والذي قُوِّض بشكل كبير خلال ثورات الربيع العربي التي دعمتها الدول الغربية كجزء من الصراع الكوني بينها وبين روسيا – طبقا للرؤية الروسية، وهو الامر الذي دفع روسيا في العام الماضي لزيادة جهودها للتقارب مع دول الشرق الأوسط، سواء تلك التي كان لديها علاقات تعاون في الماضي مع روسيا، أو دول أخرى وعلى أي حال، فقد أصبح واضحا أن موسكو عادت إلى "دبلوماسية توريد الاسلحة". فقد جرت مفاوضات مع العراق للحصول على مشتريات دفاعية شاملة، كما جرت محادثات مماثلة أيضا مع الاردن ولبنان، حتى أن روسيا ناقشت امكانية تزويد الاردن بمفاعل نووي، كما تم مناقشة صفقة أسلحة ضخمة بين ورسيا والسعودية، رغم وجود خلافات أساسية بين البلدين، كما كان هناك حديث عن تمويل سعودي لمشتريات محتملة لأسلحة من روسيا بواسطة بلدان أخرى في المنطقة.

ولقد تعرض السلوك الروسي في منطقة الشرق الأوسط مؤخرا إلى بعض التغيرات بسبب الأزمة الاوكرانية، والتي تعتبر في صحيح جدول الاعمال الدولي والساحة الرئيسية للصراع بين القوى الكبرى. وفي نفس الوقت صنَّفت روسيا منطقة الشرق الاوسط باعتبارها جبهة أخرى في الصراع الكوني بينها وبين العالم الغربي، وذلك جزئيا لتوازن الضغوط التي تتعرض لها في شرق أوروبا بفعل الازمة الاوكرانية. وفي هذا الصدد زادت روسيا من نشاطها في سوريا وإيران، كما وسَّعت نطاق عملياتها في أماكن أخرى بالمنطقة، وبما يفسر استعراض تحديها للغرب. ومن ثم فإن لروسيا مصلحة أكيدة في إكمال صفقة أسلحتها مع مصر، لما تسببه من تحسين مكانتها الدولية، وكمثال تحتذى به الدول الأخرى في المنطقة لتوسيع علاقاتها مع روسيا.


خلاصة التقرير الإسرائيلي

إذا ما تم انجاز صفقة الاسلحة بين مصر وروسيا، فإن ذلك سيمثل حدثا هاما في الصورة الإستراتيجية بمنطقة الشرق الأوسط، فضلا عما تشكله من علامة أخرى لانخفاض نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة، أما بالنسبة لروسيا، فإن هذه الصفقة تعني إنجازا إستراتيجيا ذو مغزى في صراعها الكوني ضد الغرب أما بالنسبة لاسرائيل فإن حصول مصر على سرب أو سربين من المقاتلات (ميج-29) ليس ذو أهمية تكتيكية كبيرة، ولكن في نفس الوقت قد يكون لهذه الصفقة أهمية إستراتيجية حاسمة إذا ما تصاعد الصراع بين روسيا والغرب على مناطق النفوذ في الشرق الأوسط، بعد أن تحصل روسيا على موطئ قدم إضافية في مصر.

وتأمل إسرائيل إلى عدم إتمام هذه الصفقة والتي لم توقع بعد، وتعتقد بوجود عقبات كثيرة تعرقل إتمامها، نمها ما هو تقني، وعملياتي، واقتصادي، والاهم من كل ذلك عقبات سياسية واستراتيجية، كما تعتقد اسرائيل أن لدى الولايات المتحدة أدوات كثيرة لتمارس ضغوطا على مصر لتمنع إتمام هذه الصفقة، لذلك ينبغي النظر إلى التقارير المتداولة حول هذه الصفقة باعتبارها إنذاراً لصانعي القرار في واشنطن أكثر من كونها دليلا على تغيير إستراتيجي جوهري.


رؤية تحليلية

ليس غريبا أن تثير صفقة الاسلحة الروسية الاخيرة مع ممصر ذعراً وقلقاً في اسرائيلي، ليس فقط لما تشمله من أنظمة تسليح جوية وبحرية وبرية حديثة تشكل إضافة للقوة العسكرية المصرية على الصعيدين الكمي والنوعي، وبما يساهم في تغيير الميزان الاستراتيجي لصالح مصر، وهو الذي يميل بشدة حاليا لصالح اسرائيلي، ولكن أكثر ما يقلق اسرائيل هو ما تمثله هذه الصفقة من إستقلالية القرار السياسي المصري، والقدرة على التخلي عن التبعية لامريكا والامتثال لشروطها في عقد صفقات الاسلحة معها، وأهم هذه الشروط ألا تحصل مصر على نفس الاسلحة والمعدات والتقنيات التي تمنحها أمريكا لاسرائيل إبقاءاً للفجوة التكنولوجية في مجال التسلح قائمة بين مصر واسرائيل لصالح الأخيرة. ولنضرب مثالا على ذلك بأن أمريكا تعطي المقاتلة ف-16 لكل من مصر واسرائيل، وتعطي المقاتلة ف-15 لكل من السعودية وإسرائيل، فهل المقاتلة التي تحصل عليها مصر والسعودية في نفس المستوى التقني المتوفر في الطائرات التي تحصل عليها اسرائيل الإجابة بالقطع لا. حيث تحرص أمريكا على ألا تعطي مصر والسعودية نفس انظمة الصواريخ جو/جو، وجو/أرض، والقنال الموجهة التي تعطيها لاسرائيل في هذه الطائرات، بل تعطي مصر والسعودية أنظمة صواريخ أقل حداثة مما تعطيه لاسرائيل سواء من حيث التوجيه الذاتي أو المدى أو قوة وتنوع النيران، كما لا تعطي أمريكا الدولتان نفس التقنيات من حيث أنظمة ادارة النيران (رادارات انذار ورصد وتوجيه وتعقب) التي تعطيها لاسرائيل، بل أقل مستوى تقني.. وهكذا تسعى أمريكا لابقاء اسرائيل متفوقة تسليحيا على المستوى التقني على الدول العربية التي تمدها أمريكا بنفس السلاح. لذلك فان عقد مصر صفقة أسلحة مع روسيا سيكفل لمصر الحرية التامة في الحصول على ما تريده من انظمة تسليح روسية ذات تقنية عالية مساوية للتنقية الأمريكية، ولكن بدون قيود أمريكية ولا اسرائيلية، الامر الذي يقلل الفجوة التكنولوجية بين مصر واسرائيل بدرجة كبيرة، وهذا اكثر ما يقلق اسرائيل وامريكا، حيث يجعل القرار السياسي – العسكري المصري اكثر حرية عن السابق، وخياراته متعددة. فإذا أضفنا إلى ذلك حرص القيادات العسكرية في مصر وهي تعقد هذه الصفقة مع روسيا على أن تشترط ضرورة تصدير تكنولوجيا تصنيع السلاح لمصر بحيث تكون قادرة على تجميعها ثم تصنيعه بالكامل في داخل مصر خلال مرحلة زمنية محددة، والا تكون صفقات السلاح مع روسيا مبرراً لتدخل الأخيرة في الشئون الداخلية لمصر، ولو قيدا على علاقاتها الخارجية، يمكننا أن ننهج بسهولة سبب قلق وذعر اسرائيل من صفقة الاسلحة المصرية مع روسيا، لانها كما ذكرنا آنفا تتعدى أبعاد إصلاح الخلل في الميزان العسكري إلى تحرر القرار السياسي المصري من أية قيود أمريكية بل واستعداد مصر مستقبلاً للاستغناء عن المساعدات العسكرية الأمريكية بشكل نهائي، وهو قمة تحرر القرار السياسي المصري من كامل الضغوط الأمريكية.، وهو الأمر الذي حاول تقرير معهد الامن الاسرائيلي أن يخفيه، ولكنه لم يستطع ذلك عندما قرر أن هذه الصفقة تهدد الامن الاسرائيلي، بل ودعا الولايات المتحدة إلى ممارسة ضغوط على روسيا لايقاف هذه الصفقة وما سيتلوها بالطبع من صفقات أخرى.


حقيقة تاريخية مهمة

إذن المعركة ليست معركة الديمقراطية التي تتباكى عليها واشنطن ومعها حلفاؤها في أوروبا وتركيا وقطر، أو الانقلاب على نظام الحكم الاخواني البغيض الذي أسقطه الشعب المصري في ثورة 30 يونيو، وما كان يمثله هذا النظام الاخواني من وسيلة وأداة رئيسة لتنفيذ أهداف ومخططات الشرق الأوسط الكبير وأسلوب الفوضى الخلاقة والتي نجحت بشدة في دول شرق أوسطية أخرى، ولكن فشلت في مصر، ولكن يتضح لنا أن المعركة الرئيسية التي تخوضها الدول المعادية لمصر إنما تستهدف بالأساس ضرب الجيش المصري وتدميره لكونه يقف عقبة كؤود في مواجهة تحقيق هذه الاهداف والمخططات، فإذا ما انكسر هذا الجيش – لا قدّر الله – فإنه سيسهل بعد ذلك تنفيذ مخططات الفوضى الخلاقة التي تؤدي تلقائياً إلى شيوع الفتنة والتقسيم والتجزئة وتمزيق مصر، وبالتالي تحقيق الهيمنة الامريكية والاسرائيلية على بلدان المنطقة. وقد إنكشف ذلك بوضوح فيما نشره الكاتب البريطاني الشهير (روبرت فيسك) في صحيفة الاندبندنت، حيث تلاحظ في مقال له بتاريخ 10 مايو الماضي تحت عنوان (الديكتاتوريين والانتخابات) أن موضوعه لم يكن ترشح المشير السيسي للانتخابات في مصر، ولا بشار الاسد في سوريا، ولكن ركز في مقاله على الجيش المصري وتسليحه وميزانيته، مُدعياً أنه لا يمكن مراقبتها، متسائلاً لماذا تم تحصين منصب وزير الدفاع المصري في الدستور، متجاهلا في ذلك أن البرلمان البريطاني لا يستطيع بموجب الدستور أن يناقش تفاصيل الميزانية العسكرية للجيش البريطاني، نفس الامر بالنسبة للكونجرس الامريكي، ولا حتى في اسرائيل بالنظر لمقتضيات الامن القومي للدولة. يتأكد من كل ذلك أن أهداف الهجوم الخارجي على مصر اليوم تتمحور كلها ضد الجيش المصري باعتباره حائط الصد ضد نفاذ كل الأهداف والمخططات العدائية ضد مصر. فإذا أضفنا لكل ذلك، ما أكد عليه المشير السيسي في أحاديثه الأخيرة أن الجيش المصري سيلبي فوراً نداء أي دولة عربية لمساعدتها في صد أي عدوان لا تقدر عليه، سواء كان اسرائيلياً أو ايرانياً أو غير ذلك، لأمكننا أيضا أن نفهم أكثر وأكثر ونفسر مغزى الهجمة الشرسة التي يتعرض لها الجيش المصري من أعداء مصر في الخارج وطابورهم الخامس في الداخل.

أما ما يدّعيه تقرير معهد الامن الاسرائيلي من أن صفقة الاسلحة الروسية لمصر سيصعب استيعابها في الجيش المصري لاختلاف العقيدة العسكرية الروسية عن العقيدة الأمريكية السائدة في الجيش المصري منذ الثمانينيات مع بدء حصول مصر على الاسلحة الأمريكية، وكذا اختلاف القاعدة اللوجيستية التي تخدم هذه الاسلحة لا سيما في مجال الصيانة والاصلاح والتدريب، فإن هذه الحجة واهية ويدحضها الكثير من الحقائق أولها أن العقيدة العسكرية للجيش هي عقيدة مصرية خالصة ولم تكن أبدا روسية ولا امريكية، ولكن الجيش المصري في كل أكاديمياته وكلياته ومعاهده العسكرية، بل وأيضاً في تشكيلاته العسكرية يدرس ويتبع عقيدة عسكرية مصرية نابعة من البيئة المصرية ودروس وخبرات الحروب والمعارك التي خاضها الجيش المصري والجيوش الأخرى في الدائرتين الاقليمية والدولية والعدائيات الرئيسية والمحتملة ضد مصر، أما فيما يتعلق باختلاف القاعدة اللوجيستية الروسية عن نظيرتها الامريكية، فقد تجاهل التقرير حقيقة مهمة وهي أنه لا تزال هناك حوالي 40% من أنظمة التسليح المصرية أصلها روسيا، وبالتالي فإن قاعدتها اللوجيستية ذات الاصل الروسي متواجدة في الورش والتشكيلات المسلحة المصرية، هذا فضلا عن حقيقة تاريخية مهمة تتمثل في سرعة تحول الجيش المصري في الثمانينات لاستيعاب الاسلحة الامريكية، وتعديل قاعدته اللوجيستية بما يتواءم مع هذه الأسلحة حيث لم يستغرق هذا التحول وقتا طويلا.


حرية الارادة والقرار المصري

لذلك فإن ما أشار إليه التقرير الإسرائيلي من أن صفقة الأسلحة مع روسيا تسعى مصر من ورائها لتحقيق توازن في علاقاتها مع القوتين العظميين، وإيقاف اعتمادها الكامل على السلاح الغربي، فإن ذلك صحيح تماما، بل هو حق مصري صميم يجب أن يسعى لتحقيقه صانع القرار السياسي في مصر، وان لم يفعله فيجب أن يؤاخذ عليه. أما القول بأن روسيا تسعى من وراء ذلك إلى زيادة تواجدها في المنطقة يرجع إليها، ولكن ما يهم مصر ألا يكون ذلك على حساب استقلال وحرية الارادة والقرار المصري، يتأكد هذا المفهوم المصري من أحداث التاريخ القريب في السبعينيات عندما كانت مصر تعتمد بشكل كامل على الاتحاد السوفيتي سياسيا وعسكريا لتلبية متطلبات أمنها القومي، خاصة بعد هزيمة 1967،ولكن عندما أدركت القيادة السياسية في مصر أن ذلك سيشكل قيداً على حرية القرار السياسي الصمري طالبت في عام 1972 بسحب جميع المستشارين والخبراء السوفيت من مصر، وكانوا بالآلاف أنذاك وتحقق لها ذلك، لذلك لم يستطع إسرائيليا ولا أمريكيا واحداً أن يزعم فضلا للسوفيت في انتصار حرب اكتوبر 1973، حيث كان عملا عسكريا مصريا خالصاً من الألف إلى الياء.

أما ما يحذر منه التقرير الاسرائيلي من أن صفقة الاسلحة مع روسيا سيستجلب رد فعل أمريكي سلبي قد يمس بالعلاقات مع الولايات المتحدة، فإن الرد على ذلك يتلخص في سؤال مهم هو: منذ متى لم تتعرض مصر لضغوط من الولايات المتحدة تستخدم فيها الأخيرة المساعدات العسكرية وسيلة ضغط مكشوف، ولكن مصر قاومتها واحتفظت بحريرة قرارها السياسي؟ لقد رفضت مصر طلبات أمريكية عديدة سواء للاشتراك معها في الحروب في افغانستان والعراق، أو لاقامة قواعد عسكرية وتسهيلات على الاراضي المصرية، أو لمنع تنفيذ أحكام ضد عملاء أمريكا واسرائيل، وآخر هذه الضغوط كانت بهدف عودة جماعة الاخوان للحكم أو مشاركتها في الحياة السياسية والافراج عن زعمائها والنشطاء السياسيين المحكومة عليهم والذين ثبتت عمالتها لأمريكا، فقد رفضت مصر كل هذه المطالب الامريكية والاوروبية واستمدت في سياستها المستقلة التي قررتها بعد ثورة 30 يونيو غير عابئة بالتهديدات الامريكية بايقاف المساعدات العسكرية، بل وأوقفتها أمريكا فعلا، فماذا كانت النتيجة؟ لم تستجب مصر لهذه الضغوط رغم أن ممارستها ضدها بواسطة واشنطن وحلفائها كانت في أوقات صعبة تمر بها مصر ولا تزال، وأبرمت صفقتها مع روسيا حفاظا على كفاءة وقدرات قواتها المسلحة الامر الذي تنبهت له واشنطن مؤخراً وسعت غلى فتح صفحة جديدة لمصر بدءاً بالافراج عن العشر مروحيات أباتشي.