الخميس 16 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

سياسة

في ذكرى رحيله.. محمد شحرور يحذر من خطورة تكاسل العقل العربي

المفكر السوري الراحل
المفكر السوري الراحل محمد شحرور
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تصدى المفكر السوري الراحل محمد شحرور طوال مشواره الفكري لعدة مشكلات أثارتها وارتبطت بها جماعات الإسلام السياسي، ففي كتابه "تجفيف منابع الإرهاب" تعرض شحرور لعدد من القضايا مثل الجهاد والقتال والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والولاء والبراء، وهي مفاهيم تم الالتفاف عليها من قبل الجماعات المتطرفة.
شحرور، الذي تحل ذكرى رحيله اليوم، لم يكن دوره قاصرا على تصحيح المفاهيم المغلوطة، بل انتبه لضرورة خلق العقل النقدي، كما وضع رؤية مكتملة في طريقة التعامل مع مؤلفات السيرة والحديث النبوي، وطريقة التعامل مع نص القرآن الكريم.
محذرا في الوقت نفسه مما يتسم به العقل العربي المعاصر، مثل  سوء تعامله مع النصوص، وتفضيل العقل الحفظي على العقل النقدي، لما يثيره الأخير من قلاقل معرفية أثناء بحثه ونقده، والذي "يصل به الإنسان الواعي إلى رؤية الأشياء دونما حاجة إلى استعارة عيون الآخرين"؛ حسب تعبير شحرور في إشادته بالعقل الناقد الذي يكتسب العلوم والمعارف.
وخلال أعماله الفكرية، وصف شحرور التنزيل الحكيم بالذي يحمل صفة الحياة والمتجدد مع كل قراءة، لذا وضع شحرور عدة أسس للتعامل معه وذلك وفق نظريته.
ركز  شحرور على ضرورة التفريق بين الحقائق الدينية والحقائق العلمية، بهدف منع وقوع المسلمين في دائرة الكسل والتوقف عن البحث والاستقصاء، بحجة أن النص الديني قدم لنا مقولات علمية جاهزة، لذا كان من الضروري لدى شحرور التعامل مع آيات التنزيل الحكيم بوصفها نصا إيمانيا، وليست دليلا علميا، تقع حجته على المؤمنين بها فقط، في حين لا يمكن إقامة الحجة بواسطته على غيرهم، وعلى المؤمنين به تقديم الدليل المنطقي والعلمي على صحته ومصداقيته.
تحرير الفوارق المهمة بين الدور الإلهي في تحديد الحلال والحرام، وبين الدور النبوي في التبليغ وإيصال الرسالة، أكسب فكر "شحرور" خاصية الدقة في التعامل مع النص القرآني ونصوص الحديث النبوي الشريف.

يرى أن التاريخ الإنساني في مسيرته العلمية والتشريعية والاجتماعية، منذ البعثة المحمدية وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، له الحق في الكشف عن مصداقية التنزيل الحكيم، وأنه كلام الله مكتفي بذاته لا يحتاج إلى شيء من خارجه لفهمه، وأن الأصل في الحياة الإباحة وصاحب الحق في التحريم هو الله، أما الرسول فكان لا يحل ولا يحرم وإنما يأمر وينهي.
التفريق أيضا بين مقامي النبوة والرسالة، أثار جدلا حول فكر وأراء الدكتور شحرور، فقد اعتبر أن محمدا صلى الله عليه وسلم كان مجتهدا في مقام النبوة "لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار"، ومعصومًا في مقام الرسالة "يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك"، وأن الإيمان بالله وباليوم الآخرة تذكرة دخول للإسلام، والعمل الصالح هو السلوك العام للمسلم.
وأمام التعامل مع النصوص الدينية، يجعل شحرور الأوليات وفق هي معرفة: المؤلف والنص والقارئ أو السامع، وذلك بالنسبة لدراسة أي نص لغوي. وتكون اللغويات متمثلة في كون الألفاظ خدم للمعاني، واللغة هى آلية التفكير، وأن الثقافة المعجمية غير كافية لفهم أي نص لغوي، وأن اللغة حاملة للفكر وتتطور معه.
لفت المفكر إلى أن التنزيل الحكيم نص خال من الترادف في الألفاظ والتراكيب، وخال من الحشو واللغو والزيادة، كما أنه دقيق في تراكيبه ومعانيه، وأن تأويل الآيات يعتمد على الخيط اللغوي، وأن التنزيل هو أساس التدوين والتقعيد فلا يجب ساعتها أن نقيس النص القرآني على قواعد سيوبيه مثلا.
مشيرا إلى أنه لا بد أن ندرك أن التنزيل يحمل في ذاته تطويرا لغويًا لم يعرفه الجاهليون، فلقد استعار ألفاظا من لغات أخرى، وأنه من الواجب الأخذ في الحسبان التطور الهائل الذي تعرضت له الدراسات اللغوية.
الإطار الفكري عند "شحرور" هام للغاية، فمن خلاله يستكمل المفكر المنهج في التعامل مع النص القرآني، فيبدأ أولا بأنه لا يمكن فهم أي نص خارج ما يقتضيه العقل، مع ضرورة الربط المنطقي بين صحة الشكل اللغوي والمضمون الفكري للنص، وأن القرآن يحوي المصداقية وخال من العبث، ولا يمكن فهمه من خلال فهم الشعر الجاهلي ومفرداته، وبذلك يخالف شحرور ما درجت عليه الدراسات المتعلقة بالنص القرآن والتي تنطلق من الشعر الجاهلي لفك معاني النص القرآني.
مؤكدا أن القرآن كينونة في ذاته، فهو هدى ورحمة للناس، مع الاعتراف بأن أساس الحياة الإنسانية هي الحرية التي هي واجبة لعبادة الله.