سيرينا ويليامز، عندما تكون لكل حكاية نهاية، وحينما سطرت الفصل الأخيرة من رواية مشوارها الفذ في عالم التنس، حين ودعها الجمهور بحرارة شديدة مصحوبة بالدموع، إذ اعتزلت من حيث بدأت، بعد بطولة أمريكا المفتوحة للتنس، التي كانت أولى بطولاتها الكبرى، لتترك ملاعب الكرة الصفراء منهمرة بالبكاء.
المخضرمة الأمريكية التي قاربت على عامها الـ41، قضت 27 عامًا داخل ملاعب كرة التنس، وأسدلت الستار على مسيرتها بعد الخسارة من الأسترالية آيلا تومليانوفيتش، الجمعة قبل الماضى، في الدور الثالث من بطولة أمريكا المفتوحة.
أمسكت سيرينا ويليامز، بأول مضرب تنس في الثالثة من عمرها، لكنها لم تعلم أنها ستصبح أعظم اللاعبات على الإطلاق التي غيرت من وجه كرة التنس النسائية، حيث كان لوالدها المزارع دور جوهري في أن تصبح أسطورة للتنس، ساعدها هي وشقيقتها فينوس على دخول عالم الرياضة.
وتعهد أن تصير من أفضل لاعبات التنس على مر التاريخ، لتشق طريقها وسط صعوبات بالغة، لتبدأ رحلة كفاح مع الحفاظ على إطالة مسيرتها المهنية، بالرغم أنها جاءت من مدينة فقيرة، لتصطدم بعائق واجهته بكل قوة، وهو العنصرية على أساس اللون والجنس، حتى صارت رمزًا ملهمًا لتحقيق الأحلام.
ولدت الملكة المتوجة على عرش التنس في عام 1981، بولاية ميشيجان الأمريكية، وهي أصغر أخواتها الخمس، وانتقلت في طفولتها مع العائلة إلى كومبتون، بولاية كاليفورنيا، حيث بدأت تعلم والتدرب على رياضة التنس بواسطة والدها ريتشارد ويليامز، في أحد الأحياء الذي تسيطر عليه العصابات.
وفي 1995 كانت أول مباراة رسمية لها، وفازت بلقبها الأول الكبير في نيويورك عام 1999، أنجبت ابنتها أولمبيا في سبتمبر 2017 وأمضت ستة أسابيع طريحة الفراش بعد انسداد رئوي، لكنها كافحت للعودة إلى الملاعب بعد خمسة أشهر في منافسات الزوجي في كأس الاتحاد «كأس بيلي جين كينج حاليًا» إلى جانب شقيقتها فينوس.
طوت سيرينا ويليامز، صفحة مسيرتها بملاعب التنس، بعدما تميزت بأسلوبها الخاص والقوة في أدائها، كما كانت تتمتع ببنية جسدية رائعة ساعدتها على التألق، بالإضافة إلى ملابسها المميزة التي تجذب الانتباه إليها أثناء بذل المجهود المبهر على أرضية الملعب.
وتعرضت لمواقف عصيبة في حياتها، منها فقدان أختها من والدتها، التي قتلت برصاصة أحد أفراد عصابة في عام 2003 عن عمر يناهز 31 عامًا، وتأثرت «سيرينا» كثيرًا برحيلها، حيث كانت المساعدة الشخصية لها.
وبعد أيام من فوزها ببطولة ويمبلدون عام 2010، تعرضت لإصابة في قدمها بعد أن وطأت على زجاج مهشم في أحد المطاعم الألمانية، لتخضع لعمليتين جراحيتين، وقضت 20 أسبوعًا وهي ترتدي حذاء الجبيرة، حادث اعتبرته السبب في تعرضها لجلطات دموية في رئتيها في عام 2011 مما هدد حياتها، لتغيب لمدة عام تقريبًا وعن ثلاث بطولات كبرى.
وفي ليلة الوداع، احتشدت الجماهير في ملعب «آرثر آش»؛ لمشاهدة مباراة النجمة الاستثنائية أمام توماليانوفيتش، حيث سجل الحضور رقمًا قياسيًا من أجل وداع اللاعبة الأمريكية بشكل خاص، حيث حضر 23 ألفًا و859 مشجعًا؛ من أجل إقامة حفل وداع أسطوري يليق بأيقونة التنس.
كما شهد الملعب الذي أقيمت عليه مباراة سيرينا ويليامز الوداعية، وجود العديد من المشاهير مثل الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون، والمخرج السينمائي سبايك لي ولاعب الجولف الأسطوري تايجر وودز، كل هذا من أجل مشاهدة آخر إطلالات سيرينا ويليامز، التي حققت العديد من الإنجازات في ملاعب التنس.
وتمتلك سيرينا ويليامز 73 لقبًا في مسيرتها وهي اللاعبة الخامسة الأكثر حصولًا على ألقاب، في رصيدها 39 لقبًا من البطولات الأربع الكبرى، منها 23 لقبًا فرديًا، و14 لقبًا في الزوجي، ولقبان في الزوجي المختلط.
وحققت سيرينا ويليامز الفوز بلقب أستراليا المفتوحة سبع مرات، وثلاث مرات لفرنسا المفتوحة، وست مرات لأمريكا المفتوحة، وسبع مرات في ويمبلدون.
وتتقاسم سيرينا ويليامز، بقاءها على قمة التصنيف العالمي لـ186 أسبوعًا متتالية مع الألمانية شتيفي جراف، فيما احتلت صدارة التصنيف بشكل إجمالي 319 أسبوعًا، وهو رقم لا يتفوق عليها فيه سوى شتيفي جراف والتشيكية مارتينا نافاراتيلوفا.
وبعدما أعلنت سيرينا اعتزالها لعبة التنس، كشفت مجلة «فوربس» عن ثروة نجمة رياضة الكرة الصفراء التي غيرت تاريخ التنس وكسرت الحواجز الرياضية والاجتماعية، حيث تقدر ثروتها بـ260 مليون دولار.
وتعد سيرينا المرأة الوحيدة في قائمة أثرى 100 امرأة في العالم. تضم مجموعتها الاستثمارية للأعمال 60 شركة، التي أسستها في 2014، وهي شركة للاستثمار في المشروعات الناشئة تتنوع استثماراتها بين العملات الرقمية والأغذية والعلامات الرياضية.
كما أنها استثمرت في أكثر من 30 شركة ناشئة، بهدف منح الفرصة لمؤسسي المشروعات الناشئة في مختلف الصناعات، وذلك مع التركيز على المشروعات الخاصة بالنساء والأشخاص ذوي البشرة الملونة لدعم التنوع، وثلاثة أرباع هذه الشركات التي تستثمر فيها سيرينا ويليامز أموالها، تم تأسيسها من قبل نساء أو أشخاص من أصحاب البشرة الملونة.
وتبلغ قيمة تلك الشركات بحسب صحيفة «وول ستريت جورنال»، أكثر من مليار دولار، «سيرينا» ليست مجرد مستثمرة فيها فحسب، بل تشارك بنشاط في أعمال تلك الشركات، حيث قالت مؤخرًا لتلك الصحيفة: «أنا أستيقظ وأذهب إلى المكتب.. كل شيء رقمي الآن، أجلس وأجيب على مكالمات طوال اليوم. حين تذهب أولمبيا ابنتها للمدرسة، أذهب إلى العمل».
وبعد تعليق مدربها، احتفى الرئيس الأمريكي، جو بايدن، بمسيرة أسطورة التنس سيرينا ويليامز، حيث كتب «بايدن» على حسابه عبر موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»: «أنت مصدر إلهام، وبطلة كل العصور.. شكرًا لك على الحلم والجرأة وإثبات أن كل شيء ممكن».
وقالت سيرينا ويليامز في لقاء بعد المباراة الأخيرة والدموع تنهمر على وجهها: «لقد كانت رحلة ممتعة، لقد كانت أروع رحلة خضتها في حياتي»؛ مضيفة: «أشكر كل شخص قال لي: هيا يا سيرينا، أنا ممتنة لأنكم سبب وصولي إلى هنا»، وأشارت: «لن أكون سيرينا لو لم تكن فينوس معي، لذا شكرًا لك فينوس، هي سبب وجود سيرينا ويليامز».
