الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

أكباش السلفيين

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

احتفلت مصر احتفالًا مهيبًا بافتتاح طريق الكباش فى الأقصر، ومن المؤسف أن العالم كله شاركنا فرحتنا، ولم يخرج عن هذا الإجماع سوى السلفيين فقط ومن على شاكلتهم وحدهم الذين قاطعوا الحفل تمامًا، وكأنه رجس من عمل الشيطان!! وبما أننا بصدد تأسيس الجمهورية الجديدة، أقول إنه ما لم نتخذ موقفًا صارمًا حازمًا من هذه التيارات الظلامية فلا تنتظروا جمهورية جديدة، ولكن انتظروا أفغانستان جديدة، وإن لنا فى التاريخ عبرة وعظة، وإليكم درس التاريخ كتبه المؤرخ محمود حسنى رضوان.
فى عام ١٨٠٦ حدث خلاف بين تاجر مسلم، وشخص مسيحى بسبب قطعة قماش تالفة، وانتهت المشادة بأن التاجر المسلم قتل الرجل المسيحى!! وسارع التجار المسلمون لحماية زميلهم والتستر عليه والمطالبة بالاكتفاء بدفع الدية فقط!!. لكن محمد على تدخل شخصيًا، وأصر على إعدام التاجر المسلم وهنا ثار الرعاع والدهماء ثورة عارمة، بقيادة مشايخ في الأزهر، وذلك استنادًا لحديث ورد فى البخارى ومسلم يقول: «لا يقتل مسلم بكافر» (البخارى ٦٩١٥ ومسلم ١٣٧٠)، لكن محمد على كان حازمًا صارمًا، وأصر على إعدام القاتل، وبالفعل تم إعدام التاجر المسلم على رءوس الأشهاد، ولم يكتف محمد على بذلك، بل إنه أرسل مندوبًا من طرفه، طاف بالأسواق، وأعلن للجميع أن الإعدام سوف يكون مصير كل من يجرؤ على تكرار هذه الفعلة الشنعاء.
واشتعل الصراع بين محمد على ومشايخ الأزهر بقيادة السيد عمر مكرم الذى كان نقيبًا للأشراف، وهدد عمر مكرم بعزل محمد على مثلما فعل من قبل مع سلفه خورشيد باشا، فقام محمد على بعزل عمر مكرم من نقابة الأشراف ونفاه إلى دمياط، ثم بدأ يتخلص من بقية مشايخ الأزهر تباعًا واحدا تلو الآخر، فقام بسجن شيخ الأزهر الشيخ عبدالله الشرقاوى داخل بيته، ولم يسمح له بالخروج إلا للصلاة فقط، وظل الشيخ حبيسًا داخل بيته حتى مات فى ٩ أكتوبر ١٨١٢، وبعد ٣ أيام من وفاته طلب محمد على من كبير القضاة أن يجمع مشايخ الأزهر لاختيار شيخًا جديدًا للأزهر، فاجتمعوا واختاروا الشيخ محمد المهدى، وقرأوا الفاتحة وأقاموا الأفراح وشربوا الشربات، ولكن بعد يومين اثنين فقط عزله محمد على من منصبه وعين بدلًا منه الشيخ محمد الشنوانى، وخضع الشيوخ لمشيئة محمد على ولم يجرؤ أحدهم على الاعتراض.
وهكذا قلم محمد على أظافر رجال الدين ودخلوا جحورهم رعبًا وهلعًا، واستتب الأمن تمامًا لمحمد على طوال مدة حكمة ٤٠ سنة تفرغ خلالها لإقامة نهضة كبرى، شملت كل نواحى الحياة، «تعليمية، وزراعية، وصناعية، وتجارية، وعسكرية»، وأصبحت مصر فى عصره دولة عصرية كبرى أساسها العدل والمساواة والكفاءة الشخصية فى اختيار القيادات، بصرف النظر عن الديانة «وهذا ما يعرف فى عصرنا بالمواطنة».
وقد تمثلت أبرز مظاهر هذه المواطنة فيما يلى:
١- كان الأقباط مجبرين على ارتداء أزياء معينة خاصة بهم وحدهم ذات لون أسود، وذلك بقصد السخرية منهم والاستهزاء بهم، وقد ألغى محمد هذا التقليد وسمح لهم بارتداء الكشمير الملون، كما أمر محمد على أيضًا، بعدم إجبار الأقباط على ارتداء الجلاجل الحديدية، التى كانت تسبب لهم إزرقاق عظام الترقوة.
٢- لم يرفض محمد على أى طلب لإصلاح كنيسة قديمة، أو لبناء كنيسة جديدة.
٣- كان محمد على أول حاكم مسلم يمنح الأقباط رتبة الباكوية عرفانا منه بخدماتهم لمصر.
٤- قبل محمد على لم يكن مسموحًا للأقباط بركوب الخيل والبغال، وكان المسموح لهم هو فقط ركوب الحمير، ولكن محمد على سمح لهم بركوب كل الدواب، شأنهم شأن المسلمين.
٥- لم يكن مسموحًا للأقباط بزيارة الأماكن المقدسة، لكن محمد على سمح لهم بزيارتها، وأوصى بحمايتهم وإكرامهم عند زيارة القدس.
٦- سمح محمد على للأقباط بحمل السلاح، وذلك لأول مرة منذ دخول عمر بن العاص مصر.
٧- فى عام١٨٣٧ صار كبار الموظفين، فى عهد محمد على من كبار ملاك الأراضى الزراعية، ولم يفرق محمد على بين مسلم ومسيحى فى تملك الأراضى وزراعتها.
٨- فى عام ١٨٣٩ صدر مرسوم بإعفاء الأقباط من دفع الجزية.
ولأن محمد على كان حاكمًا عبقريًا، لذلك فقد أدرك أنه لكى ينهض بمصر، ويقيم الدولة القوية الحديثة، فلابد من الاستفادة من كل الخبرات والكفاءات المصرية، بصرف النظر عن ديانتهم. وتطبيقًا لهذه الأفكار، كتبت المؤرخة إيريس حبيب المصرى فى كتابها الشهير «قصة الكنيسة القبطية» الجزء الرابع ص ٢٦٢ ما يلى: «أسند محمد على منصب كبير المباشرين، إلى المعلم غالى أبو طاقية (والمباشرون هم من كانوا يقومون بجمع الضرائب) ومنصب كبير المباشرين، يعادل حاليًا منصب وزير المالية، وكان المعلم غالى هو اليد اليمنى لمحمد على، وقد وضع نظامًا متقدمًا لجباية الضرائب».
ويقول «أمير نصر» فى كتابه «المشاركة الوطنية للأقباط فى العصر الحديث» ص٢١، إن الأقباط قد تبوءوا مراكز عليا فى الدولة حيث قام محمد على بتعيين نسبة كبيرة منهم حكاما للأقاليم «وهذا المنصب يعادل اليوم منصب المحافظ».. فمثلا:
١- تم تعيين فرج أغا ميخائيل، حاكمًا لمركز دير نواس.
٢- تعيين بطرس أغا أرمانيوس مأمورًا لمركز وادى برديس «وتضم قنا ومديرية جرجا».
٣- تعيين ميخائيل أغا عبده حاكمًا للفشن ببنى سويف.
٤- تعيين تكلا سيداروس حاكمًا لبهحورة.
٥- تعيين أنطون أبو طاقية حاكمًا للشرقية.
٦- تعيين مكرم أغا حاكمًا لأطفيح.
٧- تعيين رزق أغا حاكمًا على الشرقية.
٨- تعيين المعلم وهبة إبراهيم فى منصب كبير الكتبة «وهذا المنصب يعادل حاليًا منصب رئيس ديوان رئيس الجمهورية» وكان يعاونه مجموعة الكتبة الأقباط.
٩- كما اختار محمد على، المعلم غالى باسيليوس ليتولى الإشراف على التنظيم الإدارى.
وبالإضافة لهذا فقد أحاط محمد على نفسه بعدد من المستشارين الأقباط مثل المعلم جرجس، ويعقوب بشارة، ومنقريوس البتانونى.
ونتيجة لكل هذا كتب الشيخ محمد عبده فى مجلة المنار، بمناسبة مرور مائة عام على تأسيس الأسرة العلوية، كتب يقول: «إن لمحمد على ثلاثة أعمال كبيرة، أولها تأسيس حكومة مدنية».. «لاحظوا أن كلمة (مدنية) بلغة عصرنا تعنى (علمانية)».
وختامًا أستعير ما كتبه المؤرخ المصرى عبدالرحمن الرافعى، فى كتابه «عصر محمد على» إن النهضة الكبرى التى أقامها محمد على فى كل المجالات، قد قامت على أساس:
١- فصل الدين عن السياسة.
٢- نشر التعليم المدنى فى مصر.
٣- فتح أبواب المدارس أمام المسلمين والمسيحيين على السواء.
٤- تحويل شيوخ الأزهر إلى موظفين إداريين يتلقون رواتبهم من الخزينة المصرية.
وأخيرا فما أحوجنا ونحن نبنى الجمهورية الجديدة أن نتعلم الدرس من محمد على.