الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

«البوابة».. جسارة الحلم وجدارته

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

 

«سعيد ومرتبك ومزدحم».. هو حالى وأنا أكتب هذه السطور لمناسبة العيد السابع لإطلاق جريدة «البوابة»، سأحاول فى كتابتى تلك أن أفكك الازدحام واحتشاد الذكريات والمشاعر، التى تتملكنى الآن، فى «شهادتى»  عن  تجربة  البوابة.  ولتكن البداية لسطورى، لأسهل على نفسى وأشجعها، أن أستهل بإعلان فرحى وسعادتى وتهنئتى لأسرة البوابة وكل العاملين فيها ومحبيها وداعميها وقرائها الكرام، وهى تدخل عامها الثامن، من الصدور اليومى المنتظم، وهو أمر يستحق الاشادة والتقدير والفرحة.

لـ«البوابة» حكاية وتجربة، تسبق السنوات السبعة_ عمر صدورها كجريدة يومية _ نعم.. ما يزيد على ربع قرن من الزمان، سبق ظهورها، خمسة وعشرون عاما ويزيد كان «الحلم» يتشكل والتجربة تتكون وتنصهر، عبر دروب الحياة، معرفة وثقافة وأفكار وانتماء ومحبة، كان للحلم «الجماعى» الحضور الأبرز والأهم. الحلم بمستقبل أكثر عدلًا وإنسانية، حلم يتسع فضائه سعيًا لوطن يتسع واقعه لحرية الإنسان وكرامته.. وطن يعلى من قيم المواطنة والتسامح وقبول الآخر. وطن لا يخجل منا ولا نخجل منه. وطن نستحقه ويستحقنا.

هناك، فى المنيا الجميلة، كانت بدايات التجربة وصناعة الحلم، تشابك فيها الإنخراط فى العمل السياسى والحزبي، السرى منه والعلنى، بالانخراط فى فضاء العمل الاجتماعى الأهلى والخدمى، كذا التواصل الجاد والفاعل مع فضاء الفكر والثقافة والمعرفة. فكانت تجارب ومعارك ونضالات النشاط الطلابى والسياسى أيام الدراسة الجامعية، والأنشطة الاجتماعية الخدمية فى الأحياء، والتجارب الثقافية والإبداعية فى قصور الثقافة وأنديه الأدب، وفى جزويت المنيا وأكثر من تجربة فى إنشاء دار نشر مستقلة ومكتبة ثقافية، وأذكر هنا تجربة مكتبة «شعاع»، والتجارب السياسية المستقلة منها على سبيل المثال تشكيل لجان الوعى الانتخابى، أوقات الانتخابات البرلمانية فى ٨٤، ١٩٨٧، وما تلاها من تجربة مهمة فى تلك المسيرة بدخول تجربة العمل السياسى الحزبى من بوابة حزب «التجمع».

تلك المحطات والتجارب شهدت نجاحات وإخفاقات، أدخلت الفرح والفخر على القلوب الشابة، وأدركتها أحيانًا الخيبات والفشل، لكنها وأبدا لم تلحق بها الانكسار والهزيمة، أو الشعور باليأس والعجز.. ظل «الحلم» وشعلة الأمل فى العقول والوجدان، ولعل السر فى ذلك يعود لتلك «الخلطة» التى جمعت بين «السياسى والثقافى» والإنسانى – وميزت تلك التجربة، فبقدر الاهتمام بالفعل السياسى النضالي، كان الفعل الثقافى المعرفى حاضرًا ومشكلًا ملمحًا اساسيًا فى التجربة، حيث نال درس التاريخ وعلم الاجتماع، والانفتاح على التعرف على المدارس الفكرية والفلسفية، قديمها وحديثها، والحرص الجاد والمتلهف على التواصل مع الإبداع الأدبى والفنى، العربى والعالمى، شعرًا وقصة ورواية وسينما ومسرح.

ذلك التماذج أسهم بشكل أساسى فى خلق حالة من «الرحابة الإنسانية» والمرونة الفكرية، والمرجعية المعرفية المنفتحة، كان لها الأفضل الأكبر فى الحفاظ على «الحلم» وتناميه، وفى تربية «الأمل» والثقة فى الغد الأفضل، وكان «عمود الخيمة» فى تلك التجربة، محبة صادقة، ودفء إنسانى حميم وتشارك وتعاضد ومساندة «يعرفها ويعيها أبناء مدن الأقاليم، خاصة فى صعيد مصر». الكل للكل، القروش والجنيهات القليلة، الكتاب الجديد، شريط الكاسيت الحديث، السعادة بقدوم طفل، وفى الذاكرة «سبوع» أحمد ابن مصطفى بيومى، وغادة بنت عبدالرحيم على، حيث ما زالت الذاكرة تحفظ قصيدة عبدالرحيم لابنته غادة فى ذكرى ميلادها الرابع، نعم كان عبدالرحيم شاعرًا ولديه ديوان مطبوع.

هل فيما أقول ازدحام أو تفاصيل زائدة عن الحاجة؟!.. قد يكون الأمر كذلك.. ولكن ما حيلتى والقلم «منفلت» وغرفة التذكارات انفتحت أبوابها على مصرعيها.. لكم منى الاعتذار.. وسأحاول ترتيب نفسى فأصبروا عليّ.. ما أقصده من سطورى تلك.. أن أسرد مرجعية الحلم.. مرجعية «البوابة».

فى كل التجارب والمحطات التى أشرت إليها كنت أتحدث عن مجموعة من الشبان متقاربين فى العمر، أواسط العشرينيات وبدايتها، وكان عبدالرحيم الأصغر سنًا، يمتلك حماسًا وعنفوانا، يصل به احيانًا حد الاندفاع، شرسا فى تصديه لما يرى أنه الخطأ أو الإعوجاج أو الفساد، يتملك طاقة جامحة، كحصان يستعصى على الترويض، كما يستهوية العمل والفعل، بتعبير تلك الأيام «النزول للشارع»، يستهويه بذات القدر الاعتكاف لساعات طويلة، وربما أيام، لينتهى من قراءة رواية جديدة، أو كتاب من السياسة أو التاريخ «أذكر حالته تلك وقد أفتتن بروايات عبدالرحمن منيف ودواوين محمود درويش، وثلاثية أسحق دويتشر عن ليون تروتسكي».

وقبل موسم الهجرة للشمال، أقصد عندما رحل أغلبنا واحدًا وراء الأخر للقاهرة، كانت تجربة إصدار جريدة اقليمية، تعبر عن هموم وتطلعات أهلنا فى محافظات شمال الصعيد، صدر منها أعداد قليلة.. وأزعم أن تلك التجربة مثلت رصيدًا إيجابيًا بشكل ما، فى مرجعية تجربة «البوابة».

يبقى.. قبل مغادرة محطة تجارب الصعيد – المنيا – أن أشير إلى أن واقع المنيا فى الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، حيث كنا، شكل ركنا أساسيًا، بل لعله الأهم، فى تلك التجربة، الخبرة السياسية والفكرية والحياتية، يوم أن كانت المنيا، خاصة المدينة، نقطة انطلاق وانفجار للزخم والطوفان الذى عرفته وعانت منه مصر، والعالم فيما بعد، تيار الإسلام السياسيى الراديكالى العنيف. «الجماعة الإسلامية» يكفى أن تقول أن أول مجلس شورى للجماعة الإسلامية كان كل الأعضاء فيه– عدا واحد– من مدينة المنيا، أغلبهم من حى واحد، وكما يقولون: «ليس من رأى كمن سمع»، فقد أتاحت تجربة العيش فى تلك السنوات فى «قُم المقدسة» كما كنا نسمى مدينتنا المنيا أيامها. أن تتكون خبرة خاصة، بل وحاسة سادسة، أقرب لما كانت عليه زرقاء اليمامة فى إدراك خطورة تلك الجماعات المتسترة بالدين على حاضر البلاد ومستقبلها، ووقتها رأى البعض – من أهل الفكر والإعلام والسياسة – ونحن نحذرهم فى زياراتنا الخاطفة للقاهرة – أننا مهووسون ومبالغون فى تحذيراتنا ورؤانا.

واستمر «الهوس» يتملكنا، وقول ما نرى ونحن نتابع عن قرب تصاعد المخاطر ونمو غول التطرف والإرهاب وهو يزحف على مدينتنا حيًا فحيا وشارعًا فشارعا، يغير الأسماء والملامح والسلوكيات، ونالنا ما نالنا من تهديدات وإيذاء، يحمل بعضنا منه علامات على جسده وندوب فى روحه حتى الآن، كل ذلك أمام عدم جدية فى التصدى لذلك العنف والإرهاب من قبل الجهات المسئولة وقتها، وصل أحيانا حد التراخى والتدليس!!.

لذلك لم يكن غريبًا أن يخص عبدالرحيم، وقت أن كان مراسلًا لجريدة «الأهالى» كل رسائله وتحقيقاته الميدانية عن الكشف عن مخاطر وأفعال تلك الجماعات الإرهابية، وله سجل حافل فى ذلك الملف، كمثال تغطيته لمذبحة صنبو وأبوقرقاص، وكشف الإتاوات التى فرضتها الجماعة الإسلامية على تجار ملوى... إلخ.

وبالاستقرار فى القاهرة حملنا معنا «همنا» ورؤيتنا حول خطر جماعات الإرهاب – ليأتى يوم فى منتصف تسعينيات القرن الماضى ليعرض علينا عبدالرحيم على بحماسة وصخبه المجلجل، ورغبته الدائمة فى عدم الاكتفاء بملامسة الأفكار والانتماء لها وفقط، بل بالسعى إلى أن يكون لنا دور فى الفعل والنفاد للواقع، وكانت بدايات الحلم الجسور إنشاء نواة مركز دراسات بحثى متخصص فى دراسات الإسلام السياسى والإرهاب وبمجموعة تعد على أصابع اليد الواحدة.

انطلق الحلم الجسور ليدخل عبدالرحيم ونحن معه أكثر فأكثر فى أتون تجربة التصدى الشجاع والواعى لأفكار وممارسات جماعات العنف والإرهاب على تنوعها وتعدد أسمائها، وهنا أتوقف أمام موقفين دالين يكشفان تفرد وتميز تجربة مرجعية «البوابة»:

الأول: يوم أن أصدرت قيادات الجماعة الإسلامية – من محبسها– ما عرف بالمراجعات «النصف الثانى من عام ١٩٩٧» والتى تعلن فيها مبادرة وقف العنف «الإرهاب المسلح»، ووقتها احتفى الجميع الجميع بتلك المراجعات وانهال الثناء والمديح لتلك القيادات وأعتبر الكثير من الخبراء والمحللين ورجال الإعلام والسياسية أن تلك «المبادرة» تعنى انتهاء الإرهاب فكرًا وممارسة.

ليقف عبدالرحيم – يكاد يكون وحيدًا – محذرا من مخاطر الانسياق وراء تلك المبادرة المزعومة، ويصدر كتابًا ضخمًا بعنوان «الصفقة»، وناله من الداعمين والمبشرين والمروجين لتلك «الصفقة» من المسئولين والكتاب والصحفيين هجومًا وتطاولًا أكثر وأكبر من الذى جاءه من رموز وقيادات الجماعات الإرهابية، وظل ثابتًا على مواقفه لتأتى الأيام عقب ٢٥ يناير وقبل وبعد تولى جماعة الإخوان الحكم ليثبت صحة وجدارة مواقفه.

الثانى: بعد أن نجحت جماعة الإخوان و«مندوبها» من الوصول لقصر الاتحادية وتولى المعزول محمد مرسى الحكم، يقف عبدالرحيم فى ميدان التحرير ليعلن بجسارة ووضوح أن «مرسى» وجماعته مصيرهم السجن والمحكمة وهو ما كان بعدها بأسابيع.

ومع تلاحق الأحداث وتصاعدها، عقب ٢٥ يناير ٢٠١١، وسعى الإخوان الإرهابية والجماعات والقوى التى تدور فى فلكها، وتكشف مخططاتهم الرامية لاختطاف الوطن، والهيمنة على مقدراته، البعض انسحب والبعض صمت والبعض جهز نفسه ليكون فى معية «الجماعة»، والبعض فضل الانتظار ليعرف على أى الشطوط سترسو سفينة الوطن.

فى هذه الأجواء يبادر عبدالرحيم بطرح مشروع متكامل لتدشين مؤسسة إعلامية متكاملة موقع إلكترونى وإعادة هيكلة مركز البحوث والدراسات «تصدر عنه مجلة شهرية محكمة» وموقع متخصص فى دراسات الإسلام السياسى وجريدة يومية بترخيص من المجلس الأعلى للصحافة. هذا عبدالرحيم وتلك جسارته، لا فضاء يحد طموحه، ولا صعاب تفل من عزيمته، وهو يدخل عامه الخمسين – وقتها - ما زال يمتلك الحماس والإصرار، كما كان من ثلاثين عامًا، زاد عليه خبرات ومعارف، عمقت رؤاه وزادته ثقة فى النفس وفى جدارة حلمه/ مشروعه.

وبدأت المحطة الأهم والأكبر، وكان الحرص منذ البداية على أن تتم هيكلة المشروع بشكل مؤسسى متكامل من مجلس استشارى ومجلس أمناء من كوكبة من كبار أساتذتنا من المفكرين والإعلاميين والسياسيين، ومجلس تحرير مستقل لكل إصدار ورقى أو إلكترونى وأطقم فنية وإداريه معاونة على أعلى مستوى، والكل يعمل بتناغم وتنسيق وتفاهم، فريق يملك رؤية واضحة وأهداف محددة وغاية سامية فريق يسعى ويدافع عن «الحلم الجمعى» لكل المصريين. يتصدى للصوص الأوطان ومخططاتهم الإرهابية. يرفع راية العدل والمساواة والدولة المدنية الحديثة. وهذا واحد من أبرز ملامح التجربة المؤسساتية للبوابة.

الملمح الثانى الأبرز، ولعل فى القول أنه التفرد والخصوصية فى تجربة «البوابة».. انها تجربة شبابية بامتياز. فمع عدد قليل لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة من زملاء لهم التقدير والاحترام تتجاوز أعمارهم الخمسين من العمر. تبقى كل القيادات والمسئوليات لزملاء شباب فى العشرينيات والثلاثينيات وبداية الأربعينيات من أعمارهم، وهو ما يجلب للنفس الفرح والفخر بشباب «البوابة»، ويتوجب معه الشكر والامتنان لعبدالرحيم على، الذى كان حريصًا على ضرورة الهيكلة المؤسساتية للبوابة ومستهدفًا الاعتماد على الشباب فى تكوين فريق عمل البوابة.

ورغم الصعوبات والمتاعب، خلال السنوات السبع من عمر «البوابة» والكثير منها يمثل ظاهرة عامة تلاحق عالم الصحافة، خاصة الورقية، وتعترى أكبر وأعرق الصحف، تستمر «البوابة» ويتواصل الحلم، بالتأكيد لدينا مشكلات ومصاعب فى «بوابتنا»، ولكنها – ولله الحمد – مشكلات ومصاعب نمو وتطور، وليست مشكلات ومصاعب تدهور وانهيار، وتنجح «البوابة» فى أعوامها القليلة أن تكون محل ثقة واحترام القراّء والمسئولين، وتنجح مواقعها الإلكترونية فى كسب متابعة وتواصل المتصفحين، وتنجح نافذتها المتخصصة فى دراسة حركات الإسلام السياسى فى التقييم كأفضل موقع متخصص فى مجال الإسلام السياسى متجاوزة مواقع عتيدة وشهيرة سبقتها فى الصدور بأعوام كثيرة.

أعترف بأن سطورى طالت. هل أعتذر عن ذلك؟ عذرى أننى أكتب عن تجربة عقود أربعة عشتها وتفاعلت معها، وأعتقدها الأجمل والأبقى لى، ويكفينى منها مجرد شرف الانتساب لها.

لأصدقاء العمر التحية والتقدير والعرفان على تلك الصحبة الطيبة..

وللراحلين الدكتور جمال إسماعيل والمهندس أحمد يوسف التحية والسلام لروحهما الطيبة، كانا شركاء فى مرحلة من تلك التجربة...

ولشباب «البوابة» التحية والتهنئة والثقة فى قدرتهم على أن يصنعوا للبوابة ولأنفسهم تاريخًا يفخرون به ونفخر بهم.

ولعبدالرحيم على – صديقى وأخى – دمت كما أنت جسورًا.. مقاتلًا.. متفائلًا.. حالمًا.. أعانك الله.