رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

لا أحد يريد ما هو سيِّئ يا "مينون"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

أنا لا ألوم شاروخان القناوي ولا حامل الطوب الدقهلاوي ولا ألوم الحمار ولا صاحبه ولا ألوم أصحاب الشيب المتسكعين على "التيك توك" ولا ألوم صاحب إفيه "كمان واحدة والنبي" ولا صديقه ولا ألوم من يسمونهم نجوم المجتمع.

لا ألوم أحدا.. وكيف ألوم طلاب على رسوبهم ولم يكن لهم أستاذ ومرب، لا في البيت ولا في المدرسة ولا قدوة في المجتمع!.
كيف ألوم من لم يجد من يربيه على عدم التربية.

التربية فعل يُحتذى به وليست أشخاصا وقواعد ترص جنبا إلى جنب كقطع الدومينو.. التربية هي فن صناعة إنسان، هذا الكيان الأعظم خلق كأفضل قالب وقلب، ثم جاء الاختبار الأعظم للنفس ليفلح من زكاها، فنفس الشريف لها غايتان ورود المنايا ونيل المنى.

لذا لم أتعجب حينما قابلت كهلا يهذي بالحق وهو يقول: كلنا يا بني ما اتربيناش". هذه ليست سبة لكنها لحظة مكاشفة وتوصل إلى موطن الداء وأولى مراحل إيجاد الدواء إذا أردنا.

نحن ندجج كتبنا بشعارات التربية، نلقي بها كلمات في كل المحافل، نكتبها عناوين في الصحف وعلى أسوار المدارس، ننقشها جيدا ونحفظها ونمليها على أبنائنا لكن لا نعي معناها.

وإذا أردنا أن نضع أقدامنا على الطريق الصحيح فلتكن التربيّة تربيّة الإنسان من حيث هو، لا تربيّة الإنسان من حيث ما ليس هو.. كما قال جان جاك روسو.

الحقيقة يا سيادة الرئيس أنه لا أحد فينا لا يريد التربية الصحيحة، لكننا نفتقد السبل إليها. فلابد لها من مسؤول تكون رسالته الأولى إعادة القيم، ففلسفة التربية هم أزلي ومشكلة قائمة ومسألة مثارة سابقا والمتخاصم بشأنها حاضرا. وقد أرجع أفلاطون أسبابها إلى أن تفاقم مظاهر البؤس وتردّي الوضع الإنسانيّ قيميا، ينتهي إلى طمس المعنى والقيمة من خلال تألية الفعل، تنميط الحاجات، نفي القيّم، صناعة الأذواق وتشكيل الوعي وقولبة السّلوك، وتشيئة الإنسان ومحاصرته.

نحن في حاجة إلى إعادة التفكير في ترتيب الأولويات في علاقة الإنسان بالعالم والقيم، إذ لا يمكن للإنسانيّة العيش والبقاء دون أخلاق.

ولعلي لا أجد في هذا الموضع أبلغ من محاورة سقراط ومينون، هذا الكتاب الذي يعرض افلاطون فيه  خبرات معلمه سقراط في فن الحوار، وتفنيده آراء غيره، يناقش الحوار طبيعة الفضيلة ومدى إمكانية تعليمها أو اكتسابها.

إذ يقول سقراط من البديهي إذن أنّ أولئك الّذين لا يعرفون الأشيّاء السيّئة لا يرغبون فيها، بل هم يرغبون في الأشياء التي يعتقدون أنّها حسنة وهي في واقع الأمر سيّئة. ومن ثمّ، فإنّ الّذين يظنون أنّها حسنة، دون أن يعرفوها، إنّما يرغبون حقا في أشيّاء حسنة أليس كذلك؟.

مينون: قد يكون لهؤلاء نصيب من ذلك.

سقراط: على مهلك فما ترى في الذين – على حدّ قولك – يرغبون في الأشيّاء السيّئة مضرّة بمن تصيبه، أيعرفون أنّهم عرضة لضررها؟.
مينون: نعم، بالضرورة.

سقراط: ألا يعتقد هؤلاء أنفسهم، أنّ الّذين يلحقهم ضرر يكونون تعساء على قدر ما أصابهم من الضرر؟.
مينون: هذا أيضا ضروري.

سقراط: وأنّ التعساء قليلو الحظ.
مينون: أعتقد هذا، من جانبي أنا.
سقراط: أيوجد إنسان يودّ أن يكون تعيسا ومنكود الحظّ؟مينون: لا يبدو لي ذلك.
سقراط: فلا أحد إذن، يا مينون، يحبّ ما هو سيّئ، هذا إن صحّ أنّه يأبى أن يؤول به الأمر إلى هذه المرتبة. فما معنى أن يكون الإنسان تعيسا إلاّ أن يرغب فيما هو سيّئ ويحصل عليه.

مينون: قد يكون ما تقوله صحيحا يا سقراط، فلا أحد يريد ما هو سيّئ.