الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

فقط.. أيمكننا أن نعيش؟!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

وأنا أقسم راتبي الشهري على بنود الطعام وسداد فاتورة المياه والكهرباء دون ضجر ولا غضب مُستبشرًا بفرج الله. 
وقعت عيناي على سعر تذكرة حفلة "روبي" و"عمرو دياب" و"حكيم".

هربًا من مقارنات لن تجدي؛ ولأن الذهاب إلى المصيف بات حلمًا بعيد المنال، استكفيت بملء "البانيو" وغطست فيه برأسي لعلِّي أنفض منها عناء التفكير، فالشهر بات يمر كسنة ولم يعد ينفع معه "تلبيس عمة هذا لذاك".. ولا أدري ولا يدري جُحا نفسه إذا استقدمناه كيف يحل إشكالية الحياة التي باتت مُعقَّدة إلى ما هو أبعد من حلها كالألغاز.

أصبحت الحياة كسيارة انقطع بها "خرطوم الفرامل" وفقدت السيطرة عليها، ولا أعرف أين ومتى يكون الارتطام، حتى النجاة لم تعد أحد الاحتمالات.

وأتساءل: ما جدوى النجاة إذا كنت سأعاود الدوران في نفس الدائرة؟! فالأمر لم يعد الحلم بوظيفة تُدر دخلا إذا كان حسب ما أعلن أن حد الفقر هو ٨ آلاف جنيه، فأنا وغيري نحتاج إلى "فانوس سحري" نحكه فقط لنطلب أن نعيش، وأظن أن العفريت وسط هذه الحسبة المعقدة سيرفض أن يخرج من الفانوس.

أحاصر أبنائي بنهيهم عن مشاهدة قنوات التلفاز عدا "ماسبيرو زمان" و"روتانا كلاسيك" حتى لا تعرض عليهم أفراح وحفلات هؤلاء القوم الذين يعيشون بجوارنا، فأدخل في دوامة أسئلة بلا إجابة، لكن في غفلة مني يمسكون الهاتف وأتفاجأ بوابل من الأسئلة عن أماكن لم أرَها يومًا ولن أراها.. وعن ملابس وماركات سيارات.
أمس رأى ابني سيارة "حمو بيكا" فسألني: "يا بابا هو أنت ليه مش عندك عربية زي بتاعته؟".. فأجبته: "أرزاق يا بني".. قال لي: "هو بيشتغل إيه؟". لو قلت له: مغني كذبت ، ولو لم أقل له ذلك فما هي الإجابة؟.. فقلت له: "فهلوي يا بني".. باغتني: طيب أنت ليه مش فهلوي زيه؟

سألت نفسي: هو أنا ليه مش فهلوي زيه؟ ما الشيء الذي ينقصني حتى أكون مثل حمو بيكا؟! وبدأت أردد: "باتون ساليه بالسمسم هات" لكني لم أضحك فكيف سيضحك المشاهدون؟! وكيف بكل هذه السنوات من الجد والاجتهاد سأصل إلى إضحاك مليون مشاهد؟!

ليتني بعتُ العصافير في سوق الجمعة، أو تغنيت أمام عربة طعام "الجملي هو أملي" بدلا من ضياع بصري في كتب لم أحصد منها سوى تلك المرارة في الروح.

الغريب أنني قلت لابني: روح ذاكر.. قلتها له وأنا قد تجرعت من ذلك المشوار الألم، وبت من جرائه أحد هؤلاء الذين يعيشون تحت خط الفقر.

ناديت على ابني وقلت له: أنا أحسن ولا حمو بيكا، فضحك ومسح لي المكتب وقبَّلني على وجنتي ولم يُجبْ عن السؤال.

فتحت الكمبيوتر أمامي.. وأنا أدفع دمعة من عيني كادت أن تسقط وكتبت: "فقط.. أيمكننا أن نعيش؟!".