الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

جامعات الريف!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

فكرة الجامعات المتخصصة أو المتميزة فى علوم معينة هى فكرة سائدة لدى جامعات الغرب منذ عقود طويلة، وقيام مصر بالأخذ بهذا الأمر على استحياء مؤخرا هو فكرة جيدة على الطريق الصحيح يجب دعمها وتشجيعها والتوسع فيها، لكى تستطيع القيام بدورها المطلوب فى تنمية المجتمع والإسهام فى نهضته.
ومن الغريب أن كل الجامعات المصرية، سواء كانت حكومية أو أهلية أو خاصة، لا توجد إلا فى العاصمة أو المدن الكبرى، أو بعض عواصم المحافظات، ولا توجد جامعة واحدة فى الريف المصرى تلامس بيئتهم وتهتم بشئونهم وتعتنى بمنتجاتهم، باستثناء كليات قليلة جدًا للزراعة فى بعض القري، وربما كانت قرية مشتهر بالقليوبية هى الاستثناء عن هذه القاعدة. وكانت فكرة تأسيس كليتين للزراعة والطب البيطرى فى هذه القرى منذ أكثر من نصف قرن فى قرية مشتهر فكرة عظيمة وملهمة، إلا أنها لم تجد من يكرر هذه التجربة المحترمة فى قرى أخري.
والجامعات المتخصصة يجب أن تنتشر فى كل ربوع مصر، فى ريفها قبل حضرها، بل أتمنى أن يتم تأسيس جامعة فى كل مركز من مراكز مصر، وأن تحرص الجامعة على أن تهتم بطبيعة المنطقة التى تحيط بها، فإذا كانت المنطقة زراعية فيجب أن تكون أولوية الجامعة تتركز فى الاهتمام بالأبحاث التى تساهم فى التنمية الزراعية، خاصة فى الزراعات التى يهتم أبناء منطقتها بزراعتها، سواء كانت زراعات قصب، كما هو فى الصعيد أو زراعات قطن أو خضروات أو حبوب أو غيرها، من تلك التى تنتشر فى محافظات مصر المختلفة فى الوجهين القبلى والبحري.
وتوطين الجامعات والمؤسسات التعليمية المتطورة فى الريف، هو القاطرة التى ستساهم فى تطوير البيئة الريفية المصرية، ويضاعف انتاجيتها فى المجالات التى تهتم بها ويحتاجها المجتمع كى تكتمل منظومة إنتاجية تساهم فى نهضة البلاد، وتغطى احتياجاته فى الزراعة والصناعة والتجارة أيضا.
ولعل مبادرة حياة كريمة تساهم فى تعزيز اتجاه توطين جامعات تكنولوجية معينة، أو يساهم فى الحد من الهجرة الداخلية من القرى إلى الريف، كما يقلل من الضغط على وسائل المواصلات المتجهة من الريف إلى المدن، حيث توجد تلك الجامعات، هذا من ناحية وهو أمر مهم سوف يساهم فى توفير نفقات السفر اليومى للطلاب إلى جامعاتهم،ويخفف فى نفس الوقت من ضغوط الزحام على وسائل المواصلات والطرق فى المدن، التى تئن من زحام مرورى يومي.
ويمكن لمبادرة «حياة كريمة» أن تؤسس لـ«كرامة مستدامة» بإنشاء هذه الجامعات فى الريف المصري، لأنها بلا شك سوف تساهم فى حل مشكلات البيئة المحيطة بها، والارتقاء بها بشكل دائم، خاصة فى مجالات الزراعة والرى، واقتصاديات المياه، كما يمكنها أن تطور العديد من الصناعات التى تتميز بها بعض المدن والقري، مثل صناعات الغزل والنسيج، والأثاث والصناعات الغذائية وكذلك الصناعات التقليدية القديمة التى تميز بعض القري.
كما يمكن لهذه الجامعات إنشاء مستشفيات تابعة لها، تساهم بلا شك فى التخفيف من أمراض وأوجاع أهلنا فى الريف المصري، خاصة أن المستشفيات الجامعية لها سمعة طيبة، لدى المصريين، كما أسهمت فى التخفيف من الضغط، على منظومة العلاج الحكومية التابعة لوزارة الصحة بشكل كبير.
ويمكن للمستشفيات الجامعية الريفية أن تتعامل عن قرب، مع الأمراض التى تتركز أكثر فى الريف المصري، بسبب بيئة العمل التى يعمل فيها معظم ابناء الريف،أو تلك الأمراض التى تنتج عن سوء التغذية، أو التلوث أو بطء النمو لدى الأطفال.
لا يمكن للريف المصرى أن تتحقق له «حياة كريمة»، دون أن نمنحه الادوات التى تحقق له الاستدامة الكريمة لحياته تلك وتطيل أمد استمتاعه بالرفاهية، التى تحاول الدولة منحها إياه، ولن يحدث هذا إلا بالعلم والتدريب الجيد، الذى يؤهله للحفاظ على مكتسباته والاهتمام بالبيئة التى يعيش فيها، وتجويدها وتطويرها. ويمكن للجامعات أن تلهمه ذلك، وتحفزه على الإبداع واستغلال طاقاته فى تحسين حياته، وبذلك نحقق معادلة بناء البشر كما نبنى الحجر.