الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

رواد الفن الشعبي ينعون محمود رضا.. زكريا عبدالشافي: صاحب ذاكرة فوتوغرافية.. علي الجندي: لا يقل أهمية عن سيد درويش

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ليس مجرد مصمم رقصات أو راقص أو صاحب فرقة أو ممثل أو مخرج أو حتى باحث، فهو مزيج استثنائي من الفنانين، إنه أسطورة الرقص محمود رضا، والذي غيبه الموت عن عالمنا أمس الجمعة الموافق 10 يوليو 2020. 
محمود رضا محارب في معبد الرقص استطاع بموهبته الاستثنائية أن يحيي التراث الشعبي والرقصات الشعبية ووصل به إلى العالمية، تهافت عليه الملوك والأمراء ليكونوا رواده، جاب المدن والمحافظات في بحث مستمر لم ينقطع عمَّا هو مصري وأصيل، صاحبته مفكرته التي دون خلالها الموروث ليستلهم منه أعظم وأروع الرقصات، التي مازالنا نحفظ حركاتها عن ظهر قلب، ومازالت حتى الآن، لم يستطع الكثيرون الوصول إلى ما وصل إليه محمود رضا من مكانه فهو عاشق أعطى عشيقته كل ما لديها.


استطاع محمود رضا أن يجمع الجميع تحت لواء محبته، فالكل كان يراه الأستاذ والمعلم والأب، حكي عنه فاروق سالم في مذاكراته التي حملت عنوان "أيام وليالي مع فرقة رضا"، كما تحدث عنه الفنان الكبير حسين العزبي الذي غيبه الموت عنا منذ أسابيع، في حواره مع البوابة، ورفيق الرحلة الفنان زكريا عبد الشافي، وخلال السطور التالية سنعرض تلك الأحاديث والتي تؤكد جميعهًا أننا فقدنا أحد أساطير الفن والإبداع الفني في مصر والذي خلَّد اسمه وحفرة في التاريخ كنقوش المعابد والمقابر الأثرية. 
يقول عنه ذراعه الأيمن الدكتور زكريا عبد الشافي، رئيس قطاع الفنون الشعبية والاستعراضية الأسبق: "أن محمود رضا كان لديه ذاكرة فوتوغرافية عبقرية، والتي كان يستعديها بمجرد بدئه في عمل أي استعراض خاص بالفن شعبي مصري، وكان راقص بالية شاطر، وكان عبقري وأعماله جاءت من عصارة خبراته كراقص، وتميزت بخطوات قريبة من البيئة والواقع المصري، فاستلهم منها وقدمها بشكل مُمسرح، أي يصلح للتقديم على خشبة المسرح". 
وأضاف زكريا:" أن محمود رضا اخترع منهجية للتدريب على هذا النوع من الرقص المُستلهم، كما أنه وضع منهج خاص بفرقة رضا للتدريب ولتعليم الراقصين الجدد، ومن لا يتدرب على هذا المنهج هناك استحالة بأن يقوم بالرقص بفرقة رضا، حيث إنه يمكن أن يؤدي نفس الحركات ولكنه لن يملك الروح الخاصة بفرقة رضا، والتي تتميز بخطوات وأفكار خاصة بها، حيث إن البيئة المحيطة بالفرقة كانت بيئة فنية، فالراقصين الذين معه كانوا بارعين في ترجمة ما يريده محمود رضا، وكان يأخذ رأى جميع من حوله، فكل شيء كان محدد ومجدول، وجميع الراقصين كانوا أداة طيعة لمحمود رضا بما فيهم الفنانة فريدة فهمي، والتي تفهم كل ما يريده، بالإضافة إلى مهارتها كراقصة؛ هذا بالإضافة إلى التكوين الرياضي لمحمود والإحساس الموسيقي لديه كان مرتفع، كل هذه الأسباب جعلته ينتج هذا النوع من الفن"، مشيرًا إلى أن قطاع الفنون الشعبية والاستعراضية قد أنشيء خصيصًا لفرقة رضا، ولهذا النوع من الفن، الذي كان يجوب العالم بأسره". 

«الاستثنائي»
وفي هذا السياق يقول الفنان الراحل حسين العزبي مهندس الديكور: "أن الفنان محمود رضا كان يعطي وقتًا كبيرًا لكل شيء حتى يتم إنجازه على أكمل وجه ممكن، فهو قامة كبيرة وأستاذًا ويجب تكريمه باعتباره رائد الفن الشعبي في مصر، فكان يعتبر أن حركة الراقصين هي البطل في العرض ولا يريد أن شيء أخر أن يشد اجتذاب الجمهور سوى الرقصات، وهو ما جعله يقوم بإلغاء بعض المشاهد الخاصة بالديكور في ليلة "الجنيرال" قبل العرض بيوم، فمحمود رضا شخص استثنائي والعمل معه ممتع للغاية، فقد أعطاني وقت كبير للمعايشة خاصة البيئة التي يتم الاستلهام منها، كما ساهمت دراساتي السابقة بشكل كبير في رسم المناظر الخاصة بالديكورات، لاسيما المتعلقة بالمأثور الشعبي، والحفاظ على الهوية المصرية، فشعرت أنني وأنا ارسم لوحات ومناظر المشاهد بأنني أحد الراقصين بالفرقة، فكنت أرسم وأنا أرقص، وأشعر بانسياب في الحركة". 
محمود رضا هو «درويش» الفن الشعبي 
وأضاف:"أن محمود رضا لم يكن مجرد راقص أو مصمم رقصات فكان – سابق عصره- فكان مولع بالتصوير الفوتوغرافي، ويحث الجميع على البحث في الموروث الثقافي قبل البدء بالعمل، ولهذا توفر للعرض كافة الإمكانيات الفنية، فكان رضا يترك الوقت والفرصة للجميع للإبداع". 
وقال الفنان على الجندي رئيس ومؤسس فرقة الإسكندرية للفنون الشعبية: "أن دور محمود رضا في الفن الشعبي لا يقل أهمية عن دور سيد درويش في الموسيقى المصرية، وللأسف أن الدولة بعد ذلك لم تقدر هذا الدور الريادي لمحمود رضا وتحمي تراثه، ولم يوفوه حقه، بالرغم من ترشحه لجائزة مبارك وجائزة النيل مرتين من قبل نقابة المهن التمثيلية وهي الصوت الشرعي للفنانين المصريين"

«الجاد.. الملتزم»
ويقول فروق سالم من خلال كتابه "أيام وليال مع فرقة رضا" والذي سرد خلاله حكايات وأسرار الفرقة: "إن محمود رضا كان دائم القلق على الفرقة، وكان يرى أن العمل بها متعب ومجهد وجاد جدًا، كما أنه يحتاج لتركيز قوي وصبر، هذا إلى جانب الموهبة والاستعداد، وقال لي محمود رضا عند بداية دخولي الفرقة «أنا تعبت جدًا علشان أكون الفرقة دي واجمع المجموعة دي معايا جميعهم شبابًا صغيرًا من معظم أندية مصر، ومن أكفأ الشباب الرياضي لياقة بدنيا وخلقًا وعلمًا ومعظمهم جامعيين، إحنا شعارنا إننا واحد ليس هناك رئيس ومرؤوس، الكذاب والكسول وخالق المشكلات مالوش مكان عندنا، وساعة العمل كل واحد عارف شغله كويس، معندناش صبر أو رحمة مع لعب العيال.. عند التدريب أو العروض مافيش إلا الجد والتركيز لأن عروضنا هي سمعتنا وعروضنا بره مصر هتكون أكثر من عروضنا في مصر».
ويتابع فاروق موضحًا أن محمود رضا كان صادقًا للغاية وكان يقول عند انضمام أي عضو في الفرقة:"مش مهم يا فاروق عندنا العضو ابن مين؟ أو أخو مين؟ جاءني من قبل ابن وزير حالي للانضمام للفرقة بتوصية من والده الوزير ورفضته، لأنه لا يصلح للفرقة وجدية الفرقة.. المهم عندنا الموهبة اولًا، ثم الالتزام والاحترام، والاستعداد للتعلم والباقي علينا إحنا.. أنا باقولك كده علشان تفكر مائة مرة قبل ما تقرر الانضمام لينا.. وبعد اختبارك موافقتى عليك ساعتا حاتلاقي الفرقة بترحب بيك". 
«القلوق»
كان محمود رضا دائم القلق عند بداية وأثناء تكوين الفرقة، فكان يبذل الجهد في تدريب الشباب والفتيات لشهور وسنين، ثم يتركون الفرقة لأي سبب من الأسباب، مل العمل في وظائف أخرى أفضل دخلًا، أو فرصة سفر إلى الخارج للعمل بمؤهله الدراسي، وكان دائم الحرص على تقوية أواصر الفرقة بعضهم إلى بعض، فكان يرى أنه يجب أن يكون شباب وفتيات الفرقة من الدارسين وعلى مستوى ثقافي وعلمي، وكان يهتم بأن يكون معيار اختيارهم على أن يكونوا على خلق، وأيضًا أن يكونوا ممن يتبعون التعليمات والالتزام بأنظمة الفرقة واحترامها داخل الدولة وخارجها. 
ولهذا كان يحرص دائمًا على التقريب بين أفراد الفرقة الشباب والفتيات، وكان يشجع بشكل غير مباشر عن الزواج بينهم بدون أي نوع من الإجبار، مما يحمي الشباب ويصون الفتيات، وبذلك يكون ارتباطهم بالقرفة أقوى إلى جانب الدخل المزدوج، والمبالغ الإضافية التي يحصلون عليها من السفر وبالفعل تزوج الكثير من أفراد الفرقة، ومنهم هناء الشوربجي وحسن عفيفي. 
وكان محمود رضا دائم العمل على اجتذاب بعض أعضاء جدد من الشباب الرياضي الجامعي، ويتم تدريبهم وتجهيزهم بكل التطورات، ذلك لأنه كان يعلم أن هناك عمر للراقص وبعدها لن يستطيع في الاستمرار بالعمل كراقص، ولهذا كان حريصًا كل فترة على ضخ دماء جديدة للفرقة. 
أولاد على بمبة وعبقرية محمود رضا
الجميع يتذكر التابلوه الاستعراضي "أولاد على بمبة" الذي قدمه الفنان الراحل حسن عفيفي والذي لعب فيه دور «الشاويش المشاكس»، ويُعد من أجمل تابلوهات فرقة رضا، فقد استلهمه محمود رضا من بائع العرائس الخشبية المتجول، فكان البيع في وسط الشارع ممنوعًا في ذلك الوقت وكان بائع العرائس قد ابتكر حيلة لبيعها دون أن يتعرض للإيذاء من قبل رجال الشرطة، فكان يقوم بربط العرائس الخشبية بحبل رفيع ويضعها على حاتئط مبني في الشارع، ومع طول الحبل تصبح العروسة عائقًا أمام المارة ومنهم من يقف ليشاهدها ويتفرج عليها، فإذا جذبت العروسة الخشبية انتباه أحد المارة يقوم بائع العرائس بسحب الحبل بأصابع يديه فتبدو وكان العروسة تقوم بالرقص وكأنها عروسة حقيقية، ووقتها يقف الجماهير ليشاهدوا الرقصة والتمتع بها، ومنهم من يقوم بشراءها ومنهم من يعطي للبائع مبلغًا من المال كتحية على أداءه.
ومن هنا وجد محمود رضا ان هذه اللعبة لافتة للنظر حيث إن الجماهير في الشارع تقف وتشاهدها وقام بتحويل تلك اللعبة إلى تابلوه في عروض الفرقة، وزود عليها فكرة الشاويش الفلاح الذي يطارد على بمبة "بائع العرائس" بلهجته الفلاحي، ويدور بينهما حورًا يدخل البهجة على الجمهور"، حيث تظهر إحدى الراقصات الفرقة لتؤدي دور العروس لخشب وتنفذ في حركات فكاهية راقصة "مثل البانتومايم" حسب حركات أصابع البائع على الحبل الوهمي، وكأنها مربوطة فعلًا بحب معه، حتى تصل الأمور حين ينجح البائع في النهاية بجعل الشاويش يرقص مع العروسة متتبعًا أيضًا أوامر البائع وكـأنه هو أيضًا مربوط بحركات البائع وينتهي عرض هذا التابلوه على هذا النحو. 
وهنا نجد أن محمود رضا كان يستلهم من حركة الشارع والبائعة الجائلين أفكارًا لتلبوهات استعراضية تعبر عن الثقافة المجتمعية.