رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

سامح قاسم يكتب: رسائل سلفيا بلاث.. الشاعرة العنيدة التى قادها زوجها إلى الانتحار (1)

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

كتبت الشعر والقصة لكنها رسمت حياتها بمنتهى الدقة في «الرسائل»

خيانة «تيد هيوز» أصابتها بالحزن والخذلان ولم تشكك يوما في عبقريته ككاتب

عاشت الشاعرة الأمريكية سيلفيا بلاث حياة حافلة بالمعاناة، حياة قصيرة (1932-1963)، لكنها كانت فوق احتمال طاقة شاعرة روحها هشة رغم قوة عاطفية كبيرة تتجلى في كلماتها.. حياتها تناول تفاصيلها المأساوية كتاب كثيرون على حساب قصائدها التى تعتبر من علامات الشعر والأدب العالميين، علاقتها مع زوجها الشاعر تيد هيوز شغلت أيضا محبيها والمقربين منها والقراء خاصة بعدما أشيع أنه كان سببا بطريقة أو بأخرى في إقدامها على الانتحار.


كانت سيلفيا تكتب الشعر والقصة وتمارس الرسم أحيانا لكنها رسمت حياتها بدقة في رسائلها إلى عائلتها وأصدقائها للدرجة التى تجعل المهتمين بها وبفنها يرون كيف عاشت وكذلك كيف عانت تلك المعاناة التى من الممكن بسهولة أن تقود شخص ما إلى حافة الانهيار ليختفى كنجم حارق.

اهتمت سيلفيا بلاث بتأريخ كل رسالة وجهتها إلى صديقتها «آن» وكذلك صديقتها «مارشا بروان» وفى رسائلها إلى والدتها تكشف مدى الترابط الذى كان يجمعها بعائلتها خاصة والدتها التى كانت ترسل لها كل تفاصيل أيامها وما يدور فيها ففى نهاية فبراير من عام ١٩٥٦ كتبت إلى والدتها رسالة تقول فيها:

«بالمناسبة قابلت شاعرا رائعا هو طالب سابق في كامبريدج في حفل حضرته الأسبوع الماضى من المحتمل ألا أراه مجددا، لكننى كتبت عنه قصيدتى الأجمل، إنه الرجل الوحيد الذى التقيته وأشعر بأنه قوى بما يكفى ليكون مساويًا لى، يا لها من حياة».

وفى رسالة أخرى تصف بلاث هذا الشاعر لوالدتها (والذى سيصبح قريبًا زوجها) كما تقول فاطمة نعيمى مترجمة الرسائل.

«هذا الشاعر المسمى تيد هيوز، طويل القامة، ذو وجه كبير، وشعر بنى داكن، وعينين خضراوين زرقاوين متوهجتين، ويرتدى نفس الملابس القديمة طوال الوقت، سترة سوداء سميكة وسروالا خاكيا ملطخا بالنبيذ». وعلى الرغم من أنه قد تم عقد قرانهما، إلا أن الأمر بقى سرا، إذ كانت بلاث تخشى من فقدان منحة فولبرايت الجامعية إذا اكتشفت السلطات أنها متزوجة.

وكما تقول المترجمة في مقدمة الكتاب: تبدأ الرسائل بتقديم صورة تفصيلية لزواجهما وتستمر إلى النهاية المأساوية حيث الانفصال وعودة الاكتئاب وصولا إلى الانتحار.

تعتبر رسائل سيلفيا بلاث الطويلة لأمها العمود الفقرى لمجموع الرسائل في الكتاب ذلك أنها تؤرخ لتفاصيل ويوميات ومشاعر بلاث في جامعة كامبريدج كامرأة متزوجة، التدريس في كلية سميث والعيش في نورثهامبتون مع هيوز، جمع مدخراتهما للعيش في بوسطن والكتابة بدوام كامل، السفر إلى كاليفورنيا والاقامة في معتزل يادو في ساراتوغا سبرينغر، والاستقرار أخيرا في إنجلترا (ديسمبر ١٩٥٩- فبراير ١٩٦٣).

ويقول الكتاب عن رسائل الشاعرة الأمريكية إلى والدتها إنها كانت إيجابية بشكل عام وتركز على الأمور العملية ذلك أن سيلفيا كانت تدرك أن والدتها تواجه صعوبة في التعامل مع تقلباتها المزاجية. بعد ممارسة التدريس لمدة عام في كلية سميث صرحت لوالدتها أن المهن الأكاديمية هى بمثابة «الموت للكتابة». وبالتالى فقد قررت تكريس نفسها للكتابة الإبداعية لبقية حياتها.

تحدثت سيلفيا بلاث في رسائلها للمقربين منها عن زواجها وحياتها كزوجة وأم ومن بعدها اكتشافها لخيانة تيد هيوز لها وعلاقته الغرامية بآسيا وايفل والانفصال وما لحق ذلك من مشاعر الغضب والحزن والخذلان، لكن مع كل ذلك وبغض النظر عن الظروف لم تغير بلاث رأيها بهيوز أبدا ككاتب عبقرى.

لم تتمكن بلاث من أن تحب نفسها بما يكفى لمواجهة وضعها دون دعم نفسى أو زوج مخلص وبالنتيجة فقد قامت بالانتحار في ١١ فبراير ١٩٦٣ على الرغم من تكرارها عبارات مثل: «أنا قوية وعنيدة ومحاربة».


 

وهنا اخترنا عددا من رسائل هذه الشاعرة صاحبة القصائد الفريدة والوضاءة.

يبدأ الكتاب برسالة أرسلتها سيلفيا بلاث إلى والدها بتاريخ ١٩ فبراير ١٩٤٠ جاء فيها:

أبى العزيز

سأعود إلى المنزل قريبا. هل أنت سعيد بقدري؟

في مكتب فرانك تلطخت أصبعى بالحبر ولم أتمكن من إزالته! اضطررت إلى فركها بحجر إلى أن زال، كتبت رسالة إلى أمى ووران. إذا كنت تود قراءتها يمكنك أن تطلب منهما ذلك. رسالتى ليست طويلة.

وارن يحب أن أكتب له باللون البرتقالى. أمى تحب أن أكتب لها باللون الأحمر. لكن الجميع تقريبا يحب أن أكتب باللون الأزرق أو الأسود.

كما قلت لك رسالتى ليست طويل. حسنا سأكون في المنزل قريبا.

حبى.

سيلفيا

وفى رسالة أرسلتها إلى والدتها أوريليا شوبر بلاث في ١٣ يناير ١٩٤٣ جاء فيها:

أمى العزيزة

لدى شيء لك وضعته على الرف الجانبى حيث كانت شجرة عيد الميلاد الزرقاء. الساعة الآن السابعة والربع.

قضيت ثلاثة أرباع الساعة في الموسيقى، كنا أنا ووران مهذبين ولم نسئ التصرف. عرفت مع مارشا حتى الساعة الخامسة. لقد استخدمت أصابعى في العزف كما علمتنى وظللت أقول لنفسى: «هذا هو ما تريد أمى منى فعله». ولذلك قمت بعمل جيد، أكلت وجبة الإفطار بالكامل ولم أضايق وارن، ذهبت إلى المدرسة معه ودافعت عنه، بالمناسبة أقرضتنى المعلمة دنواى كتاب شعر أحتفظ به في المدرسة.

يجب أن أستعد الآن للنوم.

الساعة الآن الثامنة و٢٥ دقيقة.

مع حبى.

سيلفيا

وفى رسالة أخرى أرسلتها لوالدتها أيضا تخبرها فيها عن أنها كتبت بعض القصائد قالت سيلفيا بلاث:

أمى العزيزة

اليوم هو السبت وهذا الصباح نهضت وتناولت وجبة فطور جيدة. ثم صعدت إلى الطابق العلوى مع جدتى، واستحممت.

لقد كتبت بعض القصائد، ها هى:

اغرس القليل من البذور

اخلطها مع ماء المطر

حركةا ببعض أشعة الشمس

وواجنِ بعض الزهور

■ ■

لدى جنية صغيرة،

قطتان صغيرتان وفأر

في منزل صغير

وتربت على فراء الفأر

عندما نريد نهويدة

تخرخر القطتان

■ ■

يجب أن تكون لك أذناى السحريتان

لتسمع جرس زهر الجريس الأزرق

بين الحقول شديدة الخطرة

حيث تغنى كل الزهور.

■ ■

يجب أن تكون لك عيناى السحريتان

لرؤية وعاء الذهب

الذى يقع وراء قوس قزح

بين الكنوز التى لا يمكن وصفها

يجب أن يكون لديك جناحى السحريان

لترفرف في السماء، وتنسجم في محادثة ودية

مع فراشة

في الأيام التى لا يوجد لديك شيء للقيام به

وتريد أن ترى وتسمع هذه العجائب السحرية

بصوت عال وواضح

سأعيرك إياها

■ ■

أود أن أمنحك كل هذه الأشياء، ولكنى أعلم أننى أستطيع تعويضها عن طريق فعل الخير. أعطتنى السيدة آكر مقطوعة موسيقية بعنوان «ميرى فارمر» من تأليف شومان. لقد وقعت في حبها.

لقد قرأت أجمل كتاب على الإطلاق، إنها قصة فتاة صغيرة بلا أم كام والدها في شرق أفريقيا حيث عاشت مع عمتين لم يعجبهما أطفال هذا الوقت أو أى أطفال. كان حلم الفتاة الصغيرة هو الذهاب إلى المدرسة، وأن تصبح قطعة براونى ترتدى قبعة فطر بنية وأن يتم تقصير شعرها لأن شعرها كان دائما في ضفيرة مستقيمة.

في أحد الأيام عندما جاءت عمتها لإعطائها دروسا، وجدتاها تقرأ كتابا خياليا عن الجنيات، سألتاها ما هذا الهراء السخيف الذى كانت تقرأه، أجابت أنها تريد أن تذهب إلى المدرسة، وأخبرتهما بكل أحلامها وأن الجنيات لسن «هراء سخيف». لقد صدمت العمتان وأرسلتاها إلى السرير.

شعرت بأنها كانت تعيش في كابوس فظيع، فجأة قفزت فكرة رهيبة في ذهنها، أخذت مقص عمتها وبدأت في قص شعرها ثم سقطت جديلتها في حجرها. عندما جاءت عمتاها إلى غرفتها واكتشفتا ما فعلته الفتاة وأخبرتاها بأن تنظر لنفسها في المرآة. كان شعرها مستقيما وطويلا على جانب واحد وقصيرا من الجانب الآخر، وكعقاب لها، كان عليها أن تبقى هكذا لمدة أسبوع. تم إرسالها إلى الحديقة وقررت العمتان أن فرض الانضباط هو أفضل شيء يمكنهما القيام به. في الحديقة مسحت الفتاة عينيها الدامعتين لتفاجأ بجنية أمامها! سألتها الجنية ما الأمر، وحكت لها باميلا (هكذا كان اسمها) قصتها. طلبت منها الجنية أن تغلق عينيها وهى ستجفف دموعها، لمست شعر باميلا وأصبح مموجا، ولمست وجهها الملوث بالدموع وأصبح ورديا ونظيفا، ولمست فستانها المجعد فأصبح مرتبا وأبيض.

ذهبت الجنية التى لم يكن يراها سوى الفتاة الصغيرة. قالت لها الجنية إنها ستحاول «تأديب» العمات. الكتاب كله يدور حول الجنية والفتاة الصغيرة وهما تحاولان (بشكل كوميدي) تأديب العمات.

إليك قصيدة أخرى قمت بتأليفها:

لقد وجدت جنية صغيرة

نائمة في وردة

عندما التقطتها

فركت أنفها الصغير.

أخذتها إلى المنزل

وصنعت لها سريرا صغيرا

يحده الشوك الناعم في أسفله

وبتلات وردة لرأسها.

هذه الجنية الصغيرة

(أسميتها روزي)

كبرت وكبرت وكبرت

والتقطتنى تحت سماء شديدة الزرقة

كم أحب جنيتى الصغيرة

ألا تود أن تكون عندك واحدة أيضا؟

حبي

سليفيا